نشر: موقع روح الإسلام
أحكام الحج والعمرة – شريط (2)
للشيخ العلَّامة المُحدِّث
محمَّد ناصر الدين الألباني
-رحمه الله تعالى-
سؤال: هل يجوز للمحرم قتل الذباب والنَّمل؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: لا يجوز قتل الذباب والنمل ليس للمُحرم فقط بل وللحال (المُحل) إلا في حالة واحدة من هنا يؤخذ من لفظة (العقور) إذا كان النَّمل بصورة مؤذية جدًّا للحاجّ جاز أيضا، أما بصورة عامَّة لا يجوز قتل النمل حتى في حالة غير الإحرام إلَّا إذا كان يؤذي، كل شيء مؤذي مما لم يأت النص بإباحة قتله لا يجوز مباشرة قتله فورا إلَّا بعد أن نعجَز عن صرفه بالطرق السلمية، يعني كالعدو ادفعه بالتي هي أحسن، فإذا ما استطعت إلا بقتله تقتله ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما رأسا نقتله ما يجوز. هناك حديث في صحيح مسلم لازم نسمعكم إياه! عن أبي هريرة أن النَّبي صلَّى الله عليه و سلم قال: (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملةٌ فأمر بجهازه فأُخرج من تحتها ثم أمر بها فأُحرقت في النار قال فأوحى اللهُ إليه: (فهلَّا نملة واحدة). وفي رواية (أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأُحرقت فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملةٌ أهلكت أمَّة من الأمم تُسبح؟) أمة من الأمم تسبّح الله!؟ أنكر الله على النبي -مع أنه مقروص من النملة ملدوغ منها- أنكر الله عليه: أنه على الأقل يقتل واحدة!، التي آذتك آذها!، أما كل هذه البلد للنمل، طبعًا كل شيء بحسبه؛ فالنمل له فيحكون عن النمل في بلاد السودان وفي هذه البلاد بحجم كبير جدا وله بيوت منظَّمة أسوة بالنحل، المهم أن الله -عز وجل- بيّن لنا في هذا الحديث على لسان الرسول عليه السلام وهو في صحيح مسلم أن السبب في عدم جواز قتل النّمل هو أنه أمَّة من الأمم، أممٌ أمثالكم ((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ))، إذن لا يجوز أن نقتل إلا المؤذي، ومتى؟ حينما لا نستطيع أن نخلص من شره، ما فيه عندنا طريقة نخلص بها من شر هذا المؤذي نقتله ونقتل المعتدي الباغي لا أكثر.
سؤال: هل يحرم على المحرم العقد أو الخطبة؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب نعم، ذلك حرام، ما دام لا يزال في الإحرام فلا يجوز الخطبة فضلا عن العقد، وهذا فيه حديث صحيح صريح في صحيح مسلم.
سؤال: ما حكم من أصاب ثوبه من طيب الكعبة وهو مُحرم؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب -قبل أن نتصور السؤال- ما دام هو ما قصد ذلك، فليس عليه شيء، ولكن كيف تصور السائل أنه أصاب ثوبه من طيب الكعبة، هل يعني طيب الكعبة سائل يسيل على الناس؟ وإلا كيف تصور السائل ما أدري، لكن بيت القصيد من السؤال أنه إن أصابه طيب بدون سعي وكسب منه فلا بأس عليه.
سؤال:هل يجوز شرب الأشربة المُعطَّرة للمحرم كماء الزهر مثلا؟.
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب: يحوز
سؤال: هل يجوز للمحرم دهن رأسه بغير الطيب كالزيت مثلا؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: يجوز مادام أنه لا طيب فيه.
سؤال: هل على المحرم الذي قتل صيدا ناسيا أو جاهلا بالتحريم فدية؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب: لا علم عندي الآن.
سؤال: ما هي الفدية التي يفديها المحرم الذي قتل أو اصطاد؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب هنا فيه تفصيل، الصيد الذي اصطاده يحكم رجلان عدلان بنوعية الفدية التي تجب عليه، فإن اصطاد غزالا مثلا فقد يوجبون عليه كبشا، وإن اصطاد مثلا حمام، يوجبون عليه شئ قريبا منه، هذا له تفاصيل في كتب الحديث والفقه، والأصل في ذلك تحكيم عدلين مسلمين عالمين في ذلك.
سؤال: هل تحريم قطع الشجرة على المُحرم يقتصر على ما ينبته الله تعالى من غير صُنع آدمي أو يشمل الاثنين وكيف يكون الجزاء؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: العلةَّ هنا ليس كون النبات من إنبات الله أو من زرع الإنسان، وإنَّما العلَّة أن يكون النبات في أرض الحرم، فسواء كان من خلق الله -عز وجل- دون واسطة بشر أو بواسطة بشر فلا يجوز قتل الشجر مطلقا من هذا النوع أو من ذاك.
سؤال: هل يصح الطواف بدون وضوء، وإذا توضأ ثم أحدث حدثا أصغر أثناء الطواف فهل يبطل طوافه و يلزمه تجديد الوضوء؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب: هذه مسألة خلافية والراجح أنه لا بد من الطهارة،
أولاً: بدليل حديث عائشة السابق (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي).
ثانياً: قوله عليه الصلاة والسلام (الطواف بالبيت صلاة ولكن الله تبارك وتعالى أحل لكم فيه الكلام، فلا تكثروا فيه من الكلام)، وإنما قال (الطواف بالبيت صلاة) فهذا التشبيه يقتضي إيجاب الطهارة فيكون هذا الحديث مُدعمًا لحديث عائشة، وحديث عائشة مدعمًا له من حيث أن كلا منهما يوجب الطهارة للطواف حول الكعبة.
سؤال: قال تعالى ((إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)) [البقرة: 158] ما معنى فلا جناح عليه أن يطوف بهما في الآية الكريمة؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: هذه الآية استشكلها عروة -السابق الذكر ابن الزبير ابن أخت السيدة عائشة- قال ذات يوم للسيدة عائشة: ما أرى إلا أن الرجل إذا حجّ وما طاف بالبيت ولا سعى بين الصفا والمروة قال ما أرى إلا أن حجَّه صحيح، فقالت له خالته عائشة ولم ذلك؟، فتلا هذه الآية، أي شبهته هي ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ ﴾، هو فهم كما يفهم كل إنسان - أولًا ما عنده الأسلوب العربي وثانياً ما يعرف المناسبة التي نزلت من أجلها هذه الآية: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ ﴾ - يعني ما عليه شيء أنه يطوف، فمفهوم هذا أنه أيضا ما عليه شيء أنه ما يطوف، هكذا فهم عروة، فقالت له السيدة عائشة قالت: لو كان الأمر كما تقول لكانت الآية ((فلا جناح عليه ألَّا يطوف بهما)) لكن الآية تقول ((فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ))، مش ((أن لا يطوف))، وأيضا بهذا المقدار لا يُفهم المراد، ولكن بيَّنت السيدة عائشة القضية بيانًا شافيًا فقالت وأفادت ما خلاصته: أن هذه الآية نزلت بعدما الصحابة آمنوا وأسلموا وعرفوا الإسلام فصاروا يبتعدوا عن جاهليتهم السابقة، كانوا قبل الإسلام إذا جاءوا عند الكعبة وطافوا بين الصفا والمروة، كانوا يهلُّون لطاغوت من طواغيتهم هناك، ولصنم من أصنامهم، فلمَّا هداهم الله -تبارك وتعالى- للتوحيد والإسلام ترفعوا أن يهلُّوا، يعني يلبوا بالتلبية عند الكعبة وبين الصفا والمروة؛ لأنهم كانوا يعبدون هناك ذلك الصَّنم، ما وجدوا من المناسب لتوحيدهم وإيمانهم بالله انهم يرجعوا يطَّوفوا في المكان الذي كانوا يهلُّوا ويلبُّوا فيه باسم الطاغوت سابقاً، فكانوا يتحرَّجوا، فأنزل الله هذه الآية.
فالآية نزلت لرفع الحرج الذي صار في نفوسهم، لا ليبين لهم أنه ما عليك إن طفت أو ما طفت!، لا! كأنه يقول: الطواف أمرتكم به، ولا حرج عليكم أن تطوفوا؛ لأنكم كنتم سابقاً تطوفون هناك وتهلُّون باسم الصنم، فمادام أنكم كفرتم بهذا الصنم وآمنتم بالله وحده لا شريك له، فلا جناح عليكم أن تطَّوفوا الآن بالبيت العتيق. ولذلك أكد هذا الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كتب الله عليكم السعي فاسعوا)، أي: فرض اللهُ عليكم السعي فاسعوا.
ومن الجهل بالسُّنَّة التي عمَّ الناس في هذه الأمَّة في هذه الآونة أنني رأيت بعض من ألَّف بعض الرسائل الصغيرة، وأورد فيه بعض الأحاديث التي تُعجبه، وكان من الأحاديث التي أوردها أحاديث فيها الحضَّ على طلب الرزق، لأن العصر الحاضر الآن سيطرت المادِّية على أذهان الناس، وكانوا من قبل توجد أفكار فيها الحضّ على الزُّهد وترك العمل، فلما دخلنا في زمن مادِّي وتأثَّر فيه كثيرون من المسلمين صاروا يُظهروا مفاخر الإسلام، بعضها صحيح وطيب وبعضها ليس بالصحيح، من مفاخر الإسلام أنه يأمر بالعمل، ففي القرآن مثلا: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك:15] ما قال كلوا من رزقه قبل أن تسعوا وإنما قال: ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾، فبعض الكُتَّاب في بلدنا هذه ألَّف رسالة قصيرة وجمع فيها أحاديث من هذه النوعية التي تبين فضل الإسلام وكماله، فجاءه في الصدر الحض على السعي في الرزق هذا الحديث: (إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا) هو فهم السعي وراء الرزق، والمقصود هو السعي بين الصفا والمروة. لماذا؟؟ لأنه وجد الحديث مثلا في الجامع الصغير، وما بيعرف المناسبة تبعه، أخذه عربيةً (إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا) والمقصود إن الله كتب عليكم السعي بين الصفا والمروة فاسعوا لأن الله فرض ذلك عليكم، هذا تفسير معنى هذه الآية الكريمة ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ ﴾ في الوقت الذي كان يتحرَّج من الطواف بهما.
سؤال: هل يجوز للمرأة أن تركب عند طوافها، مع أنها قادرة على المشي، ولكن ابتعاداً عن الاختلاط بالرجال، ولا ينقص ذلك من ثوابها شيء؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: السؤال -بناءً على قاعدة الجواب على قدر النص- أنه يجوز لها ذلك، فقد ثبت أن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم طاف حول الكعبة في حجَّة الوداع وهو على بعيره، فإن كان جاز له ذلك وهو رجل فالأولى أن يجوز للنساء، لا سيما بالقصد المذكور في السؤال أولى وأحرى، وطبعًا ليس من الضروري التنبيه أنها يجب أن تكون مرتدية الحجاب الشرعي بحيث لا يُرى شيء من بدنها للرجال، وهي كما يُقال – على عَلَم – هذا الجواب على مقدار السؤال.
لكن الذي يرد على الخاطر أن أقول، هذا السؤال اليوم غير ذي موضوع، فكيف تطوف المرأة اليوم راكبة؟؟ إلا أن إن كانت تعني راكبة على بعض السرر التي توضع على رؤوس الرجال أشبه بالجنائز، فيوضع على هذه السرر النساء والرجال العاجزين عن الطواف، فكيف تصوَّر السائل بأن المرأة تطوف حول الكعبة راكبة، تعني راكبة ماذا؟؟ السرر؟، فإذا كان المقصود بالسؤال هو هذا، فالجواب لا يجوز، أما إذا ركبت دابَّة تطوف بها هي بنفسها كما طاف الرسول ﷺ وتعمل المستطاع جاز كما قلنا في أول الجواب، أما إن كان السائل- يعني كما تبين أخيرا- أنها تركب السرير فيوضع على رؤوس الرجال فيطوف هؤلاء الرجال بها حول الكعبة، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا إنما يجوز للعاجز المريض.
سؤال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: (ليس على النساء سعي)، أي: ليس عليهم رَمَل بالبيت ولا بين الصفا والمروة، رواه البيهقي؟ فهل قول ابن عمر صحيح نستطيع أن نحتج به؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب: إذا كان المقصود من السؤال ب(الصحة) أن يُحتج به؟ فالجواب: لا يُحتج به، سواء صح سنده إلى ابن عمر أو لم يصح ما دام أنه ليس مرفوعاً إلى الرسول ﷺ، وأن أصل الرَّمَل -خاصَّة بين الصفا والمروة- أصل مشروعيته من زوجة إبراهيم عليه الصلاة والسلام التي اسمها هاجر.
فـهاجر كان إبراهيم عليه السلام تركها، فكانت تتفقَّد أخباره فمرَّة ركضت بين الصفا والمروة، هذا الركضُ ومن بعد ما جاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام - في قصة طويلة مروية في صحيح البخاري - هذا الركض منها صار فيما بعد سنَّة تعبدية للرجال والنساء، فكيف يُعقل أن يقال: ما كان أصل شرعيته من المرأة لا يُشرع الآن للمرأة؟ هذا أبعد ما يكون عن الصواب.
بقي الرَّمَل حول الكعبة، فالجواب: فمن الممكن ها هنا أن يقال: إن هذا الرَمَل خاص بالرجال دون النساء؛ والسبب في ذلك أن أصل مشروعية الرَمَل حول الكعبة هو كما جاء في السُّنَّة الصحيحة ليري الرسول ﷺ وأصحابه قوة أصحابه للمشركين، الذين قالوا لمَّا طاف الرسول عليه السلام في صلح الحديبية قالوا: (هؤلاء قوم وهنتهم حمَّى يثرب) أي هؤلاء الرعاة لا يد لهم ولا قيمة، فالرسول علم ذلك –إما بطريق الوحي أو بلغه بطريق مُبلِّغ - فأمر الصحابة أن يرملوا ليُظهروا أن الواقع خلاف ما ظن المشركون بهم، ولا شك أن موطن إظهار القوة ليس للنساء وإنما هو للرجال، فمن هذه الناحية ممكن أن يقال: إن الرَّمَل حول الكعبة خاص بالرجال، أقول: ممكن؛ لأنه في الحقيقة لا جواب عندي بات في هذه المسألة، فإني لا أستحضر دليلاً قاطعاً في الموضوع، ولعله يتيسَّر لي في الاجتماع الآتي -إن شاء الله- الجواب القاطع حول الرمل حول البيت، أما بين الصفا والمروة فلا فرق في ذلك بين النساء والرجال.
سؤال: الرجاء أن تفيدونا عن موضوع رَمَل النساء في الطواف والسعي.
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب: هناك شبه إجماع على أن النساء لا ترملن، لا في الطواف ولا في المسعى، إلا أن بعض علماء الشافعية ذهبوا إلى التفصيل الآتي -وهو معقول ومقبول عندي- قالوا: إذا رملت المرأة في فراغ من الرجال في الليل حيث لا يراها أحد، فيُشرع لها الرَّمَل في السعي بين الصفا والمروة ليس في الطواف، وقلت أن هذا مقبول بالنسبة لوجهة نظري؛ لأنكم تعلمون جميعا أن أصل الرَّمَل في المسعى هو رمل زوجة السيد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حينما افتقدته فكانت تركض في بطن الوادي تبحث عنه، فالرمل من هنا بدأ، بدأ من المرأة زوجة السيد إبراهيم عليه والسلام، فلا يبعد أن يكون -ما دام أن الأصل من المرأة- أن يشرع للمرأة نفسها، لكن الشرط الذي قيده به علماء الشافعية شرط مقبول يتجاوب مع أصول الشريعة وقواعدها، وهو أن المرأة مفروض عليها الحجاب، ومفروض عليها السِّترة والحِشمة، فإذا ركضت هكذا كما يركض الرجال، وعلى مرأى من الرجال، فذلك مما لا يليق بها، ولهذا التفصيل الذي جاء به الشافعية هو الراجح من الناحية النظرية، لكن يبدو أنه من الناحية العملية قلَّما يمكن تطبيقه؛ لأنه من النادر جداً أن يخلوَ المسعى من الرجال، وأن يعمُر بالنساء.
ملاحظة: (الصوت غير واضح في الفترة من: الدقيقة 23:23 إلى: 25:55)، فيرجع إلى التسجيل.
سؤال: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تدفع قبله، وكانت سبطة -تعني: ثقيلة- فأذن لها) متفق عليه، هل كان هذا الدفع من مزدلفة قبل الفجر؟ وإذا كان هناك عذر للدفع من المزدلفة قبل الفجر، فهل هناك فدية؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الدفع قبل الفجر هذا من مناسك الحج، والحجيجُ جاء ليلة العيد من عرفات وبات في مزدلفة، والبيات هناك واجب، والصحيح أنه ركن، ولكن النِّساء يختلفن في هذا الحكم عن الرجال، فالنساء كلهم والصبيان معهن يجوز لهم أن ينطلقن من مزدلفة إلى منى ليس فقط قبل الفجر، بل قبل الفجر بزمان ولكن ينطلقوا من مزدلفة بعد منتصف الليل، هذا حكم خاص بالنساء والصبيان، ويُلحق بهن يعض الشيوخ من الرجال. وهذا فيه أحاديث صريحة: أن الرسول رخَّص للنساء والضَّعفة من الصبيان في الانطلاق والدفع من مزدلفة إلى مِنى قبل الفجر، وحينئذٍ فلا كفَّارة ولا فدية.
ولكن هنا نقطة يغفل عنها كثير من أهل العلم فضلاً عن غيرهم: النِّساء والصبيان الذين أخذوا بهذه الرخصة واندفعن من مزدلفة قبل الفجر، ووصلوا منى قبل طلوع الشمس، لا يجوز لهن ولا لهم أن يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس، فالدفع من المزدلفة قبل الفجر رخصة، لكن الرمي لا يجوز إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن الرسول عليه السلام كما في حديث ابن عباس قال: ابن عبَّاس:(رخَّص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للضعفة والصبيان الدفع من مزدلفة قبل الفجر، وقال لهم: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس).
سؤال: هل يجوز الرمي قبل الفجر، استناداً للحديث التالي: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت) رواه أبو داود، وإسناده على شرط مسلم؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الحديث صحيح إسناده على شرط مسلم، ولكن في رجاله من تُكُلِم في حفظه، ولذلك قال ابن القيم في زاد المعاد في هذا الحديث: إنه حديثٌ منكر، ثم على فرض صحته فليس صريحاً في أن الرسول عليه السلام أمرها أن ترمي الجمرة قبل الفجر، ولكن أمرها بما أمر كل النساء من أن تدفع من مزدلفة قبل الفجر، لكن هي فهمت أنه يلزم من الدفع قبل الفجر الرمي أيضاً قبل الفجر.
سؤال: أي كيفيات الحج أفضل التمتع أم القران أم الإفراد؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب: هذا السؤال قد اختلف الفقهاء منذ القديم في إجابتهم عليه، فمن قال بأن الأفضل هو القران وحجته في ذلك أن النبي ﷺ حجَّ حجة الوداع قارنًا، وهذا هو الصحيح الثابت الراجح من الروايات التي وردت عن النبي ﷺ في حجَّته أنه كان قارنًا، وهناك من يقول بأنه ﷺ حجَّ متمتِّعا، ومنهم من يقول أنه حجَّ حجَّا مفردًا، لكن الصحيح أن حَجَّه كان قارنًا.
والذين يذهبون إلى أن الحج المفرد هو الأفضل حجتهم ما جاء في بعض الروايات أن النبي ﷺ لبّى بالحج، لكن هذا لا يُنافي أنه ضمَّ إلى الحج العمرة، وهذا ما جاء صريحًا عن بعض الصحابة منهم أنس بن مالك –رضي الله عنه- حيث قال أنه كان آخذاً بخطام ناقة النبي عليه الصلاة والسلام حينما أحرم بالحج من ذي الحليفة قال: (فسمعته يقول لبيك اللهم بعمرة وحجة). فلا نشك تبعا لجماهير علماء الحديث أن حجة النبي عليه الصلاة والسلام كانت قرانا؛ ولذلك فلا مجال للمفاضلة بين حجَّة القِران وبين حجة الإفراد لأن حجَّ الإفراد ليس له وجه من التفضيل وأنه لم يثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام حج حجا مفردا من جهة ولا ثبت أنه حث على حج الإفراد بقوله عليه السلام من جهة أخرى، ولذلك فلم يبق مجال للمفاضلة إلا بين القِران وبين التمتع.
ولا نشكُ أيضًا أن التمتع بالعمرة إلى الحج هو الأفضل بل هو الواجب؛ ذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام وإن كانت حجته قرانا -كما ذكرنا آنفا- فهناك ضميمةٌ اقترنت بحجة النبي عليه الصلاة والسلام فتعرّى عن حجّاتِ الحاجّين في أغلب الأزمان والعصور. هذه الضميمة هي أنه عليه الصلاة والسلام ساق الهديَ معه من ذي الحليفة أي أنه عليه الصلاة والسلام لمَّا أحرم بالقِران كان قد ساق الهدي، ولذلك فيختلف حكم من حج قارنا وقد ساق الهدي عن حُكم من حج قارنا ولم يسق الهدي، هذا الاختلاف أخذناه من حَجَّة الرسول عليه الصلاة والسلام حجة الوداع وهي حجَّة وحيدة، ذلك أنه ثبت من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام لمَّا حجَّ وحج الناس معه بالألوف المؤلفة كانوا على أنواع ثلاثة فمنهم القارن ومنهم المفرد ومنهم المتمتع، ثم القارن من كان قارنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومفردا كان على قسمين: جمهورهم لم يسوقوا الهدي وإنما نحروا في مِنى والقليل منهم ساقوا الهدي من ذي الحليفة كما ذكرنا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام. وعلى هذا فيمكن أن نقول إن الذين حجُّوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام منهم من ساق الهدي ومنهم من لم يسق الهدي، هؤلاء الذين لم يسوقوا الهدي من كان متمتعا فسترون فيما يأتي أن هذا هو الذي ارتضاه الرسول لهم، ومن لم يكن ساق الهدي وكان قَرَن أو أفرد فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام لهؤلاء في أول الأمر -وهم ينطلقون من المدينة إلى مكَّة- قال لهم (من كان منكم لم يَسق الهدي وأحب أن يجعلها عمرة فليفعل) نجد هنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام رغّبهم ولم يعزم عليهم، رغّبهم أن من كان منهم لم يسق الهدي وكان نوى غير التمتع قال: (فليجعلها عمرة) لكنه قال من أحب. أما في مرحلة أخرى قرر لهم الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الحض ولكنه لمَّا جاء مكة وطاف حول الكعبة وسعى قال: لهم (من كان منكم لم يسق الهدي فليجعلها عمرة) من قبل قال: (وأحب أن يجعلها عمرة فليفعل).
أخيرا تقرر حكم الله على لسان نبيه على قوله عليه السلام (من كان منكم لم يسق الهدي فليجعلها عمرة) فبادر بعضهم فتحلل ومعنى قول الرسول عليه السلام هذا (فليجعلها عمرة) يعني فليفسخ نيته السابقة سواء كان حجا مفردًا أو حج قران فليفسخ هذه النيَّة وليحولها إلى نية جديدة هي العمرة، ولازم ذلك أنه مجرد أن ينتهي من السعي بين الصفا والمروة يقص شعره أو يحلقه وبذلك تنتهي العمرة فيتحلل منها ويبقى حلالا إلى اليوم الثامن من شهر ذي الحجة وهو اليوم المسمَّى بالتروية.
وقلت إن بعض أصحاب الرسول عليه السلام بادروا إلى التحلل -إلى فسخ الحج إلى عمرة- ولكن آخرين منهم ظلُّوا بإحرامهم فلما بلغ الخبر إلى الرسول عليه السلام غضب ورأته السيدة عائشة فقالت: (من أغضبك يا رسول الله غضب الله عليه) أو قالت جملة نحو هذه، فقال (ما لي لا أغضب وأنا آمر الناس بأمر- أي أمر الفسخ - ثم لا يفعلون)، فخطب فيهم الرسول عليه السلام مرة أخرى فقال: (يا أيها الناس من كان منكم لم يسق الهدي فليتحلل ولولا أني سقت الهدي لأحللت معكم، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة). حينذاك بادر أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فتحللوا جميعا وكما يقول جابر وغيره (... وأتينا الثياب) يعني تحللوا.
من هنا نأخذ أن حج التمتع هو الواجب على كل حاجّ إلا من ساق الهدي من الحِلّ فله أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت حجته كذلك وإن كان في قوله الأخير (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سُقت الهدي ولجعلتها عمرة) ما يشعر بأن الأفضل بالنسبة إلينا بعد حجَّة الرسول عليه السلام ألَّا نسوقُ الهدي أيضا، هذا هو الأفضل، لكن إن فعل ذلك فاعل فليس لنا عليه سبيل من الإنكار؛ لأن الرسول عليه السلام فعل ذلك وما أنكره بخلاف حجة الإفراد وبخلاف القران الذي لم يسق معه الهدي، فهذا كما سمعتم أمر الرسول عليه السلام بفسخ الحج إلى عمرة وغضب على الذين لم يبادروا إلى طاعة الرسول عليه السلام في فسخهم لحجهم إلى العمرة.
بهذا نحن نؤكد إفادة وخطابة أن كل من أراد الحج فليجعل حجَّته مُتعة، ثم عليه بعد ذلك شكرا لله -عز وجل- أن يقدم هديًا ذبيحة إن وجد إلى ذلك سبيلا وإلا صام سبعة أيام حسب ما فصّل ذلك -عز وجل- في القرآن فقال: ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ﴾ [البقرة:196].
وكثير من الناس الذين يَصدُق فيهم قول ربنا -تبارك وتعالى-: ﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ ﴾ [النساء:128]، لمَّا كانوا يعلمون أن التمتُّع يجب عليه الهدي أو صيام عشرة أيام كما سمعتم إذا لم يتوفر له الهدي يفرُّون من هذا الحكم بحيلة من تلك الحيل الشرعية وهي أنهم يُفردون الحج ثم يقرنون العمرة إلى الحج، فبدل أن يتبعوا أمر الرسول عليه السلام بل صريح القرآن أن يأتوا بالعمرة بين يدي الحج فهم يأتون بالعمرة بعد الفراغ من مناسك الحج ليتخلصوا ممَّا أوجب الله عليهم من الهدي أو الصيام. ثم لا [يعلمون] ناسا يحتجون لهم بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها حيث جاءت للعمرة بعد الحج وهي مع الرسول صلى الله عليه وسلم فاتخذوا ذلك حُجَّة لهم أن يعتمروا بعد الحج وكأنهم يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعا، ثم ما من أحدٍ من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة الذين كانوا معه ثم السلف الذين جاءوا من بعدهم ما تفقهوا هذا الفقه فكانوا كلهم يأتون بالعمرة بين يدي الحج ثم يقدِّمون الهدي أو الصيام إلا هؤلاء الناس المُحتالون الذين يأتون بالعمرة بعد الحج فيتخلصون بذلك من هذا الواجب من الهدي أو الصِّيام، فيجب أن نعلم أن النبي صلَّى الله عليه وسلم كان معه من الصحابة الحجاج عشرات الألوف من الصحابة لم يأت أحد منهم بالعمرة بعد الحج إلا السيدة عائشة رضي الله عنها، وهذا حكمٌ خاص بها لا لأنها عائشة وإنَّما لأنها كانت حائضا.
سؤال: ما هي أركان الحج الأساسية التي لا يصح الحج بدونها؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الإحرام: الإحرام بالحج مثل الإحرام بالصلاة وهو نيَّة الصلاة وهو أن تقول لبيك اللهم بحجة وعمرة، ولسنا نريد الآن الدخول في التفاصيل حتى لا نخرج عن صدد الإجابة عن الأسئلة ولكن لا بد من التنبيه أن نيَّة الحج اليوم يجب أن تكون مبتدَئة بنية العمرة بين يدي الحج فتقول (لبيك اللهم بعمرة) لا تقول: (لبيك اللهم بحجة أو بحج)؛ لأنه لابد من تقديم العمرة بين يدي الحج؛ لأن الرسول عليه السلام قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) وشبّك بين أصابعه هكذا، وهذا معناه أن العُمرة أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحج، فالذي يريد أن يحج اليوم يبدأ بالعمرة.
فإذن الشرط الأول هو النيَّة لكن نية الحج بالنسبة للتمتع الذي نقول لابد من البدء بعمرة تكون وأنت في مكَّة، أما إذا خرجت من بلدك ومررت بميقات من المواقيت المعروفة فميقاتنا نحن الشاميين: ذي الحليفة، وهناك تلبّي بالعمرة عُمرة الحج، وأنت في مكة تلبِّي بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة فتقول: (لبيك اللهم بحجة)، عند الميقات: (لبيك اللهم بعمرة) ، وأنت في مكة حيث كنت نازلا: (لبيك اللهم بحجة)، ثم الطواف حول الكعبة، ثم الوقوف في عرفة، هذه الأركان التي لا بد منها، زائد المبيت بمزدلفة بحيث تُصلِي [ثمة] صلاة الفجر، وهذا ركن على أصح قولي العلماء وطواف الإفاضة، هذه أركان الحج التي لا بد منها وما سوى ذلك فهي فروض وإن شئت قل واجبات والمعنى واحد.
سؤال: هنا سؤال يقول إلى متى لزم الرسول التلبية أو في أي مكان كان يُلبي؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: التلبية هي من مناسك الحج والعُمرة، ويبدأ المُلبّي بالحجِّ أو العمرة من ساعة الإحرام بهما أو بأحدهما يعني من ساعة التلبُّس بالعُمرة أو بالحج، وهذا له مكان -أي التلبس بالعمرة أو بالحج- له مكان يختلف هذا المكان باختلاف البلاد فالشام مثلا مكان إحرامهم هو ذو الحُليفة وتسمى بالعامية أبيار علي، أما العراقيين مكان اسمه (ذات عِرق)، والنجديين (يلملم)، والمصريين من (رابغ) وهكذا، فمن هذا المكان الذي يُحرِم منه الحاج أو المُعتمر تبدأ التلبية ثم تنتهي عند استلام الحجر الأسود، فإذا لمس الحجر الأسود انتهى التلبية، ثم تُستأنف التلبية حينما يبدأ الإنسان الحج بعد أن قضى عُمرة الحج، فيلبّي بالحج في اليوم الثامن ثم يستمر بالتلبية ما بين آونة وأخرى إلى أن يرمي يوم العيد جَمرة العقبة فهناك تنتهي التلبية، حيث أعمال الحج لم تنته، فإذا رمى جمرة العقبة انتهت التلبية أيضا.
سؤال: هل هناك تلبية مع التكبير حسب الحديث: عن الفضل أنه قال (أفضتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات فلم يزل يلبِّي حتى رمى جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة) -حديث صحيح -؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب: لا يُشترط الجمع بين التكبير وبين التلبية، وإنَّما هو مُخيَّر بين التكبير وبين التلبية، ولعل الأحسن التنويع تارة يلبي وتارة يكبر، والتكبير ليس خاصَّا عند رمي الجمرة أيضا وإنما في أثناء الرجوع من عرفات، جاء في بعض الأحاديث (كان منا من يكبر ومنا من يُلبِّي فلا يعترض المكبر على الملبي ولا المُلبِّي على المكبر)، ولكن الذي يريد أن يرمي جمرة العقبة هناك لا بد من التكبير مع كل حصاة، عند رمي جمرة العقبة لابد من التكبير مع كل حصاة، أما التكبير قبل ذلك فهو بدل التلبية: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما قال عليه السلام (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله...)، أو يقول: (الله أكبر أَلله أكبَر لا إله إلا الله) إلى آخره، أما التكبير عند رمي الجمرة فهو (الله أكبر) مع كل حصاة.
سؤال: سؤال جديد بما أنه لا يجوز التلفظ بالنية فكيف يصرخون بها كما في الحديث التالي: عن أنس رضي الله عنه قال: (كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بها جميعا الحج والعمرة).رواه البخاري؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الحديث إن كانت روايته هكذا فهي مُختصرة، إذا كان كاتب الحديث أولا نقله كما وجده، وثانيا فَهِمَ أنهم كانوا يقولون في التلبية: (لبيك اللهم بحج أو لبيك اللهم بعمرة) حينئذ لا يرد السؤال لأن هذه تلبية.
سؤال: هل يجوز للمحرم الامتشاط حسب الحديث التالي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة فقال: (انقضي رأسك وامتشطي)؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: الجواب: في الوقت الذي لا يوجد ما يمنع المُحرم -بالحج أو بالعمرة- من أن يمتشط فهذا الحديث يؤكِّد البراءة الأصلية فيجيز للمحرم أن يمتشط؛ لأن الفكرة بالنسبة للحاجّ ليس كما يتوهمها الكثيرون، فهذا الحديث وهو قوله عليه السلام للسيدة عائشة (انقضي رأسك وامتشطي) يؤيد البراءة الأصلية وهو جواز امتشاط المحرم، وليس المقصود بأن المُحرم إذا أحرم للحج وتلبَّس بمناسك الحج أنه حرُم عليه كل شيء، ليس الأمر بهذه التوسعة التي يتوسع فيها الكثير من المؤلفين والمصنِّفين، ولكن الواجب أن نقف عند حدود الشرع، فمثلا الشارع الحكيم حرّم على المحرم مطلقًا ذكرا أو أنثى أن يتطيب في أثناء إحرامه ولكن من السُّنة أن يتطيَّب الذي يريد الإحرام بين يدي الإحرام، يتطيب بالطيب الطيب الذي يفوح رائحته، فإذا أحرم بالحج أو العمرة شممت منه رائحة طيبة، فأجاز له الطِّيب بين يدي الحج وحرّم عليه الطِّيب في أثناء الحج. إذن القضية ليس فيها هذا الضيق بأبعد معانيه.
كما يظن البعض مثلا من الصائمين أنه لا يجوز أن يتطيب، فمعناها أن الصائم حبس نفسه عن الطيبات، فمن الطيبات أنه يشم الرائحة الطيبة إذن لا يجوز شم الرائحة الطيبة، هذا الكلام غير صحيح، لا يجوز الأكل والشرب ونحو ذلك مما هو منصوص عليه أما أن تتطيب وأنت صائم ما فيه مانع، وأن تتسوك وأنت صائم ما فيه مانع، كذلك المحرم بالحج حُرّم عليه أشياء محدودة فنقف عندها، ولا نشدد على النَّاس أكثر مما جاء به النص، فالنص منع الرجل من أن يقص أظافره ومن أن يأخذ من شعره، من لحيته، كذلك المرأة لا يجوز لها أن تأخذ من شعرها إلا بعد أن تتحلل، لكن هذا المُحرّم شيء وكونه امتشط في لحيته وتمشط شعرها وتقع بعض الشعرات فهذا لا يُسمى حلق، فهذا ليس فيه ما يمنع شرعا أبدا وحديث عائشة كما قلنا يؤيد هذا الأصل. الذي أحرم بالحج لا يجوز له أن يتطيب ولكن بين يدي الإحرام قبل أن يقول: (لبيك الله بعمرة) يجوز له أن يتطيب.
سؤال: روى البخاري وسعيد بن منصور عن عائشة أنها كانت لا ترى بالتُبّان بأسا للمُحرم. فماذا تقصد عائشة رضي الله عنها بالتبّان وهل يجوز ذلك للمحرم؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: التُبّان في اللغة العربية هو ما يُسمى اليوم بالبنطلون الشورت، يعني البنطلون الذي ليس له أكمام، هذا هو التّبان، فالسيدة عائشة لا ترى بأسا للحاج أن يلبس التّبان، علما أن التّبان سروال أو نوع من السروال، وقد جاء في الصحيح في البخاري ومسلم أن المُحرم لا يجوز له أن يلبس السروال ولا العمامة ولا القميص، يعني لا يجوز له أن يلبس أي ثوب مُفصّل على بدنه، فهذا طبعا حكم خاص بالرجال دون النساء؛ لأن إحرام المرأة إنما هو في وجهها وفي كفيها فقط، أي أن المرأة المحرمة لا يجوز لها أن تشد البرقع على وجهها، ولا يجوز لها أن تلبس القفازين - الكفوف -، هذا إحرامها، وهذا من تيسير الله -عز وجل- على النساء، أما الرجل فلا يجوز له لبس السراويل، نجد السيدة عائشة أباحت لبس التبان وهو البنطلون الشورت -كما قلنا -. فَسّر العلماء قول السيدة عائشة هذا بأن المقصود أنها لا ترى بأسا للمُحرم أن يلبس هذا اللباس القصير سترا لعورته إذا كان مُعرَّضا للكشف عنها، فأجازت السيدة عائشة لمثل هذا النوع من المُحرمين أن يلبس التبان من باب درء المفسدة الكبرى بالصُّغرى ليس إلَّا، فلا يؤخذ من كلام السيدة عائشة جواز لبس التبان للمحرم مطلقا وإنما للحاجة.
سؤال: ذكرت في تعليقك في كتاب حجة النبي صلى الله عليه وسلم أن الإحرام لا يمنع من التغطية وإنما يمنع من النِّقاب والبرقع ونحوه، فكيف تكون التغطية وكيف يكون برقع النقاب؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: آنفا قلت لا يجوز للمحرمة أن تشدَّ البرقع على وجهها، أما كيف تحصل التغطية الجائزة فذلك بالسَّدل، حجابها تسدله هكذا على وجهها، ولا أن تعصّبه على رأسها، فهذه تغطية جائزة لقول السيدة عائشة رضي الله عنها أنه: (كنَّا ونحن محرمات إذا مر بنا ركب من الرجال أسدلنا جلابيبنا على وجوهنا). فلما يمر الرجال هؤلاء فترفع كما كانت، فإذن الممنوع هو ما يشبه اللِّباس، أي شد برقع خاص إما -هنا- على الجبهة كما هي عادتنا في هذه البلاد أو النقاب كما هي عادة البدو في الكثير من البلاد، ولجهلهن نجد في الحج نساء بالعشرات إن لم نقل بالمئات وهنّ حاجّات هكذا، لا يوجد من يعلمهن، ولا يوجد من يُذكِّرهن، فشد البرقع من هنا أو النقاب من هنا هذا هو الذي لا يجوز للمرأة. أما إن تأخد [...] مثلا ورا هكذا وتسدله على وجهها، والبعض يعقِّد مثلا تلبس برنيطة وتيجي بالسدال بعيد عن الوجه، ما في ضرورة، هذا كله تكلُّف وتصنُّع، الغرض ألَّا تلبِّس رأسها برقعًا أو نقابا.
سؤال: هل يجوز للمحرم أن يكتحل إذا...؟
الشيخ الألباني-رحمه
الله-: الجواب إذا كان الكحل كما نعلمه ليس طيبا، فلا بأس من ذلك، أما إن كان طيب
فالطيب منهي عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق