اللهم آمين

دعـــــاء ((سبحان الذي تعطف العزّ وقال به، سبحان الذي لبس المجد وتكرم به، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان ذي الفضل والنعم، سبحان ذي المجد والكرم، سبحان ذي الجلال والإكرام)). دعـــــاء ((سبحان الله عددَ ما خلق في السماء، وسبحان الله عددَ ما خلق في الأرض، وسبحان الله عددَ ما بين ذلك، وسبحان الله عددَ ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك)) دعـــــاء ((سبحان الله وبحمده، لا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً...)) دعـــــاء ((سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)) دعـــــاء ((سبحان الله ذي الملكوت والجبروت، والكبرياء والعظمة)) دعـــــاء ((اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنان، بديعُ السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام...)) دعـــــاء ((الحمد لله عدد ما خلق الله، والحمد لله ملء ما خلق الله، والحمد لله عدد ما في السموات والأرض، والحمد لله ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، وسبحان الله مثلهن)) دعـــــاء ((ربَّنا لك الحمد، مِلْءَ السموات والأرض ومِلْءَ ما شئت من شيء بعد، أهلَ الثناءِ والمجد، أحقُّ ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ)) دعـــــاء ((الحمد لله الذي يطعم ولا يُطعم، منّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكلِّ بلاء حسن أبلانا، الحمد لله غير مُوَدّع ولا مكافئ ولا مكفور ولا مستغنىً عنه. الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العُرْي، وهدى من الضلالة، وبَصّر من العماية، وفضّل على كثير ممن خلق تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين)) دعـــــاء ((الحمد لله عدد ما أحصى كتابُه، والحمد لله عدد ما في كتابه، والحمد عدد ما أحصى خلقه، والحمد لله مِلْءَ ما في خلقه، والحمد لله مَلْءَ سماواته وأرضه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله على كل شيء)) دعـــــاء ((اللهم أنت أحق من ذُكر، وأحق من عُبد، وأنصر من ابتُغي، وأرأف من مَلَك، وأجود من سُئل، وأوسع مَن أعطى. أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهَك. لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتُعصى فتغفر. أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، وكتبت الآثار، ونسخت الآجال. القلوب لك مُفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرؤوف الرحيم...)) دعـــــاء ((تمَّ نورك فهديت فلك الحمد، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد. ربَّنا: وجهك أكرم الوجوه، وجاهك أعظم الجاه، وعطيتك أفضل العطية وأهناها. تطاع ربَّنا فتشكر، وتُعصى ربَّنا فتغفر، وتجيب المضطر، وتكشف الضر، وتَشفي السُقم، وتغفر الذنب، وتقبل التوبة، ولا يجزي بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحتَك قولُ قائل) دعـــــاء ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم) دعـــــاء ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدّ) دعـــــاء ((لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين) دعـــــاء ((اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، و النبيون حق، ومحمد حق. ) دعـــــاء اللهم لك أسلمت، وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت...) .(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، سبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم...) (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) دعـــــاء ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) دعـــــاء ((لا إله إلا الله قبل كل شيء، ولا إله إلا الله بعد كل شيء، ولا إله إلا الله، يبقى ويفنى كل شيء) دعـــــاء ((اللهم ربَّ السموات السبع ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربَّنا وربَّ كل شيء، فالقَ الحبِّ والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء اقض عنا الدين و أغننا من الفقر) دعـــــاء ((اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون) دعـــــاء ((يا مَن أظهر الجميل، وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى، يا منتهى كل شكوى، يا كريم الصَفح، يا عظيم المنّ، يا مبتدئ النعم قبل استحقاقها، يا ربنا ويا سيدنا، ويا مولانا، ويا غاية رغبتنا أسألك يا الله أن لا تَشوي خلقي بالنار) دعـــــاء ((اللهم لك الحمد كله، اللهم لا مانع لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت...) دعـــــاء ((اللهم بك أصاول، وبك أحاول، وبك أقاتل)) دعـــــاء ((اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي...) دعـــــاء ((اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى، ونَحْفِد، ونرجو رحمتك ونخشى عذابك؛ إن عذابك الجِدَّ بالكفار مُلْحِق) دعـــــاء ((اللهم رب السموات ورب الأرضين، وربَّنا وربَّ كل شيء، فالق الحبِّ والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن... أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخِر فليس بعدك شيء، والظاهر فليس فوقك شيء، والباطن فليس دونك شيء...) دعـــــاء ((اللهم إني أسألك باسمك الطاهر الطيب المباركِ الأحب إليك الذي إذا دُعيت به أجبتَ، وإذا سُئلت به أعطيتَ، وإذا استُرحمت به رحمت، وإذا استُفرجت به فَرّجت...) دعـــــاء ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطَر السموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون...) دعـــــاء ((اللهـم أنت المـلك لا إلـه إلا أنــت، أنـت ربـي وأنـا عبـدك... لبيـك وسعديـك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت... اللهم ربنا لك الحمد مِلْءَ السماء ومِلْءَ الأرض ومِلْءَ مابينهما ومِلْءَ ما شئت من شي بعد... أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله ألا أنت) دعـــــاء ((اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، لا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، وذل جسده، ورغم لك أنفه...) دعـــــاء ((اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 يناير 2024

كتاب : الدرر في اختصار المغازي والسير المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى : 463هـ)

 


الكتاب : الدرر في اختصار المغازي والسير

 

المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد

 

 البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى : 463هـ)

 

تحقيق : الدكتور شوقي ضيف

 

الناشر : وزارة الأوقاف المصرية - المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي - القاهرة

الطبعة : الأولى 1415 هـ - 1995 م

عدد الأجزاء : 1

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الكتاب

قال الفقيه الحافظ أَبُو عمر يوسف بْن عَبْد اللهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد البر النمري، رضي الله عنه:

الحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على مُحَمَّد رسوله وعلى آله أجمعين هذا كتاب اختصرت فيه ذكر مبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابتداء نبوته، وأول أمره في رسالته ومغازيه وسيرته فيها، لأني ذكرت مولده، وحاله في نشأته، وعيونا من أخباره في صدر كتابي في الصحابة، وأفردت هذا الكتاب لسائر خبره في مبعثه وأوقاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اختصرت ذلك من كتاب موسى بْن عقبة، وكتاب ابن إسحاق رواية ابن هشام وغيره، وربما ذكرت فيه خبرا ليس منهما، والنسق كله على ما رسمه ابن إسحاق، فذكرت مَغَازِيَهُ وسيره على التقريب والاختصار، والاقتصار على العيون من ذلك دون الحشو والتخليط، وإلى الله أرغب في العون على الأمل فيه، والتوفيق لما يرضيه، وهو حسبي لا شريك له

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

بابٌ مِنْ خَبَرِ مَبْعَثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ التَّمَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أول ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} أَوِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ؟، فَقَالَ جَابِرٌ: أَلا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي، فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي، وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَشِمَالِي، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ

 ----------------------------------

 

فِي الْهَوَاءِ، فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَأَمَرْتُهُمْ فَدَثَّرُونِي، ثُمَّ صَبُّوا عَلَيَّ الْمَاءَ "، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " أَتَى نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ امْرَأَةً كَاهِنَةً، فَقَالُوا: أَخْبِرِينَا بِأَقْرَبِنَا شَبَهًا بِصَاحِبِ هَذَا الْمَقَامِ، قَالَتْ: إِنْ جَرَرْتُمْ عَلَى السَّهْلَةِ عَبَاءَةً، وَمَشَيْتُمْ عَلَيْهَا، أَنْبَأْتُكُمْ بِأَقْرَبِكُمْ مِنْهُ شَبَهًا، فَجَرُّوا عَلَيْهَا عَبَاءَةً، ثُمَّ مَشَوْا عَلَيْهَا، فَرَأَتْ أَثَرَ قَدَمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هَذَا وَاللهِ أَقْرَبُكُمْ شَبَهًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: فَمَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ الضَّبِّيُّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بِمَكَّةَ لَحَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ، إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ " وسنفرد لأعلام نبوته كتابا إن شاء الله

 ------------------------

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ عَبَّاسٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلانِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ يَقِيكَ مِنَ الْحِجَارَةِ، فَفَعَلَ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَامَ، وَقَالَ: " إِزَارِي، إِزَارِي " فَشَدَّهُ عَلَيْهِ ، وَفِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: خَرَّ مُحَمَّدٌ فَانْبَطَحَ، قَالَ الْعَبَّاسُ: فَجِئْتُ أَسْعَى إِلَيْهِ وَأَلْقَيْتُ عَنِّي حَجَرِي، قَالَ: وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، قُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: فَقَامَ وَأَخَذَ إِزَارَهُ، وَقَالَ: " نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا "، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبِي: فَإِنِّي أَكْتُمُهَا النَّاسَ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولُوا: مَجْنُونٌ

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} ، قَالَ: أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ كَمَا أَوْحَى إِلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ " وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ وَغَيْرِه

ِ، أَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَأْتِيهِ أَحْيَانًا مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَأَحْيَانًا يُكَلِّمُهُ الْمَلَكُ، وَأَحْيَانًا يَشُدُّ عَلَيْهِ فَيَتَفَصَّدُ جَبِينُهُ فِي الْيَوْمِ الْبَارِدِ عَرَقًا وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جِرَانَهَا، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَيُسْمَعُ لَهُ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب التمهيد عند ذكر حديث عائشة رضي الله عنها المذكور والحمد لله

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَ: أَوَّلُ مَا بُدِئ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ، فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَ الْمَلَكُ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ،

 ------------------------------------

 

ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتى بلغ " علَّم الإنسان ما لم يعلم " ، قَالَ: فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ: " زَمِّلُونِي "، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ: " يَا خَدِيجَةُ مَا لِي " وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، وَقَالَ: " قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي " فَقَالَتْ لَهُ: كَلا، أَبْشِرْ فَوَاللهِ لا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّي، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: يَا ابْنَ أَخِي مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ " فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: ------------------------------------

 

نَعَمْ، إِنَّهُ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ وَأُوذِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا شَدِيدًا، غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةٍ كَيْ يُلْقِيَ بِنَفْسِهِ مِنْهَا، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقَرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى ذِرْوَةً تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بَشِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، قَالَ: " كَانَ لِكُلِّ قَبِيلٍ مِنَ الْجِنِّ مَقْعَدٌ مِنَ السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ، فَلَمَّا رُمُوا بِالشُّهُبِ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، قَالُوا: مَا هَذَا إِلا لِشَيْءٍ حَدَثَ فِي الأَرْضِ، وَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ،  فَقَالَ: مَا هَذَا إِلا لِشَيْءٍ حَدَثَ فِي الأَرْضِ، فَائْتُونِي مِنْ تُرْبَةِ كُلِّ أَرْضٍ، فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَبْتَغُونَ عِلْمَ ذَلِكَ، فَأَتَوْهُ مِنْ تُرْبَةِ كُلِّ أَرْضٍ فَكَانَ يَشُمُّهَا وَيَرْمِي بِهَا، حَتَّى أَتَاهُ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا إِلَى تِهَامَةَ بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَةِ مَكَّةَ، فَشَمَّهَا، فَقَالَ: مِنْ هَاهُنَا يَحْدُثُ الْحَدَثُ، فَنَظَرَ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُعِثَ، فَانْطَلَقُوا، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللهِ وَطَائِفَةً مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِهِمْ صَلاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَوَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} " وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ كِلاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُجِمَتِ الشَّيَاطِينُ بِنُجُومٍ لَمْ تَكُنْ تُرْجَمُ بِهَا مِنْ قَبْلُ، فَأَتَوْا عَبْدَ يَا لَيْلَ ابْنَ عَمْرٍو الثَّقَفِيَّ، فَقَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ فَزِعُوا وَأَعْتَقُوا رَقِيقَهُمْ وَسَيَّبُوا أَنْعَامَهُمْ لِمَا رَأَوْا فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ، وَكَانَ رَجُلا أَعْمَى: لا تَعْجَلُوا وَانْظُرُوا، فَإِنْ كَانَتِ النُّجُومُ الَّتِي تُعْرَفُ فَهُوَ عِنْدَ فَنَاءِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَتْ لا تُعْرَفُ فَهُوَ مِنْ حَدَثٍ، فَنَظَرُوا، فَإِذَا هِيَ نُجُومٌ لا تُعْرَفُ، فَقَالُوا: هَذَا أَمْرٌ حَدَثَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا حَتَّى سَمِعُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم  أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ خُشَيْشُ بْنُ أَصْرَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، قَالَ: " بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَجَثِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، دَثِّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : {يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إِلَى قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وَهِيَ الأَوْثَانُ وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: نَزَلَتْ عَلَيْهِ {يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} وَهُوَ فِي قَطِيفَةٍ

وَقَالَ شَيْبَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ، وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَالزُّهْرِيّ

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

باب ذكر دعاء الرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومه وغيرهم إلى دين الله والدخول في الإسلام

وذكر بعض ما لقي منهم من الأذى وصبره في ذلك على البلوى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوة الرسول قومه وغيرهم إلى الإسلام قَالَ الله عز وجل {قُمْ فَأَنْذِرْ} وقال عز وجل {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَهَجْرِ الأَوْثَانَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الأَحْدَاثِ وَالْكُهُولِ وَضَعَفَةِ النَّاسِ، حَتَّى كَثُرَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ غَيْرُ مُنْكِرِينَ لِمَا يَقُولُ، يَقُولُونَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمْ: إِنَّ غُلامَ بَنِي هَاشِمٍ هَذَا، وَيُشِيرُونَ إِلَيْهِ، لَيُكَلَّمُ زَعَمُوا مِنَ السَّمَاءِ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى عَابَ آلِهَتَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَذَكَرَ هَلاكَ آبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا كُفَّارًا، فَغَضِبُوا لِذَلِكَ وَعَادَوْهُ، فَلَمَّا ظَهَرَ الإِسْلامُ وَتَحَدَّثَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ يُعَذِّبُونَهُمْ وَيُؤْذُونَهُمْ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِتْنَتَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَفَرَّقُوا فِي الأَرْضِ " فَقَالُوا: أَيْنَ نَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: هَاهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَهَاجَرَ إِلَيْهَا نَاسٌ ذُو عَدَدٍ، مِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِه 

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْمَجَازِ يَطُوفُ بِالنَّاسِ وَيَتَّبِعُهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَرَجُلٌ خَلْفَهُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا يَنْهَاكُمْ أَنْ تَدِينُوا دِينَ آبَائِكُمْ، فَلا يَصُدَّنَّكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَدِينِ آبَائِكُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، وَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، مِثْلَهُ، رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ كُلُهَا صِحَاحٌ

 

أول الناس إيمانا بالله ورسوله

قَالَ الفقيه أَبُو عمر رضي الله عنه: فكان أول من آمن بالله ورسوله فيما أتت به الآثار وذكره أهل السير والأخبار، منهم ابن شهاب وغيره، وهو قول موسى بْن عقبة، ومحمد بْن إسحاق، ومحمد بْن عمر الواقدي، وسعيد

بْن يحيى بْن سعيد الأموي، وغيرهم خديجة بنت خويلد زوجته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر الصديق، وعلي بْن أبي طالب، واختلف في الأول منهما، فروي عن حسان بْن ثابت، وإبراهيم النخعي وطائفة: أَبُو بكر أول من أسلم، والأكثر منهم يقولون: علي، وقد ذكرنا

القائلين بذلك، والآثارَ الواردة في بابه من كتاب الصحابة، وروي عن ابن عباس القولان جميعا، واختلفوا في سن علي يومئذ، فقيل: ثماني سنين، وقيل: عشر سنين، وقيل: اثنتا عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة، قاله الحسن البصري وغيره، وقال ابن إسحاق: كان أَوَّلَ ذَكَرٍ ممن آمن بالله وصدق رسول الله فيما جاء به من عند الله عَلِيُّ بْن أبي طالب بْن عَبْد المطلب بْن هاشم بْن عَبْد مناف، وهو ابن عشر سنين يومئذ، قَالَ أَيِ ابن إسحاق: ثم أسلم زيد بْن حارثة بْن شرحبيل بْن كعب الكلبي، قُلْتُ: وقيل: شراحيل، قاله ابن هشام مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ثم أسلم أَبُو بكر بْن أبي قحافة، واسم أبي قحافة: عثمان بْن عامر بْن عمرو بْن كعب بْن سعد بْن تيم بْن مرة، قَالَ أَبُو عمر: ثم أسلم خالد بْن سعيد بْن العاصي، وأسلمت معه امرأته أمينة بنت خلف بْن أسعد الخزاعية، وبلال، وعمار بْن ياسر، وأمه سمية، وصهيب بْن سنان النمري المعروف بالرومي، وعمرو بْن عبسة السلمي ورجع إلى بلاد قومه، وعمرو بْن سعيد بْن العاصي، ----------------------------------

 

ثم أسلم بدعاء أبي بكر الصديق: عثمان بْن عفان، والزبير بْن العوام، وسعد بْن أبي وقاص، وطلحة بْن عبيد الله، وعبد الرحمن بْن عوف، ثم أسلم أَبُو عبيدة ابن الجراح، وأبو سلمة بْن عَبْد الأسد، وعثمان بْن مظعون،

ثم أخواه: قدامة، وعبد الله وابنه السائب بْن عثمان بْن مظعون، وسعيد بْن زيد بْن عمرو بْن نفيل، وأسماء بنت أبي بكر الصديق، وعائشة بنت أبي بكر الصديق وهي صغيرة، وفاطمة بنت الخطاب أخت عمر بْن الخطاب زوج سعيد بْن زيد، وعمير بْن أبي وقاص، وعبد الله بْن مسعود، وأخوه عتبة بْن مسعود، وسليط بْن عمرو العامري، وعياش بْن أبي ربيعة المخزومي، وامرأته أسماء بنت سلامة بْن مخربة التميمية، ومسعود بْن ربيعة بْن عمرو القاري من بني الهون بْن خزيمة وهم القارة، وخنيس بْن حذافة بْن قيس بْن عدي السهمي، وعبد الله بْن جحش الأسدي

 

تتمة السابقين إلى الإيمان برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وحمزة بْن عَبْد المطلب، وجعفر بْن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وعامر بْن ربيعة العنزي من عنز بْن وائل، قَالَ ابن هشام: عنز بْن وائل من ربيعة، حليف الخطاب  بْن نفيل، وأبو أحمد بْن جحش الأعمى، وحاطب بْن الحارث بْن معمر الجمحي، وامرأته بنت المجلل العامرية، وحطاب بْن الحارث أخوه، وامرأته فكيهة بنت يسار، وأخوهما معمر بْن الحارث بْن معمر الجمحي، والمطلب بْن أزهر بْن عَبْد عوف الزهري، وامرأته رملة بنت أبي عوف السهمية، والنحام واسمه نعيم بْن عَبْد اللهِ العدوي، وعامر بْن فهيرة أزدي من الأزد، أمه فهيرة مولاة أبي بكر الصديق، وحاطب بْن عمرو بْن عَبْد شمس بْن عَبْد ود العامري، أخو سليط بْن عمرو، وأبو

حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة واسمه مهشم بْن عتبة فيما قَالَ ابن هشام، وواقد بْن عَبْد اللهِ بْن عَبْد مناف بْن عرين فيما قَالَ ابن هشام ابن ثعلبة بْن يربوع بْن حنظلة الحنظلي التميمي، حليف بني عدي بْن كعب، وأبو ذر جندب بْن جنادة، ولكنه رجع إلى بلاد قومه فتأخرت هجرته، وإياس، وخالد، وعاقل، وعامر بنو البكير بْن عَبْد ياليل بْن ناشب من بني سعد بْن ليث، حلفاء بني عدي، والأرقم بْن أبي الأرقم، واسم أبي الأرقم عَبْد مناف بْن أبي جندب، واسم أبي جندب أسد بْن عَبْد اللهِ بْن عمر بْن مخزوم، وأسلم حمزة بْن عَبْد المطلب، وكان سبب إسلامه أن أبا جهل شتم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتناوله، وحمزة غائب في صيد وكان راميا كثير الصيد، فلما انصرف، قالت له امرأة: يا أبا عمارة ماذا لقي ابن أخيك من أبي جهل شتمه وتناوله وفعل وفعل؟ قَالَ:

فهل رآه أحد؟ قالت: نعم، أهل ذلك المجلس عند الصفا، فأتاهم وهم جلوس، وأبو جهل فيهم، فجمع على قوسه يديه فضرب بها رأس أبي جهل فدق سيتها ثم قَالَ: خذها بالقوس ثم أخرى بالسيف، أشهد أنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن ما جاء به حق من عند الله، وسمي من يومئذ أسد الله، ثم عمر بْن الخطاب أسلم بعد أربعين رجلا واثنتي عشرة امرأة، فعز الإسلام وظهر بإسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما

 

ذكر بعض ما لقي الرسول وأصحابه من أذى قومه وصبرهم على ذلك

ولما أعلن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء إلى الله تعالى، نابذته قريش، ورموه بالبهتان، وجاهروا في عداوته، وأظهروا البغضاء له، وآذوه، وآذوا من اتبعه بكل ما أمكنهم من الأذى، فأما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجاره عمه أَبُو طالب ومنع منه، وكذلك أجار أبا بكر قومه، ثم أسلموه فأجاره ابن الدغنة، وأجار العاصي بْن وائل عمر بْن الخطاب

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ عَاصِمٍ -، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلامَهُ سَبْعَةٌ

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلالٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ اللهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ إِلا مَنْ وَاتَاهُمْ فِيمَا أَرَادُوا وَأَوْهَمَهُمْ بِذَلِكَ إِلا بِلالٌ، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَخَذُوهُ وَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ وَعَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ سَوَاءً، وَزَادَ فِي قِصَّةِ بِلالٍ وَجَعَلُوا فِي عُنُقِهِ حَبْلا وَدَفَعُوهُ إِلَى الصِّبْيَانِ يَلْعَبُونَ بِهِ حَتَّى أَثَّرَ الْحَبْلُ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ مَلُّوهُ فَتَرَكُوهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي بَابِهِ مِنْ كِتَابِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلا مُجَاهِدٌ فِي هَذَا الْخَبَرِ خَدِيجَةَ وَلا عَلِيًّا، وَهُمَا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لأَنَّهُمَا كَانَا فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ، وَمَنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ كَانَ فِي جِوَارِ عَمِّهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ إِلَى قُرَيْشٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ فَلَمْ يُؤْذَيَا، وَهَؤُلاءِ السَّبْعَةُ ظَهَرَ مِنْهُمْ ذَلِكَ فَلَقَوُا الأَذَى الشَّدِيدَ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَقَصَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَى الْخَبَرِ عَنْهُمْ

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَمَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ:

سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ، قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، قَالَ: فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ وَدَفَعَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ : {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} وَرَوَاهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ أَيْضًا عن الأوزاعي بإسناده مثله، وروى بشر بْن بكر، عن الأوزاعي، عن يحيى بْن أبي كثير، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سلمة بْن عَبْد الرحمن، قَالَ: قلت لعبد الله بْن عمرو بْن العاص: أخبرني بأشد شيء، فذكر مثله، وعند عمر بْن عَبْد الواحد، عن الأوزاعي، بهذا الإسناد أيضا في هذا الخبر، وعن إسماعيل بْن سماعة أيضا مثله، عن الأوزاعي بهذا الإسناد في هذا الخبر، وعند الوليد بْن مزيد، عن الأوزاعي في هذا الخبر الإسناد الأول، وروى مُحَمَّد بْن عمرو بْن علقمة، عن أبي سلمة، عن عَبْد اللهِ بْن عمرو بْن العاص هذا الخبر بمعناه، وزاد فيه، فَقَالَ: يا معشر قريش والذي نفسي بيده لقد أرسلني ربي إليكم بالذبح، ورواه هشام بْن عروة، عن أبيه، عن عَبْد اللهِ بْن عمرو بْن العاص بمعنى حديث يحيى بْن أبي كثير، وحديث مُحَمَّد بْن عمرو، عن أبي سلمة، عن عَبْد اللهِ بْن عمرو

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَقَدْ ضَرَبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ ، {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} ، فَقَالُوا: هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ الْمَجْنُونُ

المجاهرون بالظلم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكل من آمن به

 

قَالَ الفقيه أَبُو عمر رضي الله عنه: وكان المجاهرون بالظلم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكل من آمن به من بني هاشم: عَمَّهُ أبا لهب، وابنَ عمه أبا سفيان بْن الحارث، ومن بني عَبْد شمس: عتبة وشيبة ابني ربيعة، وعقبة بْن أبي معيط، وأبا سفيان بْن حرب، وابنه حنظلة، والحكم بْن أبي العاص بْن أمية، ومعاوية بْن العاص بْن أمية، ومن بني عَبْد الدار: النضر بْن الحارث، ومن بني أسد بْن عَبْد العزى: الأسود بْن المطلب، وابنه زمعة، وأبا البختري العاصي بْن هشام، ومن بني زهرة: الأسود بْن عَبْد يغوث الزهري

، وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أبا جعل بْن هشام، وأخاه العاصي بْن هشام، وعمهما الوليد بْن المغيرة، وابنه أبا قيس بْن الوليد بْن المغيرة، وابن عمه قيس بْن الفاكه بْن المغيرة،

وزهير بْن أبي أمية بْن المغيرة أخا أم سلمة، وأخاه عَبْد اللهِ بْن أبي أمية، والأسود بْن عَبْد الأسد أخا أبي سلمة، وصيفي بْن السائب، ومن بني سهم: العاص بْن وائل، وابنه عمرو بْن العاص، وابن عمه الحارث بْن قيس بْن عدي، ومنبها ونبيها ابني الحجاج، ومن بني جمح: أُمَيَّةَ وَأُبَيًّا ابني خلف بْن وهب بْن حذافة بْن جمح السهمي، وأنيس بْن معير أخا أبي محذورة، والحارث بْن الطلاطلة الخزاعي، وعدي بْن الحمراء الثقفي، فهؤلاء كانوا أشد على المؤمنين مثابرة بالأذى ومعهم سائر قريش، فمنهم من يعذبون من لا منعة له ولا جوار من قومه، ومنهم من يؤذون، ولقي المسلمون من كفار قريش وحلفائهم من العذاب والأذى والبلاء عظيما، ورزقهم الله من الصبر على ذلك عظيما، ليدخر لهم ذلك في الآخرة، ويرفع به درجاتهم في الجنة، والإسلامُ في كل ذلك يفشو ويظهر في الرجال والنساء، وأسلم الوليد بْن الوليد بْن المغيرة، وسلمة بْن هشام أخو أبي جهل، وأبو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة، وجماعة أراد الله هداهم، وأسرف بنو جمح على بلال بالأذى والعذاب، فاشتراه أَبُو بكر الصديق منهم، واشترى أمه حمامة فأعتقها، وأعتق عامر بْن فهيرة، وأعتق خمسا من النساء: أُمَّ عبيس،

وزنيرة، والنهدية، وابنتها، وجارية لبني عدي بْن كعب، كان عمر بْن الخطاب رضي الله عنه يعذبها على الإسلام قبل أن يسلم، وروى أن أبا قحافة قَالَ لابنه أبي بكر:

يا بني أراك تعتق قوما ضعفاء، فلو أعتقت قوما جلداء يمنعونك؟ فقال: يا أبت إني أريد ما أريد، فقيل: إن فيه نزلت : {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} إلى آخر السورة

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بكرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بْن خلف، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى آية - قَالَ: أَبُو جهل ينهى محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} أَهْلَ مَجْلِسِهِ ، {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قَالَ: الْمَلائِكَةَ

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حِبَّانَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَجَرَهُ، فَقَالَ: يُهَدِّدُنِي مُحَمَّدٌ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مَا بِهَا رَجُلٌ أَكْثَرُ نَادِيًا مِنِّي، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لأَخَذَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَالْعَذَابُ

المستهزئون

قَالَ أَبُو عمر رضي الله عنه: وكان المستهزئون الذين قَالَ الله فيهم : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} ، عَمَّهُ أبا لهب، وعقبة بْن أبي معيط، والحكم بْن أبي العاصي، والأسود بْن المطلب بْن أسد أبا زمعة، والأسود بْن عَبْد يغوث، والعاصي بْن وائل، والوليد بْن المغيرة، والحارث بْن غيطلة السهمي، ويقال له: ابن الغيطلة، وكان جبريل مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض وقفاته معه، فمر بهما من المستهزئين: الوليد بْن المغيرة، والأسود بْن المطلب، والأسود بْن عَبْد يغوث، والحارث بْن غيطلة، والعاصي بْن وائل واحدا بعد واحد، فشكاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جبريل، فأشار إليهم جبريل عليه السلام، وقال: كَفَيْتُكَهُمْ، فهلكوا بضروب من البلاء والعمى قبل الهجرة، وفيما لقي بلال، وعمار، والمقداد، وخباب، وسعد بْن أبي وقاص، وغيرهم ممن لم تكن له منعة من قومه من البلاء والأذى ما يجمل أن يفرد له كتاب، ولكنا نقف في كتابنا عند شرطنا وبالله توفيقنا.

 

فلما اشتد بالمسلمين البلاء والأذى، وخافوا أن يفتنوا عن دينهم، أذن الله لهم في الهجرة إلى أرض الحبشة، وقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سِيرُوا إِلَيْهَا فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لا تُظْلَمُونَ عِنْدَهُ"

وهو أصحمة، وتفسيره بالعربية عطية، وهو ابن أَبْحر. والنجاشي عامٌ لكل من ملك الحبشة كفرعون لمصر وتُبَّع لليمن وقيصر للشام وكسرى للعراق وبطليموس لليونان

باب ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة

 

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ، وَظَهَرَ الإِيمَانُ، أَقْبَلَ كُفَّارُ قريش على من آمن من قبائلهم يعذبونهم ويؤذونهم ليردوهم عن دينهم، قَالَ: فبلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمن آمن به: تفرقوا في الأرض فإن الله تعالى سيجمعكم، قالوا: إلى أين نذهب؟ قَالَ: ههنا، وأشار بيده إلى أرض الحبشة فهاجر إليها ناس ذوو عدد، منهم من هاجر بأهله، ومنهم من هاجر بنفسه، حتى قدموا أرض الحبشة قَالَ الفقيه أَبُو عمر رضي الله عنه: فكان أول من خرج من المسلمين فارا بدينه إلى أرض الحبشة عثمان بْن عفان معه امرأته

رقية بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قيل: إن أول من هاجر إلى الحبشة أَبُو حاطب بْن عمرو بْن عَبْد شمس بْن عَبْد ود، أخو سهيل بْن عمرو، وقيل: هو سليط بْن عمرو، وأبو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة هاربا عن أبيه بدينه ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بْن عمرو مراغمة لأبيها فارة عنه بدينها، فولدت له بأرض الحبشة مُحَمَّد بْن أبي حذيفة صنو الزبير بْن العوام، ومصعب بْن عمير، وعبد الرحمن بْن عوف

، وأبو سلمة بْن عَبْد الأسد معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وعثمان بْن مظعون، وعامر بْن ربيعة حليف آل الخطاب ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بْن غانم العدوية، وأبو سبرة بْن أبي رهم العامري، وامرأته أم كلثوم بنت سهيل بْن عمرو، وسهيل بْن بيضاء، وهو سهيل بْن وهب بْن ربيعة الفهري، ثم خرج بعدهم جعفر بْن أبي طالب، ومعه امرأته أسماء بنت عميس، فولدت له هناك بنيه: محمدا، وعبد الله، وعونا، وَعَمْرُو بْنُ سعيد بْن العاص بْن أمية، ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان بْن أمية بْن محرث بْن شق بْن رقبة بْن مخدج الكنانية، وأخوه خالد بْن سعيد بْن العاص معه امرأته أمينة بنت خلف بْن أسعد بْن عامر بْن بياضة بْن يثيع الخزاعية، فولدت له هناك ابنه سعيدا، وابنته أم خالد، واسمها آمنة بنت خالد،

وعبد الله بْن جحش بْن رئاب الأسدي، وأخوه عبيد الله بْن جحش، معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فتنصر هناك ومات نصرانيا مرتدا عن دينه، وَقَيْسُ بْن عَبْد اللهِ، حليف لبني أمية بْن عَبْد شمس، معه امرأته بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بْن حرب، ومعيقيب بْن أبي فاطمة الدوسي، حليف لبني العاص بْن أمية، وعتبة بْن غزوان بْن جابر المازني من بني مازن بْن منصور أخي سليم بْن منصور، حليف بني نوفل بْن عَبْد مناف، ويزيد بْن زمعة بْن الأسود بْن عَبْد المطلب بْن أسد، وعمرو بْن أمية

بْن الحارث بْن أسد، والأسود بْن نوفل بْن خويلد بْن أسد، وطليب بْن عمير بْن وهب بْن أبي كبير بْن عَبْد قصي، وسويبط بْن سعد بْن حرملة، ويقال: حريملة بْن مالك العبدري، وجهم بْن قيس بْن عَبْد شرحبيل بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار العبدري، معه امرأته أم حرملة بنت عَبْد الأسود بْن جذيمة بْن الأقيش بْن عامر بْن بياضة بْن يثيع بْن جعثمة بْن سعيد بْن مليح بْن عمرو من خزاعة، وابناه عمرو بْن جهم، وخزيمة بنت جهم، وأبو الروم بْن عمير أخو مصعب بْن عمير، وفراس بْن النضر بْن الحارث بْن كلدة بْن علقمة بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار، وعامر بْن أبي وقاص أخو سعد بْن أبي وقاص،

والمطلب بْن أزهر بْن عَبْد عوف، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بْن صبيرة السهمية، ولدت له هناك عَبْد اللهِ بْن المطلب، وعبد الله بْن مسعود الهذلي، وأخوه عتبة بْن مسعود، والمقداد بْن عمرو بْن ثعلبة البهراني، ويقال له: المقداد بْن الأسود، لأن الأسود بْن عَبْد يغوث الزهري تبناه، وهو حليف له، والحارث بْن خالد بْن صخر بْن عامر بْن كعب بْن سعد بْن تيم بْن مرة، ومعه امرأته ريطة بنت الحارث بْن جبيلة بْن عامر بْن كعب بْن سعد بْن تيم بْن مرة، فولدت له هناك موسى، وزينب، وعائشة، وفاطمة، وعمرو بْن عثمان بْن عمرو التيمي عم طلحة، وشماس بْن عثمان بْن الشريد المخزومي، واسمه

عثمان بْن عثمان، وهبار بْن سفيان بْن عَبْد الأسد بْن هلال المخزومي، وأخوه عَبْد اللهِ بْن سفيان، وهشام بْن أبي حذيفة بْن المغيرة بْن عَبْد اللهِ بْن عمر بْن مخزوم، وعياش بْن أبي ربيعة بْن المغيرة المخزومي، ومعتب بْن عوف بْن عامر الخزاعي، يعرف بمعتب بْن حمراء، حليف بني مخزوم، والسائب بْن عثمان بْن مظعون، وعماه قدامة وعبد الله ابنا مظعون، وحاطب وحطاب ابنا الحارث بْن معمر الجمحي، ومع حاطب زوجه فاطمة بنت المجلل العامرية، ولدت له هناك محمدا، والحارث ابني حاطب، ومع حطاب زوجه فكيهة بنت يسار، وسفيان بْن معمر بْن حبيب الجمحي، ومعه ابناه جابر، وجنادة ابنا سفيان، وأمهما حسنة، وأخوهما لأمهما شرحبيل بْن حسنة، وهو شرحبيل بْن عَبْد اللهِ بْن المطاع الكندي، وقيل: إنه من بني الغوث بْن مر أخي تميم بْن مر، وعثمان بْن ربيعة بْن أهبان بْن وهب بْن حذافة بْن جمح، وخنيس بْن حذافة بْن قيس بْن عدي السهمي، وأخواه قيس، وعبد الله ابنا حذافة، ورجل من تميم اسمه سعيد بْن عمرو كان أخا بشر بْن الحارث بْن قيس بْن عدي لأمه، وهشام بْن العاص بْن وائل أخو عمرو بْن العاص، وعمير بْن رئاب بْن حذيفة السهمي،

وأبو قيس بْن الحارث بْن قيس بْن عدي السهمي، وإخوته: الحارث بْن الحارث، ومعمر بْن الحارث، وسعيد بْن الحارث، والسائب بْن الحارث، وبشر بْن الحارث، ومحمية بْن جزء الزبيدي،

حليف بني سهم، ومعمر بْن عَبْد اللهِ بْن نضلة العدوي من بني عدي بْن كعب، وعروة بْن عَبْد العزى ابن حرثان العدوي، وعدي بْن نضلة بْن عَبْد العزى العدوي، وابنه النعمان بْن عدي، ومالك بْن ربيعة بْن قيس العامري، وامرأته عمرة بنت أسعد بْن وقدان بْن عَبْد شمس العامرية، وسعد بْن خولة من أهل اليمن، حليف لبني عامر بْن لؤي، وعبد الله بْن مخرمة بْن عبد العزى العامري، وعبد الله بْن سهيل بْن عمرو العامري، وعماه سليط بْن عمرو، والسكران بْن عمرو، ومع السكران بْن عمرو امرأته سودة بنت زمعة، وأبو عبيدة عامر بْن عَبْد اللهِ بْن الجراح الفهري، وعمرو بْن أبي سرح بْن ربيعة بْن هلال بْن أهيب بْن ضبة بْن الحارث بْن فهر، وعياض بْن زهير بْن أبي شداد الفهري، وعثمان بْن عَبْد غنم بْن زهير بْن أبي شداد، وسعد بْن عَبْد قيس بْن لقيط بْن عامر الفهري، وقد جاء في بعض الأثر، وقاله بعض أهل السير: أن أبا موسى الأشعري كان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة، وليس كذلك، ولكنه خرج في طائفة من قومه مهاجرا من بلده باليمن يريد المدينة، فركبوا البحر، فرمتهم الريح بالسفينة التي كانوا فيها إلى أرض الحبشة، فأقام هنالك حتى قدم مع جعفر بْن أبي طالب، ولما نزل هؤلاء بأرض الحبشة أمنوا على دينهم وأقاموا بخير دار عند خير جار، وطالبتهم قريش عنده فكان ذلك سبب إسلامه على ما نورده بعد إن شاء الله،

وأقام بمكة من كان له من عشيرته منعة، فلما رأت قريش أن الإسلام يفشوا وينتشر، اجتمعوا، فتعاقدوا على بني هاشم، وأدخلوا معهم بني المطلب ألا يكلموهم، ولا يجالسوهم، ولا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، واجتمع على ذلك ملؤهم، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة، فانحاز بنو هاشم، وبنو المطلب كلهم كافرهم ومؤمنهم، فصاروا في شعب أبي طالب محصورين مُبْعَدِينَ مُجْتَنَبِينَ، حاشا أبا لهب وولده، فإنهم صاروا مع قريش على قومهم، فبقوا كذلك ثلاث سنين إلى أن جمع الله قلوب قوم من قريش على نقض ما كانت قريش تعاقدت فيه على بني هاشم وبني المطلب

باب ذكر دخول بني هاشم بْن عَبْد مناف، وبني المطلب بْن عَبْد مناف في الشعب، وما لقوا من سائر قريش في ذلك

أَخْبَرَنَا عَبْد اللهِ بْن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن بكر قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن سلمة المرادي قَالَ: حَدَّثَنَا ابن وهب قَالَ: أخبرني ابن لهيعة عن مُحَمَّد بْن عَبْد الرحمن أبي الأسود وأخبرنا عَبْد الوارث بْن سفيان قَالَ: أَخْبَرَنَا قاسم بْن أصبغ قَالَ: حَدَّثَنَا مطرف بْن عَبْد الرحمن بْن قيس قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بْن حميد بْن كاسب وَأَخْبَرَنَا عَبْد اللهِ بْن مُحَمَّد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بكر قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسحاق المسيبي قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فليح عن موسى بْن عقبة عن ابن شهاب دخل حديث بعضهم في بعض، قَالَ: ثم إن كفار قريش أجمعوا أمرهم واتفق رأيهم على قتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: قد أفسد أبناءنا ونساءنا، فقالوا لقومه: خذوا منا ديته مضاعفة ويقتله رجل غير قريشي وتريحوننا وتريحون أنفسكم، فأبى قومه بنو هاشم من ذلك، وظاهرهم بنو المطلب بْن عَبْد مناف، فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم وإخراجهم من مكة إلى الشعب، فلما دخلوا الشعب،

أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان بمكة من المؤمنين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة، وكان متجرا لقريش وكان يثني على النجاشي بأنه لا يظلم عنده أحد، فانطلق المسلمون إلى بلده، وانطلق إليها عامة من آمن بالله ورسوله، ودخل بنو هاشم، وبنو المطلب شعبهم مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن دينا، والكافر حمية، فلما عرفت قريش أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد منعه قومه، أجمعوا على ألا يبايعوهم، ولا يدخلوا إليهم شيئا من الرفق، وقطعوا عنهم الأسواق، ولم يتركوا طعاما ولا إداما ولا بيعا إلا بادروا إليه واشتروه دونهم، ولا يناكحوهم، ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقتل، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة، وتمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين، فاشتد البلاء على بني هاشم في شعبهم، وعلى كل من معهم، فلما كان رأس ثلاث سنين، تلاوم قوم من بني قصي ممن ولدتهم بنو هاشم وممن سواهم، فأجمعوا أمرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة، وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فأكلت ولحست ما في الصحيفة من ميثاق وعهد، وكان أَبُو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شرا أو غائلة، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه، أو إخوته، أو بني عمه، فاضطجع على فراش رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر رسول الله أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها، فلم يزالوا في الشعب على ذلك إلى تمام ثلاث سنين، فلما أكملوها تلاوم رجال من قريش وحلفائهم وأجمعوا أمرهم على نقض ما كانوا تظاهروا عليه من القطيعة والبراءة، وبعث الله على صحيفتهم

الأرضة فلحست كل ما كان فيها من عهد له وميثاق، ولم تترك فيها اسما لله عز وجل إلا لحسته، وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم، فأطلع الله عز وجل رسوله على ذلك، فذكر ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي طالب، فقال أَبُو طالب: لا والثواقب ما كَذَبْتَنِي، فانطلق في عصابة من بني عَبْد المطلب حتى أتوا المسجد وهم خائفون لقريش، فلما رأتهم قريش في جماعة أنكروا ذلك، وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برمته إلى قريش، فتكلم أبو طالب، فقال: قد جرت أمور بيننا وبينكم لم نذكرها لكم، فأتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قَالَ ذلك أَبُو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها، فأتوا بصحيفتهم متعجبين لا يشكون أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْفَعُ إليهم، فوضعوها بينهم، وقالوا لأبي طالب: قد آن لكم أن ترجعوا عما أخذتم علينا وعلى أنفسكم، فقال أَبُو طالب: إنما أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم، إن ابن أخي أخبرني ولم يُكْذِبْنِي أن هذه الصحيفة التي بين أيديكم قد بعث الله عليها دابة فلم تترك فيها اسما إلا لحسته وتركت فيها غدركم وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا، فلا والله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم، فقالوا: قد رضينا بالذي تقول، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح، فلما رأت قريش صدق ما جاء به أَبُو طالب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: هذا سحر ابن أخيك، وزادهم ذلك بغيا وعدوانا ،

وأما ابن هشام، فقال: قد ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي طالب: يا عم إن ربي قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما لله إلا أثبتته، ونفت منها القطيعة والظلم والبهتان، قَالَ: أربك أخبرك بهذا؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فوالله ما يدخل عليك أحد، ثم خرج إلى قريش، فقال: يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني، وساق الخبر بمعنى ما ذكرنا، وقال ابن إسحاق، وموسى بْن عقبة، وغيرهما في تمام ذلك الخبر: وندم منهم قوم، فقالوا: هذا بغي منا على إخواننا، وظلم لهم، فكان أول من مشى في نقض الصحيفة هشام بْن عمرو بْن الحارث من بني عامر بْن لؤي، وهو كان كاتب الصحيفة، وأبو البختري العاص بْن هشام بْن الحارث بْن أسد بْن عَبْد العزى، والمطعم بْن عدي، إلى ههنا تم خبر ابن لهيعة، عن أبي الأسود مُحَمَّد بْن عَبْد الرحمن المعروف بيتيم عروة، وموسى بْن عقبة، عن ابن شهاب، وهو معنى ما ذكر ابن إسحاق، إلا أن ابن إسحاق قَالَ:

الذين مشوا في نقض الصحيفة: هشام بْن عمرو بْن الحارث بْن حبيب بْن نصر بْن مالك بْن حسل بْن عامر بْن لؤي، لقي زهير بْن أبي أمية بْن المغيرة المخزومي، فعيره بإسلامه أخواله، وكانت أم زهير عاتكة بنت عَبْد المطلب عمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأجابه زهير إلى نقض الصحيفة، ثم مضى هشام إلى المطعم بْن عدي بْن نوفل فَذَكَّرَهُ أَرْحَامَ بني هاشم وبني المطلب بْن عَبْد مناف، فأجابه المطعم إلى نقضها، ثم مضى إلى أبي البختري بْن هشام بْن الحارث بْن أسد فذكره أيضا بذلك، فأجابه، ثم مضى إلى زمعة بْن الأسود بْن المطلب بْن أسد فذكره ذلك، فأجابه، فقام هؤلاء في نقض الصحيفة

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دُحَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِنًى: نَحْنُ نَازِلُونَ عِنْدَ خَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ، قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَلا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَدَّه

ذكر من انصرف من أرض الحبشة إلى مكة

 

ثم اتصل بمن كان في أرض الحبشة من المهاجرين أن قريشا قد أسلمت، ودخل أكثرها في الإسلام خبرا كاذبا، فانصرف منهم قوم من أرض الحبشة إلى مكة منهم: عثمان بْن عفان، وزوجته رقية بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة، وامرأته سهلة بنت سهيل، وعبد الله بْن جحش، وعتبة بْن غزوان، والزبير بْن العوام، ومصعب بْن عمير، وسويبط بْن سعد بْن حرملة، وطليب بْن عمير، وعبد الرحمن بْن عوف، والمقداد بْن عمرو، وعبد الله بْن مسعود، وأبو سلمة بْن عَبْد الأسد، وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وشماس بْن عثمان وهو عثمان بْن عثمان وشماس لقبه، وسلمة بْن هشام بْن المغيرة، وعمار بْن ياسر، وعثمان وقدامة وعبد الله بنو مظعون، والسائب بْن عثمان بْن مظعون، وخنيس بْن حذافة، وهشام بْن العاص بْن وائل، وعامر بْن ربيعة، وامرأته ليلى بنت أبي حثمة، وعبد الله بْن مخرمة بْن عَبْد العزى من بني عامر بْن لؤي، وعبد الله بْن سهيل بْن عمرو، وأبو سبرة بْن أبي رهم، وامرأته أم كلثوم بنت سهيل بْن عمرو، والسكران بْن عمرو أخو سهيل بْن عمرو رجع من أرض الحبشة إلى مكة ومات بها قبل الهجرة، فتزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجه سودة بنت زمعة، وسعد بْن خولة، وأبو عبيدة بْن الجراح، وعمرو بْن الحارث بْن

زهير بْن شداد، وسهيل بْن وهب الفهري وهو سهيل بْن بيضاء، وعمرو بْن أبي سرح،

فوجدوا البلاء والأذى على المسلمين كالذي كان وأشد، فبقوا صابرين على الظلم والأذى حتى أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة، فهاجروا إليها حاشا سلمة بْن هشام، وعياش بْن أبي ربيعة، والوليد بْن الوليد بْن المغيرة، وعبد الله بْن مخرمة، فإنهم حبسوا بمكة ثم هاجروا بعد بدر وأحد والخندق، إلا عَبْد اللهِ بْن مخرمة فإنه هرب من الكفار يوم بدر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعد نقض الصحيفة ماتت خديجة رضي الله عنها، ومات أَبُو طالب، فأقدم سفهاء قريش على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأذى، فخرج إلى الطائف يدعو إلى الإسلام فلم يجيبوه، فانصرف إلى مكة في جوار المطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف، قَالَ ابن شهاب بالإسناد المتقدم، عن موسى بْن عقبة: فلما أفسد الله صحيفة مكرهم خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورهطه فعاشروا وخالطوا الناس

 

ذِكْرُ إسلام الجن

وأقبل وفد الجن يستمعون القرآن ثم ولوا إلى قومهم منذرين ثم أتته الجماعة منهم فآمنوا به وصدقوه وقَالَ:

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ:

حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَنَّةَ الْخُزَاعِيُّ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: " مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَحْضُرَ اللَّيْلَةَ أَمْرَ الْجِنِّ فَلْيَفْعَلْ، فَلَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ غَيْرِي، فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّةَ خَطَّ لِي بِرِجْلِهِ خَطًّا، ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَجْلِسَ فِيهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى قَامَ فَافْتَتَحَ الْقُرْآنَ، فَغَشِيَتْهُ أَسْوِدَةٌ كَثِيرَةٌ حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حَتَّى مَا أَسْمَعُ صَوْتَهُ، ثُمَّ طَفِقُوا يَتَقَطَّعُونَ مِثْلَ قِطَعِ السَّحَابِ ذَاهِبِينَ حَتَّى بَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ، وَفَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مَعَ الْفَجْرِ، فَانْطَلَقَ فَتَبَرَّزَ ثُمَّ أَتَانِي، فَقَالَ: " مَا فَعَلَ الرَّهْطُ؟ " قُلْتُ: هُمْ أُولَئِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ عَظْمًا وَرَوَثًا فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدٌ بِعَظْمٍ أَوْ رَوَثٍ

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي قُرَادَةَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ، فَلْيَقُمْ مَعِي رَجُلٌ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ غِشٍّ "، قَالَ: فَقُمْتُ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ وَفِيهَا نَبِيذٌ، قَالَ: فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَضَيْتُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ، فَخَطَّ عَلَيَّ خِطَّةً ثُمَّ قَالَ: " إِنْ خَرَجْتَ مِنْهَا لَمْ تَرَنِي وَلَمْ أَرَكَ "، قَالَ: وَمَضَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ جَاءَ فَوَجَدَنِي قَائِمًا، فَقَالَ: " مَا شَأْنُكَ قَائِمًا؟ " قُلْتُ: خَشِيتُ أَنْ لا تَرَانِي وَلا أَرَاكَ أَبَدًا، قَالَ: " مَا ضَرَّكَ لَوْ قَعَدْتَ، وَقَالَ: مَا هَذَا مَعَكَ؟ " قُلْتُ: نَبِيذٌ، قَالَ: " هَاتِ، ثَمَرَةٌ طَيِّبَةٌ، وَمَاءٌ طَهُورٌ "، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَقُمْتُ مَعَهُ، وَخَلْفَهُ رَجُلانِ مِنَ الْجِنِّ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ أَقْبَلا عَلَيْهِ يَسْأَلانِهِ، فَقَالَ: " مَا شَأْنُكُمَا؟ أَلَمْ أَقْضِ لَكُمَا وَلِقَوْمِكُمَا حَوَائِجَكُمْ؟ "، قَالا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَدْنَا أَنْ يَشْهَدَ مَعَكَ الصَّلاةَ بَعْضُنَا، فَقَالَ: " فَمَنْ أَنْتُمَا؟ "، قَالا: مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ، قَالَ: " أَفْلَحَ

هَذَانِ وَقَوْمُهُمَا " ثُمَّ سَأَلا الْمُبَاحَ، فَقَالَ: " الْعَظْمُ مُبَاحٌ لَكُمْ، وَالرَّوَثُ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ " قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَإِنَّهُمَا لَيَجِدَانِهِمَا أَعْظَمَ مَا كَانَ وَأَطْرَاهُ

قَالَ أَبُو عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَذَا الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَوَاتِرٌ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى حِسَانٍ كُلِّهَا، إِلا حَدِيثَ أَبِي زَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، فَإِنَّ أَبَا زيد مجهول لا يعرف في أصحاب ابن مسعود، ويكفي من ذكر الجن ما في سورة الرحمن وسورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} وما جاء في الأحقاف قوله {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ} الآيات، وفي خبر علقمة، عن ابن مسعود، أنه قَالَ: وددت أن أكون معه ليلة الجن، وفي قول علقمة: " وددت أن صاحبنا معه ليلتئذ " ما يدفع الأخبار الواردة بذلك، لأن المعنى: أنه لم يكن معه وما زال عن الخط الذي خط له

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:

" لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْجِنِّ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُرَةٌ فَآذَنَتْهُ بِهِمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ "

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ -، عَنْ مِسْعَرٍ -، عَنْ عَمْرِو بْنَ مُرَّةَ -، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ -، أَنَّ مَسْرُوقًا -، قَالَ لَهُ: أَبُوكَ أَخْبَرَنَا أَنَّ شَجَرَةً أَنْذَرَتِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْجِنِّ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ -، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو أُسَامَةَ -، قَالَ: أَنْبَأَنَا مِسْعَرٌ -، عَنْ مَعْنٍ -، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي -، قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا - مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ ؟، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ يَعْنِي: عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ آذَنَتْهُ بِهِمْ سَمُرَةٌ

 

ذكر خروج الرسول إلى الطائف وَعَوْدِهِ إلى مكة

قَالَ الفقيه أَبُو عمر رضي الله عنه: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نفسه في تلك السنين على القبائل ليمنعوه حتى يبلع رسالات ربه، ولم يقبله أحد منهم، وكلهم كان يقول له: قومه أعلم به، وكيف يصلحنا من أفسد قومه؟ وكان ذلك مما ذخره الله عز وجل للأنصار وأكرمهم به، فلما مات أَبُو طالب اشتد البلاء على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعمد لثقيف رجاء أن يئووه، فوجد

ثلاثة نفر هم سادة ثقيف، وهم إخوةٌ: عَبْدُ يَالَيْلَ بْنُ عَمْرٍو، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَسْعُودُ بْن عَمْرٍو، فعرض عليهم نفسه، وأعلمهم بما لقي من قومه، فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط، وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرك؟ وقال الثالث: لا أكلمك بعد مجلسك هذا، لئن كنت رسول الله، لأنت أعظم حقا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على الله، لأنت شر من أكلمك، وهزئوا به، وأفشوا في قومهم ما راجعوه به، وأقعدوا له صفين، فلما مر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهما جعلوا لا يرفع رجلا ولا يضع رجلا إلا رضخوها بحجارة قد كانوا أعدوها، حتى أدموا رجليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخلص منهم وعمد إلى حائط من حوائطهم، فاستظل في ظل نخلة منه، وهو مكروب تسيل قدماه بالدماء، وإذا في الحائط عتبة بْن ربيعة

، وشيبة بْن ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله، فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما، يقال له: عداس، وهو نصراني من أهل نينوى، معه عنب، فلما أتاه عداس، قَالَ له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟ قَالَ: من أهل نينوى، فقال النبي عليه السلام: مدينة الرجل الصالح يونس بْن مَتَّى، فقال له عداس: ما يدريك مَنْ يونس بْن مَتَّى؟ وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه، فقال: أنا رسول الله، فلما أخبره بما أوحى الله إليه من شأن يونس، خر عداس ساجدا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان دما، فلما أبصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا، فلما أتاهما، قالا: ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه؟ قَالَ: هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله عز وجل يدعى يونس بْن متى، فضحكا به وقالا له: إياك أن يفتنك عن نصرانيتك، فإنه رجل خداع، فرجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ السَّرْحِ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟، قَالَ: " لَقِيتُ مِنْ قَوْمِي مَا كَانَ أَشَدَّ، قَالَ: وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ ثَقِيفٍ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى عَبْدِ يَا لَيْلَ بْنِ عَبْدِ كِلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ عَلَى وَجْهِي وَأَنَا مَغْمُومٌ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ،

فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِمَا شِئْتَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ وَلا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا "

إسلام الطفيل بْن عمرو الدوسي:

قَالَ الفقيه الحافظ أَبُو عمر رضي الله عنه: وبعد رجوع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من دعاء ثقيف، قدم عليه الطفيل بْن عمرو الدوسي

، فدعاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام، وأمره بدعاء قومه، فقال: يا رسول الله اجعل لي آية تكون لي عونا، فدعا له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل الله في وجهه نورا، فقال: يا رسول الله إني أخاف أن يجعلوها مثلة، فدعا له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصار النور في سوطه، فهو معروف بذي النور

 

[ووصل إلى قومه بتلك الآية فأسلم أكثرهم، وأقام الطفيل في بلاده إلى عام الخندق، ثم قدم في سبعين أو ثمانين رجلا من قومه مسلمين، وقد ذكرنا خبره بتمامه في بابه من كتاب الصحابة](1)

__________

(1) قال معد الكتاب للشاملة : هذا ليس في المطبوعة (ط وزارة الأوقاف المصرية، تحقيق : شوقي ضيف)

حديث الإسراء والمعراج مختصرا:

 

ثم أسري برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم منه إلى السماء، فرأى الأنبياء في السموات على ما في الحديث بذلك، وفرض الله تعالى عليه الصلوات الخمس، ثم انصرف في ليلته تلك إلى مكة فأخبر بذلك، فصدقه أَبُو بكر وكل من آمن به، وكذبه الكفار، واستوصفوه مسجد بيت المقدس، فَمَثَّلَهُ الله له، فجعل ينظر إليه ويصفه

 

عرض الرسول الإسلامَ على قبائل العرب:

وفي ذلك كله رسول الله لا يزال يدعو إلى دين الله ويأمر به كل من لقيه ورآه من  العرب، إلى أن قدم سويد بْن الصامت أخو بني عمرو بْن عوف من الأوس، فدعاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام، فلم يبعد ولم يجب، ثم انصرف إلى يثرب فقتل في بعض حروبهم، وقدم

مكة أَبُو الحيسر أنس بْن رافع في فتية من قومه من بني عَبْد الأشهل يطلبون الحلف، فدعاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام، فقال رجل منهم اسمه إياس بْن معاذ، وكان شابا: يا قوم هذا والله خير مما قدمنا له، فضربه أَبُو الحيسر وانتهره، فسكت ثم لم يتم لهم الحلف، فانصرفوا إلى بلادهم، ومات إياس بْن معاذ، فقيل: إنه مات مسلما

 

العقبة الأولى:

ثم إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج، وهم: أَبُو أمامة أسعد بْن زرارة، وعوف بْن الحارث بْن رفاعة وهو

ابن عفراء، ورافع بْن مالك بْن العجلان، وقطبة بْن عامر بْن حديدة، وعقبة بْن عامر بْن نابي، وجابر بْن عَبْد اللهِ بْن رئاب، ومن أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بْن الصامت، ويسقط جابر بْن عَبْد اللهِ بْن رئاب، فدعاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام، فكان من صُنْعِ الله لهم أنهم كانوا من جيران اليهود، فكانوا يسمعونهم يذكرون أن الله تعالى يبعث نبيا قد أطل زمانه، فقال بعضهم لبعض: هذا والله الذي تُهَدِّدُكُمْ به يهود، فلا يسبقونا إليه، فأسلموا به وبايعوا، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا بيننا وبينهم حروب فننصرف وندعوهم إلى ما دعوتنا إليه، فعسى الله أن يجمعهم بك، فإن اجتمعت كلمتهم عليك واتبعوك فلا أحد أعز منك، وانصرفوا إلى المدينة فدعوا إلى الإسلام حتى فشا

فيهم، ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

العقبة الثانية:

حتى إذا كان العام المقبل، قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلا، منهم خمسة من الستة الذين ذكرنا وهم: أَبُو أمامة، وعوف بْن عفراء، ورافع بْن مالك، وقطبة بْن عامر بْن حديدة، وعقبة بْن عامر بْن نابي، ولم يكن فيهم جابر بْن عَبْد اللهِ بْن رئاب ولم يحضرها، والسبعة الذين هم تتمة الاثني عشر هم: معاذ بْن الحارث بْن رفاعة وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور، وذكوان بْن عَبْد قيس الزرقي، وذكروا أنه رحل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة فسكنها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو مهاجري أنصاري قتل يوم أحد، وعبادة بْن الصامت بْن قيس بْن أصرم، وأبو عَبْد الرحمن يزيد بْن ثعلبة البلوي حليف بني غصينة من بلي، والعباس بْن عبادة بْن نضلة، فهؤلاء من الخزرج، ومن الأوس رجلان: أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التيهان من بني عَبْد الأشهل، وعويم بْن ساعدة من بني عمرو بْن عوف، حليف لهم من بلي، فبايع رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هؤلاء عند العقبة على بيعة النساء، ولم يكن أمر بالقتال بعد، فلما انصرفوا بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم ابن أم مكتوم، ومصعب بْن عمير يعلم من أسلم منهم القرآن وشرائع الإسلام، ويدعو من لم يسلم إلى الإسلام، فنزل مصعب بْن عمير على أسعد بْن زرارة

، وكان مصعب بْن عمير يدعى المقرئ القارئ، وكان ------------------------------------

 

يؤمهم، فجمع بهم أول جمعة جمعت في الإسلام في هزم حرة بني بياضة، في بقيع يقال له: بقيع الخضمات، وهم أربعون رجلا، فأسلم على يد مصعب بْن عمير خلق كثير من الأنصار، وأسلم في جماعتهم سعد بْن معاذ، وأسيد بْن حضير، وأسلم بإسلامهما جميع بني عَبْد الأشهل في يوم واحد الرجال والنساء، لم يبق منهم أحد إلا أسلم، حاشا الأصيرمَ وهو عمرو بْن ثابت بْن وقش، فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم واستشهد، ولم يسجد سجدة، وأخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه من أهل الجنة، ولم يكن في بني عَبْد الأشهل منافق ولا منافقة، كانوا كلهم حنفاء مخلصين رضي الله عنهم أجمعين، ولم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها مسلمون رجال ونساء، حاشا بني أمية بْن زيد، وخطمة، وواقد، ووائل، وهم بطون من الأوس، وكانوا سكانا في عوالي المدينة، فأسلم منهم قوم، وكان سيِّدَهُمْ أَبُو قيس بْن صيفي بْن الأصلت الشاعر، فتأخر إسلامه وإسلام سائر قومه إلى أن مضت بدر، وأحد، والخندق ثم أسلموا كلهم، ثم رجع مصعب بْن عمير إلى مكة 

العقبة الثالثة:

وخرج إلى الموسم جماعة كبيرة ممن أسلم من الأنصار، يريدون لقاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جملة قوم كفار منهم لم يسلموا بعد، فوافوا مكة، وكان في جملتهم البراء بْن معرور، فرأى أن يستقبل الكعبة في الصلاة

، وكانت القبلة إلى بيت المقدس، فصلى كذلك طول طريقه، فلما قدم مكة ندم، فاستفتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها، مُنْكِرًا لِفِعْلِهِ، فواعدوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقبة من أواسط أيام التشريق، فلما كانت تلك الليلة دعا كعبُ بْن مالك، ورجال من بني سلمة عَبْدَ اللهِ بْنَ عمرو بْن حرام، وكان سيدا فيهم، إلى الإسلام، ولم يكن أسلم، فأسلم تلك الليلة وبايع، وكان ذلك سرا ممن حضر من كفار قومهم، فخرجوا في ثلث الليل الأول متسللين من رحالهم إلى العقبة، فبايعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندها على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم، ونساءهم، وأبناءهم، وأن يرحل إليهم هو وأصحابه، وحضر العباس العقبة تلك الليلة متوثقا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومؤكدا على أهل يثرب، وكان يومئذ على دين قومه لم يسلم، وكان للبراء بْن معرور في تلك الليلة المقام المحمود في التوثق لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والشد لعقد أمره، وهو أول من بايع رسول الله  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الليلة ليلة العقبة الثالثة، وكذلك كان مقام أبي الهيثم بْن التيهان، والعباس بْن نضلة يومئذ، وكان المبايعون لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الليلة سبعين رجلا وامرأتين، واختار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم اثني عشر نقيبا وهم: أسعد بْن زرارة بْن عدس أَبُو أمامة وهو أحد الستة، وأحد

الاثني عشر، وأحد السبعين، وسعد بْن الربيع، وعبد الله بْن رواحة، ورافع بْن مالك بْن العجلان وهو أيضا أحد الستة، وأحد الاثني عشر، وأحد السبعين، والبراء بْن معرور، وعبد الله بْن عمرو بْن حرام، وسعد بْن عبادة بْن دليم، والمنذر بْن عمرو بْن خنيس، وعبادة بْن الصامت وهو أحد الستة في قول بعضهم، وأحد الاثني عشر، وأحد السبعين، فهؤلاء تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس: أسيد بْن حضير، وسعد بْن خيثمة بْن الحارث، ورفاعة بْن عَبْد المنذر، وهؤلاء هم النقباء، وقد أسقط قوم رفاعة بْن عَبْد المنذر منهم، وعدوا مكانه أبا الهيثم بْن التيهان والله أعلم

وهذه تسمية من شهد العقبة من الأنصار مع الاثني عشر النقباء:

ظهير بْن رافع بْن عدي الحارثي، وسلمة بْن سلامة بْن وقش الأشهلي، ونهير بْن الهيثم من بني نابي بْن مجدعة، وعبد الله بْن جبير بْن النعمان من بني عمرو بْن عوف، وأسيد بْن حضير بْن سماك، وأبو الهيثم بْن التيهان، وسعد بْن خيثمة، ورفاعة بْن عَبْد المنذر، وأبو بردة هانئ بْن نيار حليف لهم من بلي، وعويم بْن ساعدة حليف لهم من بلي، ومعن بْن عدي بْن الجد حليف لهم من بلي، فهؤلاء من الأوس أحد عشر رجلا، وشهدها من الخزرج: أَبُو أيوب الأنصاري خالد بْن زيد، ومعاذ، ومعوذ، وعوف بنو الحارث بْن رفاعة، وهم بنو عفراء، وعمارة بْن حزم بْن زيد بْن

لوذان، وأبو رهم الحارث بْن رفاعة بْن الحارث، هؤلاء الستة من بني غنم بْن مالك بْن النجار، وسهل بْن عتيك بْن النعمان بْن النجار من بني عامر بْن مالك بْن النجار، وأوس بْن ثابت بْن المنذر بْن حرام، وأبو طلحة وهو زيد بْن سهل النجاري، وهذان من بني عمرو بْن مالك بْن النجار، وقيس بْن أبي صعصعة النجاري، وعمرو بْن غزية بْن عمر، وهذان من بني غنم بْن مازن بْن النجار، وخارجة بْن زيد بْن أبي زهير، وبشير بْن سعد بْن ثعلبة بْن خلاس، وخلاد بْن سويد بْن ثعلبة، وهؤلاء من بني كعب بْن الخزرج بْن الحارث بْن الخزرج،

وعبد الله بْن زيد بْن ثعلبة من بني جشم بْن الحارث بْن الخزرج، وعقبة بْن عمرو بْن يسيرة بْن عسيرة، أَبُو مسعود الأنصاري من بني الحارث بْن الخزرج، وهو وجابر بْن عَبْد اللهِ أصغر من شهد العقبة، وزياد بْن لبيد بْن ثعلبة، وفروة بْن عمرو بْن ودفة، وخالد بْن قيس بْن مالك، وهؤلاء من بني بياضة بْن عامر بْن زريق بْن عَبْد حارثة بْن مالك بْن غضب بْن جشم بْن الخزرج، وذكوان بْن عَبْد قيس بْن خلدة بْن مخلد بْن عامر بْن زريق بْن عامر أخي بياضة بْن عامر، وعباد بْن قيس بْن عامر بْن خالد بْن عامر بْن زريق بْن عامر، والحارث بْن قيس بْن خالد بْن مخلد بْن زريق بْن عامر أخي بياضة بْن عامر، ومن بني سلمة بْن سعد بْن علي: بشر

بْن البراء بْن معرور، وسنان بْن صيفي بْن صخر، والطفيل بْن النعمان بْن خنساء، ومعقل بْن المنذر بْن سرح، ويزيد بْن المنذر بْن سرح، ومسعود بْن زيد بْن سبيع، ويزيد بْن خدام بْن سبيع، والضحاك بْن حارثة بْن زيد، وجبار بْن صخر بْن أمية، والطفيل بْن مالك بْن الخنساء، وهؤلاء كلهم من بني عدي بْن غنم بْن كعب بْن سلمة، ومن بني سواد بْن غنم بْن كعب بْن سلمة: كعب بْن مالك بْن أبي كعب الشاعر، وسليم بْن عمرو بْن حديدة، وقطبة بْن عامر بْن حديدة، وأخوه يزيد بْن عامر، وأبو اليسر كعب بْن عمرو بْن عباد، وابن عمه صيفي بْن سواد بْن عباد، وثعلبة بْن عنمة بْن عدي، وأخوه   عمرو بْن عنمة، وعبس بْن عامر بْن عدي، وخالد بْن عمرو بْن عدي، وعبد الله بْن أنيس بْن أسعد حليف لهم من قضاعة، ومن بني حرام بْن كعب بْن غنم بْن كعب بْن سلمة بْن جابر بْن عَبْد اللهِ بْن عمرو بْن حرام كان من أحدثهم سنا، ومعاذ بْن عمرو بْن الجموح، وثابت بْن الجذع، واسم الجذع ثعلبة بْن كعب بْن حرام بْن كعب، وعمير بْن الحارث بْن لبدة، وخديج بْن سلامة بْن أوس، حليف لهم من بلي، ومن إخوة بني سلمة وهم: بنو أدي، ويقال: أدي بْن سعد بْن علي معاذ بْن جبل بْن عمرو بْن أوس بْن عائذ بْن عدي بْن كعب بْن عمرو بْن

أدي، وجميع من شهدها من بني سلمة وحلفائهم ثلاثون رجلا، وقد ذكر بعض أهل السير فيهم أوس بْن عباد بْن عدي، ومن بني عوف بْن الخزرج، ثم من بني سالم بْن عوف بْن عمرو بْن عوف بْن الخزرج: العباس بْن عبادة بْن نضلة وهو مهاجري أنصاري، هاجر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة فكان معه بها، ثم هاجر معه إلى المدينة، وقتل يوم أحد، ويزيد بْن ثعلبة بْن خزمة بْن أصرم، حليف لهم من بني غصينة من بلي، وعمرو بْن الحارث بْن لبدة من القواقل، ومن بني الحبلى واسمه سالم بْن عمرو بْن عوف رفاعة بْن عمرو بْن زيد بْن ثعلبة بْن مالك بْن سالم، وعقبة بْن وهب بْن كلدة بْن الجعد من بني عَبْد اللهِ بْن غطفان بْن سعد بْن قيس بْن عيلان، حليف لهم، هاجر أيضا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة، فهؤلاء خمسة رجال، ومن بني كعب بْن الخزرج: سعد بْن عبادة بْن دليم، والمنذر بْن عمرو، وهما من النقباء الذين ذكرنا،  وامرأتان: نسيبة بنت كعب بْن عمرو من بني مازن بْن النجار، وهي أم عمارة، قتل مسيلمة ابنها حبيب بْن زيد بْن عاصم، والثانية: أسماء بنت عمرو بْن عدي بْن نابي، من بني سواد بْن غنم بْن كعب بْن سلمة، وهي أم منيع، وكانت البيعة ليلة العقبة الثالثة على حرب الأسود والأحمر، وأخذ لنفسه واشترط عليهم لربه وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة 

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

باب ذكر الهجرة إلى المدينة

يقال إن المدينة مذكورة في التوراة طابة. قال : أوحى الله إلى طابة : يا طابة يا مسكينة، لا تقبلي الكنوز ، فإني أرفع أجاجيرك (1) على أجاجير القرى. وهي المدخل الصدق في كتاب الله تعالى، قال الله سبحانه: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا). المخرج الصدق مكة، والمدخل الصدق : المدينة، والسلطان النصير : الأنصار . وفيه دليل واضح على تفضيل المدينة، لأن الله ابتدأ بها، وكان القياس أن يبتدئ بمكة ، لأنه خرج منها قبل أن يدخل المدينة، وأضا فبالمدينة جعل له سلطانا نصيرا، وأيضا فيأبى الله إلا أن ينقل نبيه إلا إلى ما هو خير

__________

(1) أجاجير : جمع إجَّار بهمزة مكسورة وجيم مشددة، وهو السطح  فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة العقبة، وكانت سرا على كفار قومهم وكفار قريش، أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة أرسالا، فقيل: أول من خرج أَبُو سلمة بْن عَبْد الأسد المخزومي، وحبست عنه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بمكة نحو سنة، ثم أذن لها في اللحاق بزوجها، فانطلقت مهاجرة، وشيعها عثمان بْن طلحة بْن أبي طلحة وهو كافر إلى المدينة، ونزل أَبُو سلمة في قباء، ثم عامر بْن ربيعة، حليف بني عدي بْن كعب، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بْن غانم، وهي أول ظعينة دخلت من المهاجرات إلى المدينة، ثم عَبْد اللهِ بْن جحش، وأخوه أَبُو أحمد بْن جحش الشاعر الأعمى، وأمها، وأم إخوتهما أميمة بنت عَبْد المطلب، وهاجر جميع بني جحش بنسائهم، فغدا أَبُو سفيان على دارهم فتملكها إذ خلت منهم، وكانت الفارعة بنت أبي سفيان بْن حرب تحت أبي أحمد بْن جحش، فنزل هؤلاء الأربعة: أَبُو سلمة، وعامر بْن ربيعة، وعبد الله، وأبو أحمد ابنا جحش على مبشر بْن عَبْد المنذر بْن زنبر في بني عمرو بْن عوف بقباء، وهاجر مع بني جحش جماعة من بني أسد بْن خزيمة بنسائهم، منهم: عكاشة بْن محصن، وعقبة، وشجاع ابنا وهب، وأربد بْن حمير، ومنقذ بْن نباتة، وسعيد بْن رقيش، وأخوه يزيد بْن رقيش، ومحرز

بْن نضلة، وقيس بْن جابر، وعمرو بْن محصن، ومالك بْن عمرو، وصفوان بْن عمرو، وثقف بْن عمرو، وربيعة بْن أكثم، والزبير بْن عبيدة، وتمام بْن عبيدة، وسخبرة بْن عبيدة، ومحمد بْن عَبْد اللهِ بْن جحش،

ومن نسائهم: زينب بنت جحش، وحمنة بنت جحش، وأم حبيب بنت جحش، وجدامة بنت جندل، وأم قيس بنت محصن، وأم حبيبة بنت نباتة، وأمامة بنت رقيش، ثم خرج عمر بْن الخطاب، وعياش بْن أبي ربيعة في عشرين راكبا، فقدموا المدينة فنزلوا في العوالي في بني أمية بْن زيد، وكان يصلي بهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنا، وكان هشام بْن العاص بْن وائل قد أسلم وواعد عمر بْن الخطاب أن يهاجر معه، وقال: تجدني أو أجدك عند أضاة بني غفار، ففطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة، ثم إن أبا جهل، والحارث بْن هشام، أتيا المدينة فكلما عياش بْن أبي ربيعة، وكان أخاهما لأمهما وابن عمهما، وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها، ولا تستظل حتى تراه، فرقت نفسه وصدقها، وخرج راجعا معهما، فكتفاه في الطريق، وبلغاه مكة فحبساه بها مسجونا إلى أن خلصه بعد ذلك بدعاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في قنوت الصلاة: " اللهم أنج الوليد بْن الوليد، وسلمة بْن هشام، وعياش بْن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين

كسني يوسف " ثم استنقذ الله عياش بْن أبي ربيعة وسائرهم، وهاجر إلى المدينة،

وكان من جملة القادمين مع عمر بْن الخطاب: أخوه زيد بْن الخطاب، وسعيد بْن زيد بن عمرو بْن نفيل، وعمرو، وعبد الله ابنا سراقة بْن المعتمر، وكلهم من بني عدي بْن كعب، وواقد بْن عَبْد اللهِ التميمي، وخولي، ومالك ابنا أبي خولي من بني عجل بْن لجيم، حلفاء بني عدي بْن كعب، وإياس، وعاقل، وعامر، وخالد، بنو البكير الليثي، حلفاء بني عدي بْن كعب، وخنيس بْن حذافة السهمي، وزوجته حفصة بنت عمر بْن الخطاب، نزلوا بقباء على رفاعة بْن عَبْد المنذر في بني عمرو بْن عوف، ثم قدم طلحة بْن عبيد الله فنزل هو وصهيب بْن سنان على خبيب بْن إساف في بني الحارث بْن الخزرج، ويقال: بل نزل طلحة على أبي أمامة أسعد بْن زرارة، وكان صهيب ذا مال فاتبعته قريش ليقتلوه ويأخذوا ماله، فلما أشرفوا عليه، ونظر منهم، ونظروا إليه، قَالَ لهم: قد تعلمون أني من أرماكم رجلا، ووالله لا تصلون إِلَيَّ أو يَمُوتَ منكم من شاء الله أن يموت، قالوا: فاترك مالك وانهض، قَالَ: ما لي خلفته بمكة وأنا أعطيكم أمارة فتأخذونه، فعلموا صدقه وانصرفوا عنه إلى مكة بما أعطاهم من الأمارة، فأخذوا ماله، فنزلت فيه : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} الآية،

ونزل حمزة بْن عَبْد المطلب، وحليفاه أَبُو مرثد الغنوي، وابنه مرثد بْن أبي مرثد، وزيد بْن حارثة، وأنسة، وأبو كبشة موالي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كلثوم بْن الهدم أخي بني عمرو بْن عوف بقباء، ويقال: بل نزلوا على سعد بْن خيثمة، وقيل: إن حمزة نزل على أبي أمامة أسعد بْن زرارة، ونزل عبيدة، والطفيل، والحصين بنو الحارث بْن عَبْد المطلب بْن عَبْد مناف، ومسطح بْن أثاثة بْن عباد بْن المطلب، وسويبط بْن سعد بْن حرملة العبدري، وطليب بْن عمير من بني عَبْد بْن قصي، وخباب بْن الأرت مولى عتبة بْن غزوان، على عَبْد اللهِ بْن سلمة العجلاني بقباء، ونزل عَبْد الرحمن بْن عوف في رجال من المهاجرين، على سعد بْن الربيع في بني الحارث بْن الخزرج، ونزل الزبير بْن العوام، وأبو سبرة بْن أبي رهم، على المنذر بْن مُحَمَّد بْن عقبة بْن أحيحة بْن الجلاح في بني جحجبي، ونزل مصعب بْن عمير بْن هشام بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار، على سعد بْن معاذ بْن النعمان الأشهلي في بني عَبْد الأشهل، ونزل أَبُو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة، وسالم مولى أبي حذيفة، وعتبة بْن غزوان المازني، على عباد بْن بشر بْن وقش في بني عَبْد الأشهل،

ونزل عثمان بْن عفان، على أوس بْن ثابت أخي حسان بْن ثابت في بني النجار، ونزل العزاب، على سعد بْن خيثمة وكان عزبا، ولم يبق بمكة أحد من المسلمين إلا رسول  الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعلي أقاما مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمره، وحبس قوم كرها، حبسهم قومهم، فكتب الله لهم أجر المجاهدين بما كانوا عليه من حرصهم على الهجرة، فلما رأت قريش أن المسلمين قد صاروا إلى المدينة، وقد دخل أهلها في الإسلام، قالوا: هذا شر شاغل لا يطاق، فأجمعوا أمرهم على قتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبيتوه ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج، فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله عز وجل أن يُعَمِّيَ عليهم أثره، فطمس الله على أبصارهم، فخرج وقد غشيهم النوم، فوضع على رؤسهم ترابا ونهض، فلما أصبحوا خرج عليهم علي وأخبرهم أن ليس في الدار دَيَّارٌ، فعلموا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد فات ونجا،

وتواعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبي بكر الصديق للهجرة، فدفعا راحلتيهما إلى عَبْد اللهِ بْن أرقط، ويقال: ابن أريقط الديلي، وكان كافرا، لكنهما وثقا به، وكان دليلا بالطرق، فاستأجره ليدل بهما إلى المدينة

 

خروج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للهجرة:

وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خوخة في ظهر دار أبي بكر التي في بني جمح، ونهضا نحو الغار في جبل ثور، وأمر أَبُو بكر ابنه عَبْد اللهِ أن يتسمع ما يقول الناس، وأمر مولاه عامر بْن فهيرة أن يرعى غنمه ويريحها عليهما

ليلا، ليأخذا منها حاجتهما، ثم نهضا فدخلا الغار، وكانت أسماء بنت   أبي بكر تأتيهما بالطعام، ويأتيهما عَبْد اللهِ بْن أبي بكر بالأخبار، ثم يتلوهما عامر بْن فهيرة بالغنم فيعفي آثارهما، فلما فقدته قريش، جعلت تطلبه بقائف معروف، فقفا الأثر حتى وقف على الغار، فقال: هنا انقطع الأثر، فنظروا، فإذا بالعنكبوت قد نسج على فم الغار من ساعته، فلما رأوا نسج العنكبوت أيقنوا أن لا أحد فيه، فرجعوا، وجعلوا في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة ناقة لمن رده عليهم، وقد روي من حديث أبي الدرداء، وثوبان، أن الله عز وجل أمر حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وجعلت ترقد على بيضها، فلما نظر الكفار إليها على فم الغار ردهم ذلك عن الغار

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالا: أَنْبَأَنَا عَفَّانُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا "،

فَلَمَّا مَضَتْ لِبَقَائِهِمَا فِي الْغَارِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، أَتَاهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا، وَأَتَتْهُمَا أَسْمَاءُ بِسُفْرَتِهِمَا، وَكَانَتْ قَدْ شَقَّتْ نِطَاقَهَا فَرَبَطَتْ بِنِصْفِهِ السُّفْرَةَ، وَانْتَطَقَتِ النِّصْفَ الآخَرَ، وَمِنْ هُنَا سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، فَرَكِبَا الرَّاحِلَتَيْنِ، وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، وَحَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ نَفْسِهِ جَمِيعَ مَالِهِ، وَذَلِكَ نَحْوُ سِتَّةِ آلافِ دِرْهَمٍ، فَمَرُّوا فِي مَسِيرِهِمْ بِنَاحِيَةِ مَوْضِعِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْثُمٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَعَلِمَ أَنَّهُمُ الَّذِينَ جَعَلَتْ فِيهِمْ قُرَيْشٌ مَا جَعَلَتْ لِمَنْ أَتَى بِهِمْ، فَرَكِبَ فَرَسَهُ وَتَبِعَهُمْ لِيَرُدَّهُمْ بِزَعْمِهِ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِ، فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ فَأَتْبَعَ يَدَيْهِ دُخَانٌ، فَعَلِمَ أَنَّهَا آيَةٌ فَنَادَاهُمْ: قِفُوا عَلَيَّ وَأَنْتُمْ آمِنُونَ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِهِمْ، ثُمَّ هَمَّ بِهِ فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ: ادْعُ اللهَ لِي فَلَنْ تَرَى مِنِّي مَا تَكْرَهُ، فَدَعَا لَهُ فَاسْتَقَلَّتْ فَرَسُهُ، وَرَغِبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا، فَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَكَتَبَ لَهُ،

ثُمَّ مَرُّوا عَلَى خَيْمَةِ أُمِّ مَعْبَدٍ، فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا فِي قِصَّةِ شَاتِهَا مَا هُوَ مَنْقُولٌ مَشْهُورٌ عَنِ الثِّقَاةِ، وَنَهَضُوا قَاصِدِينَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَعْهُودَةِ، وَقَدْ وَصَفَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ مَرَاحِلَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَلَمْ أَرَ لِذِكْرِهَا وَجْهًا،

وَعَبَرُوا عَلَى عَسَفَانَ وَهُوَ وَادٍ تَعْتَسِفُهُ السُّيُولُ، وَكَانَ مَأْوَى الْجُذَمَاءِ قَدِيمًا، وَيُقَالُ: إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ حِينَ سَلَكَهُ، وَقَالَ: " إِنْ كَانَ مِنَ الْعِلَلِ شَيْءٌ بَعْدِي فَهَذِهِ الْعِلَّةُ "، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، ----------------------------------

 

وَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى الْعَرَجَ عَلَى نَحْوِ ثَمَانِينَ مِيْلا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَقَفَ بِهِمْ بَعْضُ ظَهْرِهِمْ، إِبِلِهِمْ، فَأَلْفَوْا رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ: أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ، فَحَمَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، وَبَعَثَ مَعَهُ غُلامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: مَسْعُودُ بْنُ هُنَيْدَةَ لِيَرُدَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَاحْتَمَلُوا إِلَى بَطْنِ رِئْمٍ حَتَّى نَزَلُوا بِقُبَاءَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ ضُحًى، وَقَدْ قِيلَ: عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ، وَذَلِكَ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ،

وَأَوَّلُ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدْ خَرَجُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ، وَقَلَصَتِ الظِّلالُ، وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَئِسُوا مِنْهُ فَانْصَرَفُوا، وَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَكَانَ فِي نَخْلٍ لَهُ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا بَنِي قَيْلَةَ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ، يَعْنِي حَظَّكُمْ، فَخَرَجُوا وَتَلَقَّوْهُ، وَدَخَلَ مَعَهُمُ الْمَدِينَةَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ، وَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ، وَقِيلَ: بَلْ نَزَلَ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، وَكِلاهُمَا مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ فِيمَنْ خَرَجَ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ: فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ " أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ "، وَأَقَامَ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَدَّى وَدَائِعَ كَانَتْ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَهُ بِأَدَائِهَا إِلَى أَهْلِهَا ثُمَّ يَلْحَقُ بِهِ، فَفَعَلَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، ثُمَّ لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ، فَنَزَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبَاءٍ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهَا، وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى،

ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا رَاكِبًا نَاقَتَهُ مُتَوَجِّهًا حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَصَلاهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَالِمٍ مِنْهُمُ: الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعَتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَهُمْ وَيُقِيمَ، فَقَالَ: خَلُّوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَنَهَضَ الأَنْصَارُ حَوْلَهُ حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي بَيَاضَةَ، فَتَلَقَّاهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ، فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ وَالْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَمَضَى حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي سَاعِدَةَ، فَتَلَقَّاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ وَالْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَمَضَى حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَتَلَقَّاهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَدَعَوْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ: دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَمَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُمْ أَخْوَالُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَتَلَقَّاهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ يَسِيرَةُ بْنُ أَبِي خَارِجَةَ، وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ عِنْدَهُمْ وَالْبَقَاءِ، فَقَالَ: دَعُوهَا إِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَمَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَبَرَكَتِ النَّاقَةُ فِي مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِرْبَدُ تَمْرٍ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُمَا سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ، وَكَانَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، وَكَانَ فِيهِ وَحَوَالَيْهِ نَخْلٌ، وَخِرَبٌ، وَقُبُورٌ لِلْمُشْرِكِينَ، فَبَرَكَتِ النَّاقَةُ، فَبَقِيَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى ظَهْرِهَا لَمْ يَنْزِلْ، فَقَامَتْ وَمَشَتْ قَلِيلا وَهُوَ لا يُهَيِّجُهَا، ثُمَّ الْتَفَتَتْ خَلْفَهَا، فَكَرَّتْ إِلَى مَكَانِهَا وَبَرَكَتْ فِيهِ وَاسْتَقَرَّتْ، فَنَزَلَ عَنْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ جُبَارَ بْنَ صَخْرٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ، جَعَلَ يَنْخُسُهَا مُنَافَسَةً عَلَى بَنِي النَّجَّارِ فِي نُزُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ، فَانْتَهَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ عَلَى ذَلِكَ وَأَوْعَدَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَاقَتِهِ، أَخَذَ أَبُو أَيُّوبَ رَحْلَهُ فَحَمَلَهُ إِلَى دَارِهِ، وَنَزَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ فِي بَيْتٍ مِنْهَا عِلْيَتُهُ مَسْكَنُ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ وَيُسْكِنَهُ فِيهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ أَوْ غُبَارٍ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَنَزَلَ أَبُو أَيُّوبَ وَأَقْسَمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَبْدَى الرَّغْبَةَ لَهُ لَيَطْلُعَنَّ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيَهْبِطُ أَبُو أَيُّوبَ عَنْهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِنًا عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ، وَحُجَرَهُ، وَمَنَازِلَ أَزْوَاجِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إِلَى مَا بَنَى فِي ذَلِكَ الْمِرْبَدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ: هُوَ لِغُلامَيْنِ، فَأَرَادَ شِرَاءَهُ، فَأَبَتْ بَنُو النَّجَّارِ مِنْ بَيْعِهِ، وَبَذَلُوهُ لِلَّهِ، وَعَاوَضُوا الْيَتِيمَيْنِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ إِلا بِثَمَنٍ، وَاللهُ أَعْلَم  بِنَاءُ مسجد رسول الله:

فبنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده، وجعل عضادتيه الحجارة، وَسَوَارِيَهُ جُذُوعَ النخل، وسقفه جريدها بعد أن نبش قبور المشركين وسواها، وسوى الخرب، وقطع النخل، وعمل فيه المسلمون حسبة، ومات أَبُو أمامة أسعد بْن زرارة في الأيام التي كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبني فيها مسجده وبيوته، فوجد عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجدا شديدا، وقد كان كواه من ذبحة نزلت به، وكان نقيبا في بني النجار، فلم يجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده عليهم نقيبا

مؤاخاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين:

وآخى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد بنائه المسجد بين الأنصار والمهاجرين، وقد قيل: إن المؤاخاة كانت والمسجد يبنى بين المهاجرين والأنصار على المواساة والحق، فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات حتى نزلت : {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ}

رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَوَرَّثَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى نَزَلَتْ : {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وذكر سعيد بْن داود، قَالَ: بَلَغَنَا وَكَتَبْنَا عن شيوخنا أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى يومئذ بين أبي بكر الصديق وخارجة بْن زيد بْن أبي زهير، وبين عمر بْن الخطاب وعويم بْن ساعدة،

قَالَ: ويقال: بين عمر بْن الخطاب ومعاذ بْن عفراء، قَالَ: وقيل   أيضا: بين عمر وعتبان بْن مالك، وبين عثمان بْن عفان وأوس بْن ثابت، وبين علي بْن أبي طالب وسهل بْن حنيف، وبين زيد بْن حارثة وأسيد بْن الحضير، وبين أبي مرثد الغنوي وعبادة بْن الصامت، وبين الزبير وكعب بْن مالك، وبين طلحة وأبي بْن كعب، وبين سعد بْن أبي وقاص وسعد بْن معاذ، وبين عَبْد الرحمن بْن عوف وسعد بْن الربيع، وبين عَبْد اللهِ بْن جحش وعاصم بْن ثابت، وبين أبي حذيفة بْن عتبة وعباد بْن بشر، وبين عتبة بْن غزوان وأبي دجانة، وبين مصعب بْن عمير وأبي أيوب، وبين ابن مسعود ومعاذ بْن جبل، وبين أبي سلمة بْن عَبْد الأسد وسعد بْن خيثمة، وبين عمار وحذيفة بْن اليمان، وبين أبي عبيدة ومحمد بْن مسلمة، وبين عثمان بْن مظعون وأبي الهيثم بْن التيهان، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، قَالَ الحافظ أَبُو عمر رضي الله عنه: ذكر هذا سنيد ولم يسنده إلى أحد، إلا أنه بلغه، والصحيح عند أهل السير والعلم بالآثار والخبر في المؤاخاة التي عقدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين والأنصار في حين قدومه إلى المدينة، أنه آخى بين أبي بكر الصديق وخارجة بْن زيد بْن أبي زهير، وبين عمر بْن الخطاب وعتبان بْن مالك، وبين عثمان بْن عفان وأوس بْن ثابت بْن المنذر أخي حسان بْن ثابت،

وآخى بين علي بْن أبي طالب

وبين نفسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: أنت أخي في الدنيا والآخرة

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَلِيٍّ: " أَنْتَ أَخِي وَصَاحِبِي "

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُورِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ -، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقُولُ: " وَاللهِ إِنِّي لأَخُو رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّهُ "

حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: " أَنَا عَبْدُ اللهِ، وَأَخُو رَسُولِهِ، وَلا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ

وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حُضَيْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُهَنِيُّ، يَعْنِي زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: " أَنَا عَبْدُ اللهِ، وَأَخُو رَسُولِهِ، لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلا يَقُولُهَا أَحَدٌ بَعْدِي إِلا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ " وآخى بين جعفر بْن أبي طالب وهو بأرض الحبشة ومعاذ بْن جبل، وبين عَبْد الرحمن بْن عوف وسعد بْن الربيع، وبين الزبير وسلمة بْن سلامة بْن وقش، وبين طلحة وكعب بْن مالك، وبين أبي عبيدة وسعد بْن معاذ، وبين سعد ومحمد بْن مسلمة، وبين سعيد بْن زيد وأبي بْن كعب، وبين مصعب بْن عمير وأبي أيوب، وبين عمار وحذيفة بْن اليمان حليف بني عَبْد الأشهل، وقد قيل: بين عمار وثابت بْن قيس، وبين أبي حذيفة بْن عتبة وعباد بْن بشر، وبين أبي ذر والمنذر بْن عمرو، وبين ابن مسعود وسهل بْن حنيف، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، وبين بلال وأبي رويحة الخثعمي حليف الأنصار، وبين حاطب بين أبي بلتعة وعويم بْن ساعدة، وبين عَبْد اللهِ بْن جحش وعاصم بْن ثابت، وبين عبيدة بْن الحارث وعمير بْن الحمام، وبين الطفيل بْن الحارث أخيه وسفيان بْن بشر بْن زيد من بني جشم بْن الحارث بْن الخزرج، وبين الحصين بْن الحارث أخيهما وعبد الله بْن جبير، وبين عثمان بْن

مظعون والعباس بْن عبادة، وبين عتبة بْن غزوان ومعاذ بْن ماعص، وبين صفوان بْن بيضاء ورافع بْن المعلى، وبين المقداد بْن عمرو وعبد الله بْن رواحة، وبين ذي الشمالين ويزيد بْن الحارث من بني حارثة بْن ثعلبة بْن كعب بْن الخزرج، وبين أبي سلمة بْن عَبْد الأسد وسعيد بْن خيثمة، وبين عمير بْن أبي وقاص وخبيب بْن عدي، وبين عَبْد اللهِ بْن مظعون وقطبة بْن عامر بْن حديدة، وبين شماس بْن عثمان وحنظلة بْن أبي عامر، وبين الأرقم بْن أبي الأرقم وطلحة بْن زيد -----------------------------------------

 

الأنصاري، وبين زيد بْن الخطاب ومعن بْن عدي، وبين عمرو بْن سراقة وسعيد بْن زيد من بني عَبْد الأشهل، وبين عاقل بْن البكير ومبشر بْن عَبْد المنذر، وبين عَبْد اللهِ بْن مخرمة وفروة بْن عمرو البياضي، وبين خنيس بْن حذافة والمنذر بْن مُحَمَّد بْن عقبة بْن أحيحة بْن الجلاح، وبين أبي سبرة بْن أبي رهم وعبادة بْن الخشخاش، وبين مسطح بْن أثاثة وزيد بْن المزين، وبين أبي مرثد الغنوي وعبادة بْن الصامت، وبين عكاشة بْن محصن والمجذر بْن ذياد البلوي حليف الأنصار، وبين عامر بْن فهيرة والحارث بْن الصمة، وبين مهجع مولى عمر وسراقة بْن عمرو بْن عطية من بني غنم بْن مالك بْن النجار، وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين المهاجرين بعضهم وبعض قبل الهجرة على الحق والمواساة أيضا، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بْن حارثة، وبين عثمان وعبد الرحمن بْن عوف، وبين

الزبير وعبد الله بْن مسعود، وبين عبيدة بْن الحارث وبلال، وبين مصعب بْن عمير وسعد بْن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بْن زيد وطلحة بْن عبيد الله، فلما نزل المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على ما تقدم ذكرنا له ----------------------------------

 

فرض الزكاة:

 

ثم فرضت الزكاة، وأسلم عَبْد اللهِ بْن سلام وطائفة من اليهود

 

كفار اليهود والمنافقون

وكفر جمهور اليهود، ونافق قوم من الأوس والخزرج، فأظهروا الإسلام مداراة لقومهم من الأنصار، وأبطنوا الكفر، ففضحهم الله عز وجل بالقرآن، وممن ذكر منهم من بني عمرو بْن عوف أهل قباء: الحارث بْن سويد بْن الصامت منافق، وكان أخوه خلاد بْن سويد من فضلاء الأنصار، وكان أخوهما الخلاس بْن سويد ممن اتهم بالنفاق لنزغة نزغ بها ثم لم يظهر بعد منه إلا النصح للمسلمين والخير والصلاح، ونبتل بْن الحارث، وبجاد بْن عثمان بْن عامر، وأبو حبيبة بْن الأزعر وهو أحد الذين بنوا مسجد الضرار، وعباد بْن حنيف أخو سهل بْن حنيف، وكان أخواه سهل وعثمان من فضلاء الأنصار وصالحيهم، وجارية بْن عامر بْن العطاف، وابناه زيد ومجمع، وقد قيل: إن مجمع بْن جارية لم يصح عنه النفاق، بل صح عنه الإسلام، وَحَمَلَ القرآن، وإنما ذكر منهم، لأن قومه الذين بنوا مسجد الضرار اتخذوه إماما فيه، ومن بني أمية بْن زيد: وديعة بْن ثابت وهو من أصحاب مسجد الضرار اتخذوه إماما، وبشر بْن زيد، وأخوه رافع بْن زيد، -------------------------------------

 

ومن النبيت من بني حارثة: مربع بْن قيظي، وأخوه أوس بْن قيظي، وحاطب بْن أمية بْن رافع، وكان ابنه يزيد بْن حاطب من الفضلاء، وقزمان حليف لهم قتل نفسه يوم أحد بعد أن أنكى في المشركين، ولم يكن في بني عَبْد الأشهل منافق ولا منافقة رجل ولا امرأة، إلا أن الضحاك بْن ثابت اتهم بشيء لم يصح عليه، ومن الخزرج من بني النجار: رافع بْن وديعة، وزيد بْن عمرو، وعمرو بْن قيس، ومن بني جشم بْن الخزرج: الجد بْن قيس، ومن بني عوف بْن الخزرج: عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول، كان رئيس المنافقين وكهفا لهم يأوون إليه، وكان ابنه عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ من صلحاء المسلمين وفضلائهم، ووديعة، وسويد، وداعس، ومالك، وهؤلاء من القواقل، وقيس بْن فهر ممن اتهم بالنفاق والله أعلم، وكان قوم من اليهود نافقوا بعد أن أظهروا الإيمان بالله ورسوله واستبطنوا الكفر منهم: سعد بْن حنيف، وزيد بْن اللصيت، ورافع بْن حريملة، ورفاعة بْن زيد بْن التابوت، وكنانة بْن صوريا

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

مغازي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعوثه:

 

غزوة ودان، ويقال لها: غزوة الأبواء

وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داعيا بالمدينة إلى الله، ومعلما مما علمه الله باقي شهر ربيع الأول، الشهر الذي قدم فيه المدينة، وباقي العام كله إلى صفر من سنة اثنتين من الهجرة، ثم خرج غازيا في صفر المؤرخ، واستعمل

على المدينة سعد بْن عبادة حتى بلغ ودان، فوادع بني ضمرة بْن عَبْد مناة بْن كنانة، وعقد ذلك معه سيدهم مخشي بْن عمرو، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا، وهي أول غزوة غزاها بنفسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ------------------------------------

 

باب بعث حمزة، وبعث عبيدة:

ولما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة الأبواء أقام بالمدينة بقية صفر وربيع الأول وصدرا من ربيع الآخر، وفي هذه المدة بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمه حمزة بْن عَبْد المطلب في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد إلى سيف البحر من ناحية العيص، فلقي أبا جهل في ثلاث مائة راكب من كفار أهل مكة، فحجز بينهم مجدي بْن عمرو الجهني، وتوادع الفريقان على يديه، فلم يكن بينهما قتال، وبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه المدة أيضا عبيدة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب بْن عَبْد مناف في ستين راكبا من المهاجرين أو ثمانين ليس فيهم من الأنصار أحد، فنهض حتى بلغ أحياء وهي ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة، فتلقى بها جمعا من قريش عليهم عكرمة بْن أبي جهل، وقيل: كان عليهم مكرز بْن أبي حفص، فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بْن أبي وقاص، وكان في ذلك البعث، رَمَى بسهم، فكان أول سهم رُمِيَ به في سبيل الله، وفر من الكفار يومئذ إلى المسلمين: المقداد بْن عمرو، وعقبة بْن غزوان، وكانا قديمي الإسلام إلا أنهما لم يجدا السبيل إلى

اللحاق بالنبي عليه السلام إلى يومئذ، -----------------------------------

 

واختلف أهل السير في أي البعثين كان أول، أبعث حمزة، أو بعث عبيدة؟ فقال ابن إسحاق: أول راية عقدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأول سرية بعثها عبيدة بْن الحارث، قَالَ ابن إسحاق: وبعض الناس يزعمون أن راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال المدائني: أول سرية بعثها رسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمزة بْن عَبْد المطلب في ربيع الأول من سنة اثنتين إلى سيف البحر من أرض جهينة،

 

فرض صوم رمضان

ثم فرض صوم رمضان سنة إحدى قبل صرف القبلة بعام

 

غزوة بواط:

ثم خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ربيع الآخر إلى تمام عام من مقدمه المدينة، واستعمل على المدينة السائب بْن عثمان بْن مظعون، حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا

 

غزوة العشيرة:

فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بقية ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى، ثم

خرج غازيا واستخلف على المدينة أبا سلمة بْن عَبْد الأسد، وأخذ على طريق إلى العشيرة فأقام هنالك بقية جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا

 

غزوة بدر الأولى:

ولما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العشيرة، لم يُقِمْ بالمدينة إلا عشر ليال أو نحوها حتى أغار كرز بْن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلبه

حتى بلغ واديا يقال له سفوان في ناحية بدر، وفاته كرز فرجع إلى المدينة

 

بَعْثُ سعد بْن أبي وقاص:

وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث في حين خروجه لطلب كرز بْن جابر سعد بْن أبي وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين، فبلغ إلى الخرار، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا، وقيل: إنما بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلب كرز بْن جابر الفهري -----------------------------------

 

بَعْثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جحش وسَرِيَّتِهِ:

ولما رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طلب كرز بْن جابر، وَتُعْرَفُ تلك الْخَرْجَةُ ببدر الأولى، أقام بالمدينة بقية جمادى الآخرة ورجبا، وبعث في رجب عَبْد اللهِ بْن جحش بْن رئاب، ومعه ثمانية رجال من المهاجرين وهم: أَبُو حذيفة بْن عتبة، وعكاشة بْن محصن، وعتبة بْن غزوان، وسهيل بْن بيضاء الفهري، وسعد بْن أبي وقاص، وعامر بْن ربيعة، وواقد بْن عَبْد اللهِ التميمي، وخالد بْن البكير الليثي، وكتب لعبد الله بْن جحش كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ولا يستكره أحدا من أصحابه وكان أميرهم، ففعل عَبْد اللهِ بْن جحش ما أمره به، فلما فتح الكتاب وقرأه وجد فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم، ------------------------------------

 

فلما قرأ الكتاب، قَالَ: سمعا وطاعة، ثم أخبر أصحابه بذلك، وأنه لا يستكره أحدا منهم، وأنه ناهض

لوجهه مع من طاوعه، وأنه إن لم يطعه أحد مضى وحده، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، فقالوا: كلنا نرغب فيما ترغب، وما منا أحد إلا وهو سامع مطيع لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونهض ونهضوا معه، فسلك على الحجاز، وشرد لسعد بْن أبي وقاص وعتبة بْن غزوان جمل كانا يعتقبانه، فتخلفا في طلبه، وَنَفَذَ عَبْدُ اللهِ بْن جحش مع سائرهم لوجهه حتى نزل بنخلة، فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وتجارة فيها عمرو بْن الحضرمي، واسم الحضرمي عَبْد اللهِ بْن عباد من الصدف، والصدف بطن من حضرموت، وعثمان بْن عَبْد اللهِ بْن المغيرة، وأخوه نوفل بْن عَبْد اللهِ بْن المغيرة المخزوميان، والحكم بْن كيسان مولى بني المغيرة، فتشاور المسلمون، وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فَإِنْ نحن قتلناهم هتكنا حرمة الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اتفقوا على لقائهم، فرمى واقد بْن عَبْد اللهِ التميمي عمرو بْن الحضرمي بسهم فقتله، وأسروا عثمان بْن عَبْد اللهِ، والحكم بْن كيسان، وَأَفْلَتَ نوفل بْن عَبْد اللهِ، ثم قدموا بالعير والأَسِيرَيْنِ، وقال لهم عَبْد اللهِ بْن جحش: اعزلوا مما غنمنا الخمس لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعلوا، فكان أول خمس في الإسلام، ثم نزل القرآن : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} فَأَقَرَّ الله ورسوله فِعْلَ عَبْد اللهِ بْن جحش في ذلك ورضيه وسنه للأمة إلى

يوم القيامة، وهي أول غنيمة غنمت في الإسلام، وأول أسيرين، وعمرو بْن الحضرمي أول قتيل، وأنكر رسول الله قتل عمرو بْن الحضرمي في الشهر الحرام، فَسُقِطَ في أيدي القوم، فأنزل الله عز وجل : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ الله   ِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفداء في الأسيرين، فأما عثمان بْن عَبْد اللهِ فمات بمكة كافرا، وأما الحكم بْن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استشهد ببئر معونة، ورجع سعد وعتبة إلى المدينة سَالِمَيْنِ

 

صرف القبلة:

وصرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة في السنة الثانية على رأس ستة عشر شهرا، وقيل: سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وذلك قبل بدر بشهرين، وقد ذكرنا الاختلاف في الصلاة بمكة قبل الهجرة، هل كانت إلى الكعبة أو إلى بيت المقدس؟ والروايات بالوجهين في كتاب التمهيد في كتاب الاستذكار، وَرُوِيَ أن أول من صلى إلى الكعبة حين صرفت القبلة عن بيت المقدس أَبُو سعيد بْن المعلى، وذلك أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب بتحويل القبلة، فقام فصلى ركعتين إلى الكعبة

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

غزوة بدر الثانية:

وهي أعظم المشاهد فضلا لمن شهدها، فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بعد بعث عَبْد اللهِ بْن جحش باقي رجب وشعبان، ثم اتصل به في رمضان أن عيرا لقريش عظيمةً، فيها أموال لهم كثيرة، مقبلة من الشام إلى مكة معها ثلاثون أو أربعون رجلا، رئيسهم أَبُو سفيان بْن حرب، وفيهم عمرو بْن العاص، ومخرمة بْن نوفل الزهري، فندب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين إلى تلك العير، وأمر من كان ظهره حاضرا بالخروج، ولم يحتفل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحشد، لأنه أراد العير، ولم يعلم أنه يلقى حربا، فاتصل بأبي سفيان أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خرج في طلبهم، فاستأجر ضمضم بْن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة مستصرخا لهم إلى نصر عيرهم، فنهض إلى مكة وهتف بها واستنفر، فخرج أكثر أهل مكة في ذلك النفير، ولم يتخلف من أشرافهم إلا أقلهم، وكان فيمن تخلف من أشرافهم أَبُو لهب، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة لثمان خلون من رمضان، واستعمل على المدينة عمرو بْن أم مكتوم العامري ليصلي بالمسلمين، ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة، ودفع اللواء إلى مصعب بْن عمير، ودفع الراية الواحدة إلى علي، والثانية إلى رجل من الأنصار، وكانتا سوداوين، وكانت راية الأنصار يومئذ مع سعد بْن معاذ،

وكان مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ سبعون بعيرا يعتقبونها، فكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ، وعلي، ومرثد بْن أبي مرثد يعتقبون بعيرا، وكان حمزة، وزيد بْن حارثة، وأبو كبشة، وأنسة موالي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتقبون بعيرا، وكان أَبُو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بْن عوف يعتقبون بعيرا، وجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الساقة قيس بْن أبي صعصعة من بني النجار، وسلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طريق العقيق إلى ذي الحليفة، إلى ذات الجيش، إلى فج الروحاء، إلى مضيق الصفراء، فلما قرب من الصفراء، بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبس بْن عمرو الجهني حليف بني ساعدة، وعدي بْن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتجسسان أخبار أبي سفيان وعيره، واستخبر النبي عليه السلام عن جبلي الصفراء، هل لهما اسم يعرفان به؟ فَأُخْبِرَ عنهما، وعن سكانهما بأسماء كرهها: بنو النار، وبنو حراق بطنان من غفار فتركهما على يساره وأخذ على يمينه، فلما خرج من ذلك الوادي، وأتاه الخبر بخروج نفير قريش لنصر العير، فأخبر أصحابه بذلك واستشارهم فيما يعملون، فتكلم كثير من المهاجرين، فتمادى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مشورته، وهو يريد ما تقول الأنصار، فبدر سعد بْن معاذ وقال: يا رسول الله، والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، فَسِرْ بنا يا رسول الله على بركة الله حيث شئت، فَسَرَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ وقال: سيروا وأبشروا، فإن الله عز وجل قد

وعدني إحدى الطائفتين، ----------------------------------

 

وسار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نزل قريبا من بدر، وركب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع رجال من أصحابه مستخبرا، ثم انصرف، فلما أمسى بعث عليا، والزبير، وسعد بْن أبي وقاص في نفر إلى بدر يلتمسون الخبر، فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج السهميين، وأبو يسار عريض غلام بني سعيد بْن العاص بْن أمية، فَأَتَوْا بهما، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم يصلي، فسألوهما: من أنتما؟ فقالا: نحن سقاة قريش، فكره أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الخبر، وكانوا يرجون أن يكونا من العير لما في العير من الغنيمة وقلة المئونة، ولأن شوكة قريش شديدة، فجعلوا يضربونهما، فإذا آلمهما الضرب قالا: نحن من عير أبي سفيان، فسلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته، وقال: إذا صَدَقَاكُمْ ضربتموهما، وإذا كَذَبَاكُمْ تركتموهما؟ ثم قَالَ لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أخبراني أين قريش؟ "، قالا: هم وراء هذا الكثيب، فسألهما: " كم ينحرون كل يوم من الإبل؟ "، قالا: عشرا من الإبل يوما وتسعا يوما، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القوم ما بين التسع مائة إلى الألف "، وكان بسبس بْن عمرو، وعدي بْن أبي الزغباء اللذان بعثهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخبرين قد وصلا إلى ماء بدر، فأناخا بقرب الماء ثم

استقيا في شنهما، ومجدي بْن عمرو بقربهما لم يفطنا به، فسمع بسبس وعدي جاريتين من جواري الحي وإحداهما تقول للأخرى: أعطيني دَيْنِي، فقالت الأخرى: إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك، فصدقهما مجدي، وكان عينا لأبي سفيان، ورجع بسبس وعدي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبراه بما سمعا، ولما قرب أَبُو سفيان من بدر، تقدم وحده حتى أتى ماء بدر، فقال لمجدي: هل أحسست أحدا؟ فقال: لا، إلا راكبين أناخا إلى هذا التل واستقيا الماء ونهضا، فأتى أَبُو سفيان مناخهما، فأخذ من أبعار بَعِيرَيْهِمَا فَفَتَّهُ، فإذا فيه النَّوَى، فقال: هذه والله علائف يثرب، فرجع ------------------------------------

 

سريعا حذرا فصرف العير عن طريقها، وأخذ طريق الساحل فنجا، وأوحى إلى قريش يخبرهم بأنه قد نجا هو والعير فارجعوا، فأبى أَبُو جهل، وقال: والله لا نرجع حتى نرى ماء بدر ونقيم عليه ثلاثا فتهابنا العرب أبدا، ورجع الأخنس بْن شريق الثقفي حليف بني زهرة بجميع بني زهرة، فلم يشهد بدرا أحد منهم، وكان الأخنس مطاعا فيهم، فقال لهم: إنما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت، وكان قد نفر من جميع بطون قريش جماعة إلا عدي بْن كعب فلم يكن نفر منهم أحد، فلم يحضر بدرا من المشركين عدوي ولا زهري، فسبق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا إلى ماء بدر، ومنع قريشا من السبق إليه مَطَرٌ أنزله الله عليهم عظيم، ولم يصب منه المسلمين

إلا ما شد لهم دهس الوادي، وأعانهم على السير، فنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة، فأشار عليه الحباب بْن المنذر بْن عمرو بْن الجموح بغير ذلك، وقال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرأيت هذا المنزل؟ أَمَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ الله فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال عليه السلام: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله إن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ونغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون، فاستحسن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك من رأيه وفعله، وَبُنِيَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريش يكون فيه، ومشى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مواضع الوقعة يعرض على أصحابه مصارع رءوس الكفار من قريش مصرعا مصرعا، يقول: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فما عَدَا واحد منهم مَصْرَعَهُ ذلك الذي حَدَّهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نزلت قريش فيما يليهم بعثوا عمير بْن وهب الجمحي فحزر لهم -----------------------------------

 

أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا، منهم فارسان: المقداد والزبير، ثم انصرف، وأراد حكيم بْن حزام وعتبة بْن ربيعة قريشا على الرجوع وترك الحرب، وراما بهم كل مرام، فأبوا، وكان أَبُو جهل هو الذي أبى ذلك، وساعدوه على

رأيه، وبدأت الحرب، فخرج عتبة بْن ربيعة، وشيبة بْن ربيعة، والوليد بْن عتبة يطلبون البراز، فخرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء، وعبد الله بْن رواحة الأنصاري، فقالوا: لستم لنا بأكفاء، وأبوا إلا قومهم، فخرج إليهم حمزة بْن عَبْد المطلب، وعبيدة بْن الحارث، وعلي بن أبي طالب، فقتل الله عتبة، وشيبة، والوليد، وَسَلِمَ حمزة، وعبيدة، وعلي، إلا أن عبيدة ضربه عتبة فقطع رجله، وَارْتُثَّ منها فمات بالصفراء، وَعَدَّلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصفوف، ورجع إلى العريش ومعه أَبُو بكر، وسائر أصحابه بارزون للقتال إلا سعد ابن معاذ في قوم من الأنصار، فإنهم كانوا وقوفا على باب العريش يحمون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أول قتيل قتل من المسلمين مهجع مولى عمر بْن الخطاب، أصابه سهم فقتله، وسمع عمير بْن الحمام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحث على القتال، ويرغب في الجهاد، وَيُشَوِّقُ إلى الجنة، وفي يده تمرات يأكلهن، فقال: بخ بخ، أما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ ثم رمى بالتمرات وقاتل حتى قتل، ثم منح الله عز وجل المسلمين النصر، وهزم المشركين، وانقطع يومئذ سيف عكاشة بْن محصن، فأعطاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جذلا من حطب، وقال له: دونك هذا، فصار في يده سيفا لم يكد الناس يرون مثله، أبيض كالملح، فلم يزل عنده يقاتل به حتى

قتل في الردة رضي الله عنه، وكانت وقعة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، ------------------------------------

 

ثم أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلى المشركين فسحبوا إلى القليب ورموا فيه، وضم عليهم التراب، ثم وقف عليهم فناداهم: " هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا؟ " فقيل له: يا رسول الله، تنادي أقواما أمواتا قد جَيَّفُوا؟ فقال: " ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون "، ومن هذا المعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الميت إذا دفن وانصرف الناس عنه: " إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين "، وجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأنفال عَبْد اللهِ بْن كعب بْن عمرو الأنصاري، ثم انصرف، فلما نزل الصفراء قسم بها الغنائم كما أمر الله عز وجل، وضرب بها عنق النضر بْن الحارث بْن علقمة بْن كلدة العبدري، وهو الذي جاءت ابنته قتيلة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنشدته: يا راكبا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق أبلغ به ميتا بأن تحية ما إن تزال بها النجائب تخفق مني إليه وعبرة مسفوحة جادت بواكفها وأخرى تخنق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحام هناك تشقق أمحمد يا خير ضنء كريمة من قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما مَنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق والنضر أقرب من قتلت قرابة وأحقهم إن كان عتق يعتق فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا

إِنِّي لَوْ سَمِعْتُ هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمْ أَقْتُلْهُ " ----------------------------------

 

وهذا ليس معناه الندم، لأنه عليه السلام لا يقول ولا يفعل إلا حقا، لكن معناه لو شفعت عندي بهذا القول لقبلت شفاعتها، وفيه تنبيه على حق الشفاعة والضراعة، ولا سيما الاستعطاف بالشعر، فإن مكارم الأخلاق تقتضي إجازة الشاعر وتبليغه قصده، والله أعلم، ثم لما نزل عرق الظبية ضرب عنق عقبة بْن أبي معيط، قَالَ أَبُو عمر: روى عن عبادة بْن الصامت، قَالَ: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر فَلَقُوا العدو، فلما هزمهم الله، اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستلوت طائفة على العسكر والنهب، فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم، قالوا: لنا النفل، نحن طلبنا العدو، وبنا نفاهم الله وهزمهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أنتم أحق به منا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لئلا ينال العدو منه غرة، وقال الذين استلووا على العسكر والنهب: ما أنتم أحق به منا، هو لنا، نحن حويناه واستلوينا عليه، فأنزل الله عز وجل : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، فقسمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فواق بينهم، قَالَ أَبُو عمر: قَالَ أهل العلم بلسان العرب: استلووا: أطافوا وأحاطوا، يقال

: الموت مستلو على العباد، وقوله: فقسمه عن فواق يعني عن سرعة، قالوا: والفواق: ما بين حلبتي الناقة، يقال: انتظره فواق ناقة أَيْ هذا المقدار، ويقولونها بالفتح والضم فَوَاق فُوَاق، وكان هذا قبل أن ينزل {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية، وكان المعنى عند العلماء: أي إلى الله وإلى الرسول الحكم فيها والعمل بها بما يقرب من الله،

وذكر مُحَمَّد بْن إسحاق قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَبِي الأَشْدَقِ، عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الأَنْفَالِ، فَقَالَ: " فِينَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللهُ مِنْ أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ إِلَى الرَّسُولِ، فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَوَاءٍ، يَقُولُ: عَلَى السَّوَاءِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللهِ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، وَإِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْن  

 --------

تسمية من استشهد ببدر من المسلمين

فائدة هذه التسمية معرفة الحق لأهل الحق، وفضيلة السبق لأهل السبق، وحسن العهد، وتجديد الذكر، والمسارعة إلى الدعاء لهم بالرضوان والغفران على اليقين: عبيدة بْن الحارث بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وعمير بْن أبي وقاص، وكانت سنه فيما ذكروا يوم قتل ستة عشر أو سبعة عشر عاما، وعمير بْن الحمام من بني سلمة من الأنصار، وسعد بْن خيثمة بْن بني عمرو بْن عوف من الأوس، وذو الشمالين بْن عَبْد عمرو بْن نضرة الخزاعي حليف بني زهرة، وهو غير ذي اليدين، ذاك سلمي اسمه خرباق، وهو صاحب حديث السهو، ووهم فيه الزهري على جلالة قدره، لأنه بنى على أنه لقب واحد، واعتمد أَبُو العباس المبرد ذلك من كلام ابن شهاب فغلط، ويحقق ذلك أن ذا اليدين روى حديثه أَبُو هريرة، وكان إسلام أبي هريرة بعد قتل ذي الشمالين بسنين عدة، ومبشر بْن عَبْد المنذر الأنصاري من بني عمرو بْن عوف، وعاقل بْن البكير الليثي حليف بني عدي بْن كعب، ومهجع مولى عمر بْن الخطاب رضي الله عنه، وصفوان بْن بيضاء الفهري، ويزيد بْن الحارث الأنصاري من بني الحارث بْن الخزرج، ورافع بْن المعلى الأنصاري، وحارثة بْن سراقة الأنصاري من بني النجار، وعوف ومعوذ ابنا عفراء، الجميع أربعة عشر رجلا، ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، ستة من الأوس، واثنان من الخزرج ------------------------------------

 

تسمية من قتل ببدر من كفار قريش

وهم سبعون رجلا منهم حنظلة بْن أبي سفيان بْن صخر بْن حرب قتله زيد بْن حارثة، وعبيدة بْن سعيد بْن العاص قتله الزبير، وأخوه العاص بْن سعد بْن العاص قتله علي، وعتبة بْن ربيعة قتله علي، وشيبة بْن ربيعة قتله حمزة، والوليد بْن عتبة بْن ربيعة قتله عبيدة بْن الحارث، وقيل: قتله علي، وقيل: اشترك علي وحمزة في قتل عتبة، والوليد، وشيبة، وعقبة بْن أبي معيط قتله عاصم بْن ثابت صبرا، وقيل: بل قتله علي صبرا بأمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بذلك، والحارث بْن عامر بْن نوفل بْن عَبْد مناف قتله علي، وطعيمة بْن عدي بْن نوفل قتله حمزة، وقيل: بل قتل صبرا، والأول أصح، وزمعة بْن الأسود بْن المطلب بْن أسد، وابنه الحارث بْن زمعة، وأخوه عقيل بْن الأسود، وأبو البختري العاص بْن هشام بْن الحارث بْن أسد، ونوفل بْن خويلد بْن أسد قتله علي، وقيل: قتله الزبير، والنضر بْن الحارث قتل صبرا بالصفراء، وعمير بْن عثمان عم طلحة بْن عبيد الله بْن عثمان، وأبو جهل بْن هشام اشترك في قتله معاذ بْن عمرو بْن الجموح ومعوذ بْن عفراء، وأجهز عليه عَبْد اللهِ بْن مسعود وجده وبه رمق فحز رأسه، وأخوه العاص بْن هشام قتله عمر بْن الخطاب وهو خاله، ومسعود بْن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة، وأبو قيس بْن الوليد بْن المغيرة أخو خالد بْن

الوليد، وقيس بْن الفاكه بْن المغيرة، والسائب بْن السائب بْن أبي السائب المخزومي، وقد قيل: لم يُقْتَلِ السائب يومئذ بل أسلم بعد ذلك،

ومنبه ونبيه ابنا الحجاج بْن عامر السهمي، والعاصي والحارث ابنا منبه بْن الحجاج، وأمية بْن خلف الجمحي، وابنه علي بْن أمية، وسائر السبعين قد ذكرهم ابن إسحاق وغيره

 

تسمية من أسر ببدر من كفار قريش

وأسر مالك بْن عبيد الله أخو طلحة فمات أسيرا، وأسر حذيفة بْن أبي حذيفة بْن المغيرة، وأسر من بني مخزوم وحلفائهم يوم بدر أربعة وعشرون رجلا، ومن بني عَبْد شمس وحلفائهم اثنا عشر رجلا، منهم عمرو بْن أبي سفيان بْن صخر بْن حرب، والحارث بْن أبي وجزة بْن أبي عمرو بْن أمية، وأبو العاص بْن الربيع بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس صهر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوج ابنته زينب، وأسر من بني هاشم يومئذ العباس بْن عَبْد المطلب، وعقيل بْن أبي طالب، ونوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، ومن بني المطلب بْن عَبْد مناف السائب بْن عبيد بْن عَبْد يزيد، والنعمان بْن عمرو، وأسر من سائر قريش عدي بْن الخيار بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف، وأبو عزيز بْن عمير بْن هاشم أخو مصعب بْن عمير، والسائب بْن أبي حبيش بْن المطلب بْن أسد، والحارث بْن عامر بْن عثمان بْن أسد، وخالد بْن هشام بْن المغيرة المخزومي، وصيفي بْن أبي رفاعة المخزومي، وأخوه أَبُو المنذر بْن أبي رفاعة، والمطلب بْن حنطب المخزومي. ومن ولده الحكم بن المطلب بن عبد الله بن عبد المطلب وكان جوادا جدا، وتزهد في آخر عمره ومات بمنبح، وكان من خيار المسلمين، وفيه قال الشاعر يرثيه

سالوا عن الجود والمعروف ما فعلا ... فقلت إنهما ماتا مع الحكم

وأسر خالد بْن الأعلم الخزاعي، وقيل: إنه عقيلي حليف لهم، وهو القائل:

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدِّمَا

وهو أول من فر يوم بدر، فَأُدْرِكَ وَأُسِرَ، وعثمان بْن عَبْد شمس بْن جابر المازني حليف لهم، وهو ابن عم عتبة بْن غزوان، وأمية بْن أبي حذيفة بْن

المغيرة، وأبو قيس بْن الوليد أخو خالد بْن الوليد، وعثمان بْن عَبْد اللهِ بْن المغيرة، وأبو عطاء عَبْد اللهِ بْن أبي السائب بْن عابد المخزومي، وأبو وداعة بْن صبيرة السهمي، وهو أول أسير فُدِيَ منهم، وعبد الله بْن أبي بْن خلف الجمحي، وأخوه عمرو بْن أُبَيٍّ، وأبو عزة عمرو بْن عَبْد اللهِ بْن عثمان بْن أهيب بْن حذافة بْن جمح الجمحي، وسهيل بْن عمرو العامري، وعَبْد بْن زمعة بْن قيس العامري، وعبد الله بْن حميد بْن زهير الأسدي، فهؤلاء مشاهير من قُتِلَ، ومشاهير من أُسِرَ، ولا يختلفون في أن القتلى يومئذ سبعون، والأسرى سبعون في الجملة، وقد يختلفون في تفصيل ذلك

قَالَ أَبُو عمر: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل عقبة بْن أبي معيط صبرا

كما رواه حماد بْن سلمة، عن عطاء بْن السائب، عن عامر الشعبي، قَالَ: لما أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل عقبة بْن أبي معيط عدو الله، قَالَ: أتقتلني يا مُحَمَّد من بين سائر قريش؟ قَالَ: " نعم، ثم أقبل على أصحابه، فقال: أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام، فوضع رجله على عنقي وجعل يغمزها، فما رفعها ظننت أن عيني تندران، أو قَالَ: تسقطان، ثم مرة أخرى جاء بسلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد خلف المقام، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي

 

تسمية من شهد بدرا من المهاجرين من بني هاشم بْن عَبْد مناف

رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحمزة، وعلي، ومن مواليهم: زيد بْن حارثة الكلبي، وأنسة حبشي، أَبُو كبشة فارسي، ومن حلفائهم: أَبُو مرثد الغنوي حليف حمزة، وابنه مرثد بْن أبي مرثد، ثمانية رجال، ثلاثة من أنفسهم، وثلاثة من مواليهم، واثنان من حلفائهم، ومن بني المطلب بْن عَبْد مناف: عبيدة بْن الحارث، وأخواه الطفيل والحصين ابنا الحارث بْن المطلب، ومسطح بْن أثاثة، أربعة رجال، ومن بني عَبْد شمس بْن عَبْد مناف: عثمان بْن عفان يعد فيهم لأنه تخلف على رقية ابنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمره، فضرب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه، قَالَ له: وَأَجْرِي يا رسول الله، قَالَ: وأجرك، وأبو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة، قيل: اسمه عامر،

وقيل: اسمه قيس، وقيل: مهشم، وسالم مولاه، وكان يُدْعَى يومئذ ابنه، ومن مواليهم: صبيح مولى سعيد بْن العاص بْن أمية، وقيل: إن صبيحا تجهز للخروج إلى بدر فمرض، فحمل على بعيره أبا سلمة بْن عَبْد الأسد، ثم شهد صبيح بعد ذلك سائر المشاهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن حلفائهم: عَبْد اللهِ بْن جحش الأسدي، وعكاشة بْن محصن الأسدي، وأخواه سنان بْن محصن وأبو سنان بْن محصن، وابنه سنان بْن أبي سنان، وشجاع بْن وهب الأسدي،

وأخوه عقبة بْن وهب، ويزيد بْن رقيش بْن رئاب الأسدي، ومحرز بْن نضلة الأسدي، وربيعة بْن أكثم بْن سخبرة الأسدي، ومن حلفاء بني أسد بْن خزيمة: ثقف بْن عمرو، ومدلج، وقيل: مدلاج بْن عمرو، وأخوهما مالك بْن عمرو من بني سليم، وأبو مخشي سويد بْن مخشي الطائي، ثمانية عشر أو سبعة عشر رجلا، اثنان من أنفسهم، واثنان من مواليهم، وعشرة من حلفائهم من بني أسد بْن خزيمة، ومن حلفاء بني أسد بْن خزيمة أربعة، ومن بني نوفل بْن عَبْد مناف، شهدها من حلفائهم، ولم يشهدها من أنفسهم أحد، عتبة بْن غزوان بْن جابر بْن وهب المازني، وخباب مولى عتبة بْن غزوان، وليس بخباب بْن الأرت، رجلان، ومن بني أسد بْن عَبْد العزى بْن قصي: الزبير بْن العوام، وحاطب بْن أبي بلتعة حليف لهم، وسعد مولى حاطب، ثلاثة رجال، اثنان منهم حليفان، ومن بني عَبْد الدار بْن قصي: مصعب بْن عمير، وسويبط بْن سعد بْن حرملة، رجلان من أنفسهم،

ومن بني زهرة بْن كلاب: عَبْد الرحمن بْن عوف، وسعد بْن أبي وقاص، وأخوه عمير بْن أبي وقاص، ثلاثة رجال، ومن حلفائهم: المقداد بْن عمرو البهرائي، يعرف بالمقداد بْن الأسود، لأن الأسود بْن عَبْد يغوث الزهري كان قد تبناه قبل الإسلام، وعبد الله بْن مسعود الهذلي حليف لهم، ومسعود بْن ربيعة بْن عمرو القاري من ولد الهون بْن خزيمة

بْن مدركة، وهم القارة حلفاء بني زهرة، وذو الشمالين عمير بْن عَبْد عمرو بْن نضلة الخزاعي حليف لهم، وخباب بْن الأرت حليف لهم، يقال: إنه خزاعي، ويقال: إنه تميمي، وقد ذكرنا الاختلاف في نسبه وولائه وحلفه في باب اسمه من كتاب الصحابة، خمسة رجال تتمة ثمانية، ومن بني تيم بْن مرة: أَبُو بكر الصديق، وبلال بْن رباح مولاه، وعامر بْن فهيرة مولاه، وكان من مُوَلَّدِي الأزد، وصهيب بْن سنان النمري حليف عَبْد اللهِ بْن جدعان التيمي، وطلحة بْن عبيد الله بْن عثمان كان بالشام في تجارة، فضرب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره، فيعد لذلك في أهل بدر خمسة رجال، اثنان من أنفسهم، واثنان من مواليهم، وواحد حليف لهم، ومن بني مخزوم بْن يقظة: أَبُو سلمة بْن عَبْد الأسد واسمه عَبْد اللهِ، وشماس بْن عثمان بْن الشريد واسمه عثمان بْن عثمان، والأرقم بْن أبي الأرقم واسم أبي الأرقم عَبْد مناف، وعمار بْن ياسر العنسي مولى لهم، ومعتب بْن عوف السلولي ثم الخزاعي حليف لهم، خمسة رجال، ثلاثة من أنفسهم، وواحد مولى لهم، وواحد من حلفائهم، ومن بني عدي بْن كعب: عمر بْن الخطاب بْن نفيل، وأخوه زيد بْن الخطاب، وعمرو بْن سراقة بْن المعتمر، وأخوه عَبْد اللهِ بْن سراقة، وسعيد بْن زيد بْن عمرو بْن نفيل كان غائبا بالشام، فضرب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره

، فهو معدود في البدريين، ومهجع مولى عمر بْن الخطاب، ومن حلفائهم واقد بْن عَبْد اللهِ اليربوعي التميمي، وخولي، ومالك

ابنا أبي خولي من بني عجل بْن لجيم، وعامر بْن ربيعة العنزي، وعامر، وعاقل، وخالد، وإياس بنو البكير بْن عَبْد يا ليل الليثيون، من بني سعد بْن ليث، أربعة عشر رجلا، خمسة من أنفسهم، وواحد من مواليهم، وثمانية من حلفائهم، ومن بني جمح: عثمان، وقدامة، وعبد الله بنو مظعون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح، والسائب بْن عثمان بْن مظعون، ومعمر بْن الحارث بْن معمر بْن حبيب، خمسة رجال، ومن بني سهم بْن هصيص: خنيس بْن حذافة رجل واحد، ومن بني عامر بْن لؤي: أَبُو سبرة بْن أبي رهم بْن عَبْد العزى، وعبد الله بْن مخرمة بْن عَبْد العزى، وعبد الله بْن سهيل بْن عمرو خرج مع المشركين، فلما التقى الجمعان فر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهب بْن سعد بْن أبي سرح، وحاطب بْن عمرو، وعمير بْن عوف، وسعد بْن خولة حليف لهم من اليمن، سبعة رجال، خمسة من أنفسهم، ومولى لهم، وحليف، ومن بني الحارث بْن فهر: أَبُو عبيدة بْن الجراح واسمه عامر بْن عَبْد اللهِ بْن الجراح، وعمرو بْن الحارث بْن زهير، وسهيل بْن وهب بْن ربيعة، وأخواه صفوان بْن وهب وهما ابنا بيضاء، وعمرو بْن أبي سرح بْن ربيعة،

وعياض بْن زهير، ستة رجال كلهم من أنفسهم،

فجميع من شهد بدرا من المهاجرين ستة وثمانون رجلا، كلهم شهدها بنفسه إلا ثلاثة رجال وهم: عثمان، وطلحة، وسعيد بْن زيد، ضرب لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهامهم وأجورهم، فهم كمن شهدها إن شاء الله، ومنهم من صليبة قريش أحد وأربعون رجلا، وسائرهم حلفاء لهم وموال، وجميعهم مهاجري بدر رحمهم الله ورضي عنهم

 

تسمية من شهد بدرا من الأنصار

ذكر من شهد بدرا من الأوس

شهدها من الأوس: حارثة بْن ثعلبة بْن عمرو بْن عامر، ثم من بني عَبْد الأشهل: سعد بْن معاذ الأشهلي، وأخوه عمرو بْن معاذ، وابن أخيه الحارث بْن أوس بْن معاذ، ومن بني عَبْد الأشهل أيضا: الحارث بْن أنس بْن رافع، وسعد بْن زيد بْن مالك بْن عبيد، وسلمة بْن سلامة بْن وقش، وعباد بْن بشر بْن وقش، وسلمة بْن ثابت بْن وقش، ورافع بْن يزيد بْن كرز من بني زعورا بْن عَبْد الأشهل، ومن حلفائهم: الحارث بن خزمة بْن عدي،

خرج عن قومه وحالف بني زعورا بْن عَبْد الأشهل، ومحمد بْن سلمة من بني الحارث بْن الخزرج، خرج عن قومه وحالف بني زعورا، وسلمة بْن أسلم بْن حريش، خرج أيضا عن قومه بني الحارث بْن الخزرج وحالف بني زعورا، وأبو الهيثم بْن التيهان، وأخوه عبيد، ويقال: عتيك بْن التيهان، وعبد الله بْن سهل، ويقال: إنه من نفس بني زعورا خمسة عشر رجلا، ومن بني ظفر واسمه كعب بْن الخزرج بْن عمرو بْن مالك بْن الأوس: قتادة بْن النعمان، وعبيد بْن أوس ويعرف بمقرن، لأنه أسر أربعة من المشركين فقرنهم وساقهم، ونصر بْن الحارث بْن عبيد، ومعتب بْن عبيد، ومن حلفائهم: عَبْد اللهِ بْن طارق البلوي، خمسة رجال، ومن بني حارثة بْن الحارث بْن الخزرج بْن عمرو بْن مالك بْن الأوس: مسعود بْن سعد بْن عامر، وأبو

عبس بْن جبر بْن عمرو، ومن حلفائهم: أَبُو بردة بْن نيار البلوي، واسمه هانئ بْن نيار بْن عمرو بْن عبيد بْن كلاب، من بلي بْن عمرو بْن الحاف بْن قضاعة ثلاثة رجال، ومن بني عوف بْن مالك بْن الأوس، ثم من بني ضبيعة بْن زيد: عاصم بْن ثابت بْن أبي الأقلح، واسم أبي الأقلح قيس بْن عصمة بْن النعمان بْن مالك بْن أمية بْن ضبيعة، ومعتب بْن قشير بْن مليل، وقد قيل: إن معتب بْن قشير من المنافقين، والله أعلم، وأبو مليل

بن الأزعر بْن زيد بْن العطاف بْن ضبيعة، وعمير بْن معبد بْن الأزعر، وسهل بْن حنيف بْن واهب، خمسة رجال، ومن بني أمية بْن زيد بْن مالك بْن عوف: أَبُو لبابة بشير، وأخوه مبشر، وأخوهما رفاعة بنو عَبْد المنذر بْن زنبر بْن أمية بْن زيد، وسعد بْن عبيد بْن النعمان، وعويم بْن ساعدة بْن عائش بْن قيس بْن النعمان بْن زيد بْن أمية بْن زيد، ورافع بْن عنجدة وهي أمه، وعبيد بْن أبي عبيد، وثعلب بْن حاطب، وقد قيل: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد أبا لبابة، والحارث بْن حاطب إلى المدينة، وَأَمَّرَ أبا لبابة عليها، وضرب لهما بسهميهما وأجرهما تسعة رجال، وقيل: إن ثعلبة بْن حاطب هو الذي نزلت فيه : {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} الآيات، إذ منع الزكاة والله أعلم، وما جاء فيمن

شهد بدرا يعارضه قوله تعالى : {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ} الآية، ولعل قول من قَالَ في ثعلبة إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح والله أعلم، ومن بني عبيد بْن زيد بْن مالك بْن عوف: أنيس بْن قتادة بْن ربيعة بْن خالد بْن الحارث بْن عبيد، ومن حلفائهم من بلي: معن بْن عدي بْن الجد بْن عجلان بْن ضبيعة، وثابت بْن أقرم بْن ثعلبة، وعبد الله بْن سلمة بْن مالك، وزيد بْن أسلم بْن ثعلبة، وربعي بْن رافع بْن زيد، وخرج عاصم بْن عدي بْن الجد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرده وضرب له بسهمه وأجره سبعة رجال،

ومن بني معاوية بْن مالك بْن عوف بْن عمرو بْن عوف: جبر بْن عتيك بْن الحارث، ومالك بْن نميلة المزني حليف لهم، والنعمان بْن عصر البلوي حليف لهم، ثلاثة رجال، ومن بني ثعلبة بْن عمرو بْن عوف: عَبْد اللهِ بْن جبير بْن النعمان، وأخوه خوات بْن جبير بْن النعمان رده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وضرب له بسهمه وأجره، وعاصم بْن قيس بْن ثابت بْن النعمان، وأخوه أَبُو ضياح بْن ثابت بْن النعمان، وأخوه أَبُو حية بْن ثابت بْن النعمان، وسالم بْن عمير بْن ثابت بْن النعمان، والحارث بْن النعمان بْن أمية بْن البرك، واسم البرك امرؤ القيس بْن ثعلبة بْن عمرو بْن عوف، سبعة رجال، ومن بني

جحجبي بْن كلفة بْن عوف بْن عمرو بْن مالك بْن الأوس: منذر بْن مُحَمَّد بْن عقبة بْن أحيحة بْن الجلاح بْن الحريش بْن جحجبي، ومن حلفائهم: أَبُو عقيل بْن عَبْد اللهِ بْن ثعلبة البلوي، رجلان، ومن بني غنم بْن السلم بْن امرئ القيس بْن مالك بْن الأوس: سعد بْن خيثمة بْن الحارث، ومولاه تميم، والحارث بْن عرفجة، ومنذر بْن قدامة بْن عرفجة، ومالك بْن قدامة بْن عرفجة، خمسة رجال، وجميعهم واحد وستون رجلا على حسب ما ذكرنا ممن شهدها بنفسه، ومن أُسْهِمَ له فيها بسهم

ذكر من شهد بدرا من الخزرج

وشهد بدرا من الخزرج بْن حارثة ثم من بني كعب بْن الخزرج بْن الحارث بْن الخزرج: خارجة بْن زيد بْن أبي زهير بْن مالك بْن امرئ القيس بْن مالك بْن ثعلبة بْن كعب بْن الخزرج، وسعد بْن الربيع بْن عمرو بْن أبي زهير، وعبد الله بْن رواحة بْن ثعلبة بْن امرئ القيس بْن عمرو بْن امرئ القيس بْن مالك، وخلاد بْن سويد بْن ثعلبة، وبشير بْن سعد بْن ثعلبة، وأخوه سماك بْن سعد، وسبيع بْن قيس بْن عبسة، ويقال: عيشة، وأخوه عباد بْن قيس، وعبد الله بْن عبس، ويزيد بْن الحارث بْن قيس، يقال له: ابن فسحم، عشرة رجال، ومن بني جشم وزيد ابني الحارث بْن الخزرج وهما التوءمان: خبيب بْن إساف بْن عتبة، وعبد الله بْن زيد بْن ثعلبة صاحب الأذان، وأخوه حريث بْن زيد، وسفيان بْن نسر بْن عمرو، أربعة رجال، ومن بني جدارة بْن عوف بْن الحارث بْن الخزرج: تميم بْن يعار بْن قيس، وعبد الله بْن عمير، وزيد بْن المزين بْن قيس، وعبد الله بْن عرفطة بْن عدي بْن أمية بْن جدارة، أربعة رجال،

ومن بني الأبجر وهو خدرة بْن عوف بْن الحارث بْن الخزرج، أخو جدارة عَبْد اللهِ بْن ربيع بْن قيس بْن عمرو بْن عباد بْن الأبجر رجل واحد، وأصل الخدرة الخمس الثاني من الليل، والخمس الأول الهزيع، والخمس الثالث اليعفور، والرابع السدفة، ذكره

كراع، ومن بني عوف بْن الخزرج ثم من بني الحبلى: عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ بْن أُبَيِّ بْن سلول، وسلول أم أبي بْن مالك بْن الحارث بْن عبيد، وأوس بْن خولى بْن عَبْد اللهِ بْن الحارث بْن عبيد، رجلان، ومن بني جزء بْن عدي بْن مالك بْن سالم: زيد بْن وديعة بْن عمرو بْن قيس بْن جزء، وعقبة بْن وهب بْن كلدة حليف لهم من بني عَبْد اللهِ بْن غطفان، رجلان، ومن بني ثعلب بْن مالك بْن سالم: رفاعة بْن عمرو بْن زيد بْن عمرو بْن ثعلبة، وعامر، ويقال: عمرو بْن سلمة بْن عامر حليف لهم من اليمن، رجلان، ومن بني المقدام بْن سالم بْن غنم: أَبُو حميضة معبد بْن عباد بْن قشير بْن المقدم بْن سالم، وعامر بْن البكير حليف لهم، ويقال: عاصم بْن العكير، رجلان، ومن بني سالم بْن عوف بْن عمرو بْن عوف بْن الخزرج، ثم من بني العجلان بْن زيد بْن غنم بْن سالم: عتبان بْن مالك بْن عمرو بْن العجلان، ونوفل بْن عَبْد اللهِ بْن نضلة بْن مالك بْن العجلان، رجلان، ومن بني أصرم بْن فهر بْن ثعلبة بْن غنم بْن سالم بْن عوف، وقد قيل: إنه غنم بْن عوف أخو سالم بْن عوف بْن الخزرج: عبادة بْن الصامت بْن قيس بْن أصرم، وأخوه أوس بْن الصامت، رجلان،

ومن بني دعد بْن فهر بْن ثعلبة بْن غنم: النعمان بْن مالك بْن

ثعلبة، وثعلبة هو قوقل، رجل واحد، ومن بني قريوش، ويقال: قريوس بْن غنم بْن أمية بْن لوذان بْن سالم بْن عوف: ثابت بْن هزال بْن ثابت بْن عمرو بْن قريوش، رجل واحد، ومن بني مرضخة، وهو عمرو بْن غنم بْن أمية بْن لوذان: مالك بْن الدخشم بْن مالك بْن الدخشم بْن مرضخة، والربيع، وورقة، وعمرو بنو إياس بْن عمرو بْن غنم بْن أمية بْن لوذان، وقد قيل: إن عمرو بْن إياس ليس بأخ لهما، وإنه حليف لهم من اليمن، ومن حلفائهم من قضاعة: المجذر بْن زياد بْن عمرو البلوي، واسم المجذر عَبْد اللهِ، وعبادة بْن الخشخاش بْن عمرو بْن زمزمة، وبحاث، ويقال: نحاب بْن ثعلبة بْن حزمة، وعبد الله بْن ثعلبة بْن حزمة، وعتبة بْن ربيعة بْن خالد البهرائي من قضاعة، وقيل: البهزي من بهز بْن سليم حليف لهم، ومن بني ساعدة بْن كعب بْن الخزرج، ثم من بني ثعلبة بْن الخزرج بْن ساعدة: أَبُو دجانة سماك بْن خرشة، ويقال: سماك بْن أوس بْن خرشة بْن لوذان بْن عَبْد ود بْن زيد بْن ثعلبة، والمنذر بْن عمرو بْن خنيس بْن حارثة بْن لوذان بْن عَبْد ود بْن زيد بْن ثعلبة، رجلان،

ومن بني عمرو بْن الخزرج بْن ساعدة: أَبُو أسيد مالك بْن ربيعة بْن البدن بْن عامر بْن عوف بْن حارثة بْن عمرو بْن الخزرج بْن ساعدة، ومالك بْن مسعود بْن البدن،

رجلان، ومن بني طريف بْن الخزرج بْن ساعدة: عَبْد ربه بْن حق بْن أوس بْن وقش بْن ثعلبة بْن طريف بْن الخزرج بْن ساعدة، ومن حلفائهم كعب بْن حمار بْن ثعلبة الجهني، وضمرة، وزياد، وبسبس بنو عمرو، وعبد الله بْن عامر من بلي، ومن بني سلمة بْن سعد بْن علي بْن أسد بْن ساردة بْن تزيد بْن جشم بْن الخزرج: خراش بْن الصمة بْن عمرو بْن الجموح بْن زيد بْن حرام بْن كعب بْن غنم بْن كعب بْن سلمة، وأبوه الصمة بْن عمرو، والحباب بْن المنذر بْن الجموح، وعمير بْن الحمام، وتميم مولى خراش بْن الصمة، وعبد الله بْن عمرو بْن حرام بْن ثعلبة بْن حرام بْن كعب، ومعاذ بْن معوذ ابنا عمرو بْن الجموح، وأخوهما خلاد بْن عمرو بْن الجموح، وعقبة بْن عامر من بني نابي بْن زيد بْن حرام، وحبيب بْن أسود مولى لهم، وعمير بْن الحارث بْن ثعلبة بْن الحارث بْن حرام،

وبشر بْن البراء بْن معرور بْن صخر بْن مالك بْن خنساء، والطفيل بْن مالك بْن خنساء، والطفيل بْن النعمان بْن خنساء، وسنان بْن صيفي بْن صخر بْن خنساء، وعبد الله بْن الجد بْن قيس بْن صخر بْن خنساء، وعتبة بْن عَبْد اللهِ بْن صخر بْن خنساء، وجبار بْن أمية بْن صخر بْن خنساء، وقد قيل: إن جبار بْن صخر بْن أمية بْن خناس، وخناس وخنساء أخوان، وخارجة بْن حمير، وأخوه عَبْد اللهِ بْن حمير

حليفان لهم من أشجع، ويزيد بْن المنذر بْن سرح بْن خناس، وأخوه معقل بْن المنذر، وعبد الله بْن النعمان بْن بلدمة، والضحاك حارثة بْن زيد بْن ثعلبة بْن عبيد بْن غنم بْن كعب بْن سلمة، وسواد بْن رزق بْن زيد بْن ثعلبة بْن عبيد بْن غنم، ومعَبْد بْن قيس بْن صخر بْن حرام بْن ربيعة بْن عدي بْن غنم، وعبد الله بْن قيس بْن صخر بْن حرام، وعبد الله بْن عَبْد مناف بْن النعمان بْن سنان بْن عبيد، وجابر بْن عَبْد اللهِ بْن رئاب بْن النعمان بْن سنان بْن عبيد، وخليدة بْن قيس بْن النعمان، والنعمان بْن يسار مولى لهم، وأبو المنذر يزيد بْن عامر بْن حديدة بْن عمرو بْن سواد بْن غنم بْن كعب بْن سلمة، وقطبة بْن عامر بْن حديدة، وسليم بْن عمرو بْن حديدة، وعنترة مولاه، ويقال: إن عنترة هذا من بني سليم، وعبس بْن عامر بْن عدي بْن نابي بْن عمرو بْن سواد بْن غنم، وثعلبة بْن عنمة بْن عدي، وأبو اليسر كعب بْن عمرو بْن عباد بْن عمرو بْن سواد بْن غنم، وسهل بْن سعد بْن قيس بْن أبي كعب بْن القين بْن كعب بْن سواد بْن غنم، وعمرو بْن طلق بْن زيد بْن أمية بْن سنان بْن كعب بْن غنم،

ومن بني أدي بْن سعد أخي سلمة بْن سعد بْن علي: معاذ بْن جبل بْن عمرو بْن أوس بْن عائذ بْن عدي بْن كعب بْن عمرو بْن أدي بْن سعد

، أخي سلمة بْن سعد، ومن بني زريق بْن عامر بْن زريق بْن عَبْد حارثة بْن مالك بْن غضب بْن جشم بْن الخزرج: قيس بْن محصن بْن خالد بْن مخلد بْن عامر بْن زريق، وأبو خالد الحارث بْن قيس بْن خالد بْن مخلد، وجبير بْن إياس بْن خالد بْن مخلد، وأبو عبادة سعد بْن عثمان بْن خلدة بْن مخلد، وأخوه عقبة بْن عثمان، وذكوان بْن عَبْد قيس بْن خلدة بْن مخلد، ومسعود بْن خلدة بْن عامر بْن مخلد، وعباد بْن قيس بْن عامر بْن خالد بْن عامر بْن زريق، وأسعد بْن يزيد بْن الفاكه بْن زيد بْن خلدة بْن عامر بْن زريق، والفاكه بْن بشر بْن الفاكه بْن زيد بْن خلدة، ومعاذ بْن ماعص بْن قيس بْن خلدة بْن زريق، وأخوه عائذ بْن ماعص، وعمهما مسعود بْن سعد بْن قيس، ومن بني العجلان بْن عمرو بْن عامر بْن زريق: رفاعة بْن رافع بْن العجلان، وأخوه خلاد بْن رافع، وعبيد بْن زيد بْن عامر بْن العجلان، ومن بني بياضة بْن عامر بْن زريق: زياد بْن لبيد بْن ثعلبة بْن سنان بْن عامر بْن عدي بْن أمية بْن بياضة، وفروة بْن عمرو بْن ودفة بْن عبيد بْن عامر بْن بياضة، وخالد بْن قيس بْن مالك بْن العجلان بْن عامر بْن بياضة، ورجيلة بْن ثعلبة بْن خالد بْن ثعلبة بْن عامر بْن بياضة، وعطية بْن نويرة بْن عامر بْن عطية بْن عامر بْن بياضة، وخليفة بْن عدي بْن

عمرو بْن مالك بْن عامر بْن بياضة،

ومن بني حبيب بْن عَبْد حارثة أخي زريق: رافع بْن المعلى بْن لوذان بْن حارثة بْن عدي بْن زيد بْن ثعلبة بْن زيد مناة بْن حبيب بْن عَبْد حارثة بْن مالك بْن غضب بْن جشم بْن الخزرج، ومن بني النجار، وهو تيم الله بْن ثعلبة بْن عمرو بْن الخزرج، ثم من بني غنم بْن مالك بن النجار: أَبُو أيوب خالد بْن زيد بْن كليب بْن ثعلبة بْن عَبْد بْن عوف بْن غنم بْن مالك بْن النجار، وثابت بْن خالد بْن النعمان بْن خنساء بْن عسيرة بْن عَبْد بْن عوف بْن غنم بْن مالك بْن النجار، وعمارة بْن حزم بْن زيد بْن لوذان بْن عمرو بْن عَبْد بْن عوف بْن غنم بْن مالك بْن النجار، وسراقة بْن كعب بْن عبد العزى بْن غزية بْن عمرو بْن عَبْد بْن عوف بْن غنم، وحارثة بْن النعمان بْن نفع بْن زيد بْن عبيد بْن ثعلبة بْن غنم، وسليم بْن قيس بْن قهد، واسم قهد خالد بْن قيس بْن ثعلبة بْن غنم، وسهيل بْن رافع بْن أبي عمرو بْن عائذ بْن ثعلبة بْن غنم، وعدي بْن أبي الزغباء حليف لهم من جهينة، ومسعود بْن أوس بْن زيد بْن أصرم بْن زيد بْن ثعلبة بْن غنم بْن مالك بْن النجار، وأبو خزيمة بْن أوس بْن زيد بْن أصرم بْن زيد بْن ثعلبة بْن غنم، ورافع بْن الحارث بْن سواد بْن زيد بْن ثعلبة بْن غنم، وعوف، ومعوذ، ومعاذ بنو

الحارث بْن رفاعة بْن سواد بْن مالك بْن غنم بْن مالك بْن النجار وهم بنو عفراء، ويقال: إن أبا الحمراء مولى الحارث بْن عفراء شهد بدرا، والنعمان بْن عمرو بْن رفاعة بْن سواد بْن مالك بْن غنم بْن مالك بْن النجار، وعامر بْن مخلد بْن الحارث بْن سواد بْن مالك بْن غنم بْن مالك بْن النجار،

وعبد الله بْن قيس بْن خالد بْن خلدة بْن الحارث بْن سواد بْن مالك بن غنم بْن مالك بْن النجار، وعصيمة حليف لهم من أشجع، ووديعة بْن عمرو حليف لهم من جهينة، وثابت بْن عمرو بْن زيد بْن عدي بْن سواد بْن مالك بْن غنم بْن مالك بْن النجار، ومن بني مبذول، واسمه عامر بْن مالك بْن النجار، ثم من بني عمرو بْن عتيك بْن عمرو بْن مبذول: ثعلبة بْن عمرو بْن محصن بْن عمرو بْن عتيك، وسهل بْن عتيك بْن النعمان بْن عمرو بْن عتيك، والحارث بْن الصمة بْن عمرو بْن عتيك، كسر به بالروحاء، فضرب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه، ومن بني معاوية بْن عمرو بْن مالك بْن النجار، وهم بنو حديلة: أُبَيُّ بْن كعب بْن قس بْن عبيد بْن زيد بْن معاوية، وأنس بْن معاذ بْن أنس بْن قيس بْن عبيد بْن زيد بْن معاوية بن عمرو بْن مالك بْن النجار، ومن بني عدي بْن عمرو بْن مالك بْن النجار، وهم بنو مغالة، فَنُسِبُوا إلى أمهم امرأةٍ من كنانة: أوس بْن ثابت بْن المنذر

بْن حرام بْن عمرو بْن زيد مناة بْن عدي بْن عمرو بْن مالك بْن النجار، وأبو شيخ بْن أبي بْن ثابت، وقيل: أَبُو شيخ بْن ثابت أخو حسان بْن ثابت، وأوس بْن ثابت، وأبو طلحة زيد بْن سهل بْن الأسود بْن حرام بْن عمرو بْن زيد مناة بْن عدي بْن عمرو بْن مالك بْن النجار، انقضى بنو مالك بْن النجار، ومن بني عدي بْن النجار: حارثة بْن سراقة بْن الحارث بْن عدي بْن مالك بْن عدي بْن عامر بن غنم بْن عدي بْن النجار، وعمرو بْن ثعلبة بْن وهب بْن عدي بْن مالك بْن عدي بْن عامر بن غنم بْن عدي بْن النجار، وهو أَبُو حكيم، وسليط بْن قيس بْن عمرو بْن عتيك بْن مالك بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، وأبو سليط أسيرة بن عمرو، وهو أَبُو خارجة بْن قيس بْن مالك بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، وثابت بْن خنساء

بْن عمرو بْن مالك بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، وعامر بْن أمية بْن زيد بْن الحسحاس بْن مالك بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، ومحرز بْن عامر بْن مالك بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، وسواد بْن غزية بْن أهيب حليف لهم من بلي، وأبو زيد قيس بْن سكن بْن قيس بْن زعوراء بْن حرام بْن جندب بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، وأبو الأعور الحارث

بْن ظالم، ويقال: أَبُو الأعور بْن الحارث بْن ظالم بْن عبس بْن حرام بْن جندب، وسليم، وحرام ابنا ملحان، واسم ملحان مالك بْن خالد بْن زيد بْن حرام بْن جندب بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، ومن بني مازن بْن النجار قيس بْن أبي صعصعة، واسم أبي صعصعة عمرو بْن زيد بْن عوف بْن مبذول بْن عمرو بْن غنم بْن مازن بْن النجار، وعبد الله بْن كعب بْن عمرو بْن عوف بْن مبذول، وعصيمة حليف لهم من بني أسد بْن خزيمة، وأبو داود عمير بْن عامر بْن مالك بْن خنساء بْن مبذول، وسارقة بْن عمرو بْن عطية بْن خنساء بْن مبذول، وقيس بْن مخلد بْن ثعلبة بْن صخر بْن حبيب بْن الحارث بْن ثعلبة بْن مازن بْن النجار، ومن بني دينار بْن النجار النعمان بْن عَبْد عمرو بْن مسعود بْن عَبْد الأشهل بْن حارثة بن دينار بْن النجار، وأخوه الضحاك بْن عَبْد عمرو، وسليم بْن الحارث بْن ثعلبة بْن كعب بْن عَبْد الأشهل بْن حارثة بْن دينار بْن النجار، وجابر بْن خالد بْن مسعود بْن عَبْد الأشهل بْن حارثة بْن دينار، وسعد بْن سهيل بْن عَبْد الأشهل بْن حارثة بْن دينار،

وكعب بْن زيد بْن قيس بْن مالك بْن كعب بْن حارثة بْن دينار، وبجير بْن أبي بجير حليف لهم من بني عبس بْن بغيض، فجميع من شهد بدرا على ما وصفنا من الخزرج بْن حارثة، مائة وسبعون رجلا، وجميع أهل بدر على ما ذكرنا،

ثلاث مائة رجل وسبعة عشر رجلا، وقد ذكرنا من غاب عنها وضرب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره فيها

فصل:

قَالَ الفقيه أَبُو عمر رضي الله عنه: فلما أوقع الله عز وجل بالمشركين يوم بدر، واستأصل وجوههم، قالوا: إن ثأرنا بأرض الحبشة، فلنرسل إلى ملكها يدفع إلينا من عنده من أتباع مُحَمَّد فنقتلهم بمن قتل منا ببدر

 

بَعْثُ مُشْرِكِي قريش عَمْرَو بْنَ العاص، وَابْنَ أبي ربيعة إلى النجاشي:

وبالإسناد قَالَ الفقيه أَبُو عمر:

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن بكر، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابن السرح، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابن وهب، قَالَ: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قَالَ: بلغني أن مخرج عمرو بْن العاص، وابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر، فلما بلغ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْرَجُهُمَا، بعث عمرو بْن أمية الضمري من المدينة إلى النجاشي بكتاب

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،

أَنَّ الْهِجْرَةَ الأُولَى هِجْرَةُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَّهُ هَاجَرَ فِي تِلْكَ الْهِجْرَةِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِامْرَأَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِامْرَأَتِهِ رُقَيَّةَ بِنْتِ ِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِامْرَأَتِهِ، وَهَاجَرَ فِيهَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ذَوُو عَدَدٍ، لَيْسَ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَلَمَّا أُرِيَ رَسُولُ اللهِ دَارَ هِجْرَتِهِمْ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: " قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبَخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ " فَهَاجَرَ إِلَيْهَا مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَرَجَعَ رِجَالٌ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ، فَهَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بِابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَبَسَ مُكْثٌ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَحَاطِبَ بْنَ الْحَارِثِ، وَمَعْمَرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْعَدَوِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ شِهَابٍ، وَرِجَالا ذَوِي عَدَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبُ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ، وَقَتَلَ اللهُ فِيهَا صَنَادِيدَ الْكُفَّارِ، قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِنَّ ثَأْرَكُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَهْدُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ وَابْعَثُوا إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ ذَوِي رَأْيِكُمْ لَعَلَّهُ يُعْطِيكُمْ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قُرَيْشٍ فَتَقْتُلُونَهُمْ بِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ بِبَدْرٍ، فَبَعَثَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَأَهْدَوْا لِلنَّجَاشِيِّ وَلِعُظَمَاءِ الْحَبَشَةِ هَدَايَا، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ قَبِلَ هَدَايَاهُمْ، وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ، فَكَلَّمَ النَّجَاشَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رِجَالا مِنَّا لَيْسُوا عَلَى دِينِكَ وَلا عَلَى دِينِنَا فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا، فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ لِلنَّجَاشِيِّ: صَدَقَ، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: فَلا وَاللهِ لا أَدْفَعُهُمْ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ فَأَنْظُرَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ فِيهِمْ، وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: مَا دِينُكُمْ؟ أَنَصَارَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا: دِينُنَا الإِسْلامُ، قَالَ: وَمَا الإِسْلامُ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ اللهَ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قَالَ: وَمَنْ جَاءَكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: جَاءَنَا بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِنَا قَدْ عَرَفْنَا وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ، أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ كِتَابَهُ فَعَرَفْنَا كَلامَ اللهِ وَصَدَّقْنَاهُ، قَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: فَبِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالُوا: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَيَأْمُرُنَا أَنْ نَتْرُكَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ، وَبِالْوَفَاءِ، وَبِأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَبِالْعَفَافِ،

قَالَ النَّجَاشِيُّ: فَوَاللهِ إِنْ خَرَجَ هَذَا إِلا مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَمْرُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّجَاشِيِّ: إِنَّ هَؤُلاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ ابْنَ مَرْيَمَ إِلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُ عَبْدٌ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ قَالُوا: نَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، فَخَفَضَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الأَرْضِ فَأَخَذَ عُودًا، وَقَالَ: وَاللهِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَدْرَ هَذَا الْعُودِ، فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ: وَاللهِ لَئِنْ سَمِعَتِ الْحَبَشَةُ بِهَذَا لَتَخْلَعَنَّكَ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللهِ لا أَقُولُ فِي ابْنِ مَرْيَمَ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ أَبَدًا، إِنَّ اللهَ لَمْ يُطِعْ فِيَّ النَّاسَ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي، فَأَنَا أُطِيعُ النَّاسَ فِي الله، مَعَاذَ اللهِ مِنْ ذَلِكَ، أَرْجِعُوا إِلَى هَذَا هَدِيَّتَهُ، فَوَاللهِ لَوْ رَشَوْنِي دَبْرًا مِنْ ذَهَبٍ مَا قَبِلْتُهُ، وَالدَّبْرُ الْجَبَلُ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: لا أَدْرِي عَرَبِيٌّ أَمْ لا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى هَؤُلاءِ الرَّهْطِ نَظْرَةً يُؤْذِيهِمْ بِهَا فَقَدْ غَرِمَ، وَمَعْنَى غَرِمَ هَلَكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْثِ قُرَيْشٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَدِمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالْمُهَاجِرِينَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ جَعْفَرًا يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ،

فَقَرَأَ سُورَةَ مَرْيَمَ {كهيعص} وَقَامُوا تَفِيضُ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ إِلَى الشَّاهِدِينَ}

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْمُرَادِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا نُؤْذَى، وَلا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ مَا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلا أَهْدَوْا إِلَيْهِ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعَا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّةً قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلاهُ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْكُمَا قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ بِطْرِيقٌ إِلا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، وَقَالا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ: إِنَّهُ قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، خَالَفُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْنَا وَلا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، يُرِيدُ أَقْعَدَ عِلْمًا بِهِمْ، الْعَيْنُ الْعِلْمُ هَاهُنَا، أَيْ فَوْقَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِهِمْ وَأَعْلَى

مِنْ غَيْرِهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّهُمَا قَدَّمَا هَدَايَاهُمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالا: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، جَاءُوا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ، لا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ، وَأَعْمَامِهِمْ، وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَعْلَى عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ، قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلامَهُمُ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ، فَأَسْلِمْهُمْ إِلَيْهِمْ لِيَرُدَّاهُمْ إِلَى بِلادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، قَالَ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ثُمَّ قَالَ: لا وَاللهِ أَبَدًا لا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلا يُكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي وَنَزَلُوا بِبِلادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ، حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ، أَسْلَمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا وَرَدَدْتُهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي، قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللهِ مَا عَلَّمَنَا اللهُ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا جَاءُوهُ وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ وَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا بِهِ فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي

كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ إِلَى الْجَارِ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، كُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعُ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدُ اللهَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، قَالَتْ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلامِ، وَقَالَ: فَصَدَّقْنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ لَهُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا حَلَّلَ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا، وَظَلَمُونَا، وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَآثَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَالَتْ: فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ شَيْءٌ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ كهيعص، قَالَتْ: فَبَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى وَاللهِ اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحَاهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا، فَوَاللهِ لا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا، قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللهِ لآتِيَنَّهُ غَدًا بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ،

قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ أَبْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا: لا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا، قَالَ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ، قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ قَوْلا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ، قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ مَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ السَّلامُ: عَبْدُ اللهِ، وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ بِيَدِهِ إِلَى الأَرْضِ وَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، وَقَالَ: مَا عَدَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ مِمَّا قُلْتَ هَذَا الْمِقْدَارَ، قَالَ: فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ، ثُمَّ قَالَ لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي، وَالشُّيُومُ الآمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرَ ذَهَبٍ وَأَنِّي آذَيْتُ وَاحِدًا مِنْكُمْ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ، رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدِيَّتَهُمَا، فَلا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ، قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ وَخَيْرِ جَارٍ، قَالَتْ: فَوَاللهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ، إِذْ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَنَا رَجُلٌ لا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ، وَسَارَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا أَخْرُجُ، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَه

ُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ، قَالَتْ: فَدَعَوْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، فَوَاللهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ مُتَوَقِّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ، إِذْ طَلَعَ الزُّبَيْرُ يَسْعَى وَيُلَوِّحُ بِثَوْبِهِ وَيَقُولُ: أَلا أَبْشِرُوا فَقَدْ ظَهَرَ النَّجَاشِيُّ، وَأَهْلَكَ اللهُ عَدُوَّهُ وَمَكَّنَ لَهُ فِي بِلادِهِ، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا عَلَتْنَا فَرْحَةٌ قَطُّ مِثْلُهَا، قَالَتْ: وَرَجَعَ النَّجَاشِيُّ سَالِمًا، وَأَهْلَكَ اللهُ عَدُوَّهُ، وَاسْتَوْسَقَ لَهُ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ "

قَالَ الفقيه الحافظ أَبُو عمر رضي الله عنه: هؤلاء قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة ثم هاجروا إلى المدينة، وجعفر وأصحابه بقوا بأرض الحبشة إلى عام خيبر، وقد قيل: إن إرسال قريش إلى النجاشي في أمر المسلمين المهاجرين إليها كان مرتين في زمانين، المرة الواحدة: كان الرَّسُولَ مع عمرِو بْنِ العاص عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي ربيعة المخزومي، والمرة الثانية: كان مع عمرو بْن العاص عمارة بْن الوليد بْن المغيرة المخزومي، وقد ذكر الخبر بذلك كله ابن إسحاق وغيره، وذكروا ما دار لعمرو مع عمارة بْن الوليد من رميه إياه في البحر، وَسَعْيِ عمرو به إلى النجاشي في بعض وصوله إلى بعض حرمه أو خدمه، وأنه ظهر ذلك في ظهور طيب الملك عليه، وأن الملك دعا بسحرة فسحروه ونفخوا في إحليله، فتشرد، ولزم البرية، وفارق الإنس، وهام حتى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه، فلما قربوا منه فاضت نفسه ومات، هذا معنى الخبر، قَالَ أَبُو عمرو: ولم أر لإيراده على وجهه معنى اكتفاء بما كتبناه في الكتاب، ولأن ابن إسحاق قد ذكر بتمامه، والله الموفق للصواب

غزوة بني سليم:

ولم يَتِمّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد منصرفه عن بدر إلا سبعة أيام، ثم خرج بنفسه الكريمة يريد بني سليم، واستخلف على المدينة سباع بْن عرفطة الغفاري، وقيل: ابن أم مكتوم، فبلغ ماء يقال له: الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال ثم انصرف ولم يلق أحدا

 

غزوة السويق:

ثم إن أبا سفيان بْن حرب لما انصرف إلى بدر آلى أن يغزو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج في مائتي راكب حتى أتى العريض في طرف المدينة، فحرق أصوارا من النخل، وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له وجدهما في حرث لهما، ثم كر راجعا، ثم نفر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون في أثره، واستعمل على المدينة أبا لبابة بْن عبد المنذر، وبلغ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ، وَفَاتَهُ أَبُو سفيان والمشركون  

وقد طرحوا سويقا كثيرا من أزوادهم، يتخففون بذلك، فأخذه المسلمون، فسميت غزوة السويق، وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة بعد بدر بشهرين وأيام، قَالَ المصنف رضي الله عنه: ولعمر رضي الله عنه حديث حسن في غزوة قرقرة الكدر، يقال: إن عمران بْن سوادة قَالَ له وهو خليفة: إن رعيتك تشكو منك عنف السياف، وقهر الرعية، فدق على الدرة وجعل يمسح سيورها، ثم قَالَ: قد كنت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قرقرة الكدر، فكنت أرتع فأشبع، وأسقي فأروى، وأكثر الزجر، وأقل الضرب، وَأَرُدُّ الْعَنُودَ، وَأَزْجُرُ الْعَرُوضَ، وأصم اللَّفُوتَ، وَأَسِمُ بالعصا، وأضرب باليد، ولولا ذلك لأعذرت، أي تركت فضيعت، يذكر حسن سياسته حينئذ، والعنود الحائد، والعروض المستصعب من الرجال والدواب، والقرقرة الأرض الواسعة الملساء، والكدر طيور غُبْرٌ كأنها القطا

 

غزوة ذي أمر:

وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بقية ذي الحجة، ثم غزا نجدا يريد غطفان، واستعمل على المدينة عثمان بْن عفان، فأقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنجد صفرا كله، ثم انصرف ولم يلق حربا

غزوة بحران:

فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة ربيعا الأول، ثم غزا يريد قريشا، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فبلغ بحران معدنا بالحجاز ولم يلق حربا، فأقام هنالك ربيعا الآخر وجمادى الأولى من السنة الثالثة، ثم انصرف إلى المدينة

 

غزوة بني قينقاع:

وَنَقَضَ بنو قينقاع من اليهود عقد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحاصرهم حتى نزلوا على حكمه، فشفع فيهم عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول ورغب في حقن دمائهم، وألح على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعلق به حتى أدخل يده في جيب درعه، فقال: أرسلني، فقال: والله لا أرسلك حتى تحسن إلي في موالي أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع تريد أن تحصدهم في غداة واحدة، فشفعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم، وحقن دماءهم، وهم قوم عَبْد اللهِ بْن سلام، وكان حصاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم خمس عشرة ليلة، واستخلف على المدينة في تلك المدة أبا لبابة بشير بْن عَبْد المنذر،

وذكر ابن إسحاق، عن عاصم بْن عمر، وعبد الله بْن أبي بكر، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة، وادعته اليهود، وكتب عنه وعنهم كتابا، وألحق كل قوم بحلفائهم، وشرط

عليهم فيما شرط أن لا يظاهروا عليه أحدا، فلما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر أتاه بنو قينقاع، فقالوا له: يا مُحَمَّد، لا يغرك من نفسك أن نِلْتَ من قومك ما نلت، فإنه لا علم لهم بالحرب، أَمَا والله لو حاربتنا لعلمت أن حربنا ليس كحربهم، وأنا لنحن الناس، قَالَ ابن إسحاق: وكان أول من نقض العهد بينه وبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغدر من يهود بنو قينقاع، فسار إليهم رسول الله وحاصرهم في حصونهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

البعث إلى كعب بْن الأشرف:

ولما اتصل بكعب بْن الأشرف وهو رجل من نبهان من طيئ، وأمه من بني النضير، قَتْلُ صناديد قريش ببدر، قَالَ: بطن الأرض خير من ظهرها، ونهض إلى مكة فجعل يرثي قتلى قريش، ويحرض على قتال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان شاعرا، ثم انصرف إلى موضعه، فلم يزل يؤذي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويدعو إلى خلافه، ويسب المسلمين حتى آذاهم

، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لي بابن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله والمؤمنين، فقال له مُحَمَّد بْن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا أقتله إن شاء الله، قَالَ: فافعل إن قدرت على ذلك، فمكث مُحَمَّد بْن مسلمة أياما مشغول النفس بما وعد رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه في قتل ابن الأشرف،

وأتى أبا نائلة سلكان بْن سلامة بْن وقش وكان أخا كعب بْن الأشرف من الرضاعة، وعباد بْن بشر بْن وقش، والحارث بْن أوس بْن معاذ، وأبا عبس بْن جبر، فأعلمهم بما وعد به رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتل ابن الأشرف، فأجابوه إلى ذلك، وَقَالُوا: كلنا يا رسول الله نقتله، ثم أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسول الله إنه لا بد لنا أن نقول، فقال: قولوا ما بدا لكم، فأنتم في حل، ثم قدموا إلى كعب بْن الأشرف أبا نائلة فجاءه وتحدث معه ساعة، وتناشدا الشعر، وكان أَبُو نائلة يقول الشعر أيضا، فقال له أَبُو نائلة: يا بْن الأشرف إني جئت في حاجة أذكرها لك فاكتم علي، قَالَ: أفعل، قَالَ: إن قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال، وجهدت الأنفس، وأصبحنا قد جهدنا، فقال كعب: أنا ابن الأشرف، أما والله لقد كنت أحدثك يابن سلامة أن أمركم سيصير إلى هذا، فقال له سلكان: إني أريد أن تبيعنا طعاما ونرهنك، ونوثق

لك، ونحسن في ذلك، قَالَ: أترهنوني أبناءكم أو نساءكم؟ قَالَ: لقد أردت أن تفضحنا، أنت أجمل العرب، فكيف نرهنك نساءنا؟ وكيف نرهنك أبناءنا فيعير أحدهم فيقال: رَهْنُ وَسَقٍ، ورهن وسقين؟ إن معي أصحابا على مثل رأيي، وقد

أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك، ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء، وأراد أَبُو نائلة أن لا ينكر السلاح عليهم إذا أتوه، قَالَ: إن في الحلقة لوفاءً، فرجع أَبُو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم الخبر، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ويأتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعلوا، واجتمعوا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمشى بهم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم وقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم، ورجع عنهم، فنهضوا وكانت ليلة مقمرة حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أَبُو نائلة، وكان كعب حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفة، فأخذت امرأته بناحيتها، وقالت: إنك امرؤ مُحَارِبٌ، وإن أهل الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة، فقال: إنه أَبُو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني، فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر، فقال لها كعب: لو دُعِيَ الفتى إلى طعنة أجاب، فنزل فتحدث معهم ساعة، ثم قالوا له: يا بن الأشرف لو رأيت أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا، قَالَ: إن شئتم، فخرجوا يتماشون، ثم إن أبا نائلة مس فَوْدَ رأسه بيده ثم شمها، وقال: ما رأيت كالليلة طيبا أعطر، ثم مشى ساعة وعاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة وعاد لمثلها وأخذ بِفَوْدَيْ رأسه، وقال: اضربوا عدو الله، فضربوه بأسيافهم، فصاح صيحة منكرة سمعها أهل الحصون،

فأوقدوا النيران واختلفت سيوفهم فلم

تعمل شيئا، قَالَ مُحَمَّد بْن مسلمة: فذكرت مغولا في سيفي حين رأيت أسيافهم لا تغني، فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة أسمعت كل حصن حوله، فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته، فوقع عدو الله ميتا، وأصاب الحارثَ بْنَ أوس يومئذ جرحٌ في رجله أو في رأسه ببعض سيوف أصحابه فتأخر، ونجا أصحابه، وسلكوا على دور بني أمية بْن زيد، إلى بني قريظة، إلى بعاث، إلى حرة العريض، وانتظروا هنالك صاحبهم حتى وافاهم، فأتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر الليل وهو يصلي، فأخبروه، فتفل في جرح الحارث بْن أوس فبرئ، وأطلق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين على قتل اليهود، وحينئذ أسلم حويصة بْن مسعود، وقد كان أسلم أخوه محيصة قبله 

الدرر في اختصار المغازي والسير

غزوة أحد:

فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بعد قدومه من بحران جمادى الآخرة، ورجبا، وشعبان، ورمضان، فغزته كفار قريش في شوال سنة ثلاث، وقد استمدوا بحلفائهم والأحابيش من بني كنانة، وخرجوا بنسائهم لئلا يفروا عنهن، وقصدوا المدينة فنزلوا قرب أحد على جبل على شفير الوادي بقناة مقابل المدينة، ------------------------------------

 

فرأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامه أن في سيفه ثلمة، وأن بقرا له تذبح، وأنه أدخل يده في درع حصينة، فتأولها أن نفرا من أصحابه يقتلون، وأن رجلا من أهل بيته يصاب، وأن الدرع الحصينة المدينة، فأشار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أصحابه أن

لا يخرجوا إليهم، وأن يتحصنوا بالمدينة، فإن قربوا منها قاتلوهم على أفواه الأزقة، ووافق رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا الرأي عَبْدُ اللهِ بْن أبي بْن سلول، وأبى أكثر الأنصار إلا الخروج إليهم ليكرم الله من شاء منهم بالشهادة، فلما رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزيمتهم دخل بيته، فلبس لأمته وخرج، وذلك يوم الجمعة، فصلى على رجل من بني النجار مات ذلك اليوم، يقال له مالك بْن عمرو، وقيل بل اسمه محرز بْن عامر، وندم قوم من الذين ألحوا في الخروج، وقالوا: يا رسول الله إن شئت فارجع، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما ينبغي لنبي إذا لبس لأْمَتَهُ أن يضعها حتى يقاتل " فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ألف من أصحابه، واستعمل ابنَ أم مكتوم على الصلاة لمن بقي بالمدينة من المسلمين، فلما سار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو أحد، انصرف عنه عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول بثلث الناس مغاضبا إذ خولف رأيه، فاتبعهم عَبْد اللهِ بْن عمرو بْن حرام فَذَكَّرَهُمُ اللهَ والرجوعَ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأبوا عليه، فسبهم ورجع عنهم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونهض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمسلمين، وذكر له قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود، فأبى عليهم وسلك على حرة بني حارثة وشق أموالهم حتى مشى على مال لمربع بْن قيظي وكان ضرير البصر، فقام يحثو التراب

في وجوه المسلمين، ويقول: إن كنتَ رسول الله فلا يحل لك أن تدخل حائطي، وأكثر من القول، فابتدره أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقتلوه، فقال عليه  السلام: " لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر " وضربه سعد بْن زيد أخو بني عَبْد الأشهل بقوسه فشجه في رأسه، ونفذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره إلى أحد، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم، وسرحت قريش الظهر والكراع في زروع المسلمين بقناة، وتعبأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقتال وهو في سبع مائة، وقيل: إن المشركين كانوا في ثلاثة آلاف، فيهم مائتا فارس، وقيل: كان في المسلمين يومئذ خمسون فارسا، وكان رماة المسلمين خمسين رجلا، وَأَمَّرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الرماة عَبْد اللهِ بْن جبير أخا بني عمرو بْن عوف، وهو أخو خوات بْن جبير، وعبد الله يومئذ معلم بثياب بيض، فرتبهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف الجيش، وأمره بأن ينضح المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم، وظاهر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ بين درعين، ودفع اللواء إلى مصعب بْن عمير أحد بني عَبْد الدار، وأجاز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ سمرة بْن جندب الفزاري، ورافع بْن خديج، ولكل واحد منهما خمس عشرة سنة، وكان رافع راميا، ورد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ

عَبْد اللهِ بْن عمر، وزيد بْن ثابت، وأسامة بْن زيد، والبراء بْن عازب، وأسيد بْن ظهير، وعرابة بْن أوس، وزيد بْن أرقم، وأبا سعيد الخدري، ثم أجازهم كلهم عليه السلام يوم الخندق، وقد قيل: إن بعض هؤلاء إنما رده يوم بدر وأجازه يوم أحد، وإنما رد من لم يبلغ خمس عشرة سنة وأجاز من بلغها، وجعلت قريش على ميمنتهم في الخيل خالد بْن الوليد، وعلى ميسرتهم في الخيل عكرمة بْن أبي جهل، ودفع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفه إلى  أبي دجانة الأنصاري سماك بْن خرشة الساعدي، وكان شجاعا يختال في الحرب، وكان أَبُو عامر المعروف بالراهب، وسماه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفاسق، واسمه عَبْد عمرو بْن صيفي بْن مالك بْن النعمان أحد بني ضبيعة، وهو والد حنظلة بْن أبي عامر غسيل الملائكة قد ترهب وتنسك في الجاهلية، فلما جاء الإسلام غلب عليه الشقاء ففر عن المدينة إذ نزلها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مباعدا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومبغضا فيه، وخرج إلى مكة في جماعة من فتيان الأوس، وشهد يوم أحد مع الكفار، ووعد قريشا بانحراف قومه إليه، فكان أول من خرج للقاء المسلمين في عبدان أهل مكة والأحابيش، فلما نادى قومه وعرفهم بنفسه، قالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق، فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا، وكان شعار أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ يوم أحد: أَمِتْ، أَمِتْ، وأبلى يومئذ علي، وحمزة، وأبو دجانة، وطلحة بلاء حسنا، وأبلى أنس بْن النضر يومئذ بلاء حسنا، وكذلك جماعة من الأنصار أبلوا وأصيبوا يومئذ مقبلين غير مدبرين، وقاتل الناس قتالا شديدا ببصائر ثابتة، فانهزمت قريش، واستمرت الهزيمة عليهم، فلما رأى ذلك الرماة قالوا: قد هُزِمَ أعداء الله فما لقعودنا ههنا معنى، فَذَكَّرَهُمْ أميرهم عَبْد اللهِ بْن جبير أَمْرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياهم بأن لا يزولوا، فقالوا: قد انهزموا، ولم يلتفتوا إلى قوله وقاموا، ثم كر المشركون وولى المسلمون، وثبت من أكرمه الله منهم بالشهادة، ووصل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقاتل دونه مصعب بْن عمير حتى قتل رضي الله عنه، وجرح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في

وجهه، وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر، وهشمت البيضة على رأسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجزاه عن أمته بأفضل ما جزى به نبيا من أنبيائه عن صبره، وكان الذي تولى ذلك من النبي عليه السلام عمرو بْن قمئة الليثي، وعتبة بْن أبي وقاص، وقد قيل: إن عَبْد اللهِ بْن شهاب جدَّ الفقيه مُحَمَّد بْن مسلم بْن شهاب هو الذي شج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جبهته، وأكبت الحجارة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى سقط في حفرة كان أَبُو عامر الراهب قد حفرها مكيدة للمسلمين، فخر عليه السلام على جنبه، فأخذ علي بيده، واحتضنه طلحة حتى قام،

وَمَصَّ مالك بْن سنان والد أبي سعيد الخدري من جرح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدم، ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانتزعهما أَبُو عبيدة بْن الجراح، وعض عليهما بثنيتيه فسقطتا، وكان الهتم يزينه، وأعطى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراية حين قتل مصعبُ بْن عمير عَلِيَّ بْنَ أبي طالب، وصار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت راية الأنصار، وشد حنظلة الغسيل بْن أبي عامر على أبي سفيان بْن حرب، فلما تمكن منه حمل شداد بْن الأسود الليثي وهو ابن شعوب على حنظلة فقتله، وكان جنبا فغسلته الملائكة، أخبر بذلك جبريل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخبر رسولُ الله بذلك أصحابَهُ، وقال: " كان حنظلة قد قام من امرأته جنبا فغسلته الملائكة " وقتل صاحب لواء المشركين فسقط لواؤهم، فرفعته عمرة بنت علقمة الحارثية للمشركين، فاجتمعوا إليه وحملوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَرَّ دونه نفر من الأنصار قيل سبعة وقيل عشرة، فَقُتِلُوا كلهم، وكان آخرهم عمارة بْن يزيد بْن السكن أو زياد بْن

السكن، وقاتل يومئذ طلحة قتالا شديدا، وقاتلت أم عمارة الأنصارية وهي نسيبة بنت كعب قتالا شديدا، وضربت عمرو بْن قمئة بالسيف ضربات فوقاه درعان كانتا عليه، وضربها عمرو بالسيف فجرحها جرحا عظيما على عاتقها، وترس أَبُو دجانة بظهره عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك، وحينئذ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد بْن أبي

وقاص: " ارم فداك أبي وأمي " وأصيبت يومئذ عين قتادة بْن النعمان الظفري، فأتى رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعينه على وجنته، فردها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده وغمزها فكانت أَجْمَلَ عينيه وَأَصَحَّهُمَا، وانتهى أنس بْن النضر وهو عم أنس بْن مالك يومئذ إلى جماعة من الصحابة قد ألقوا بأيديهم، فقال لهم: ما يجلسكم؟ قالوا: قُتِلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم استقبل النَّاسَ، ولقي سعدَ بْن معاذ، فقال له: يا سعد، والله إني لأجد ريح الجنة من قِبَلِ أحد، فقاتل حتى قتل رضي الله عنه، وُجِدَ به أزيد من سبعين جرحا من بين ضربة وطعنة ورمية فما عرفته إلا أخته ببنانه ميزته، وجرح يومئذ عَبْد الرحمن بْن عوف نحو عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج منها رحمه الله إلى أن مات، وأول من ميز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الجولة كعب بْن مالك الشاعر، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأشار إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أنصت، فلما عرفه المسلمون مالوا إليه، وصاروا حوله، ونهضوا معه نحو الشعب فيهم أَبُو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، والحارث بْن الصمة الأنصاري، وجماعة من الأنصار، فلما أسند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ في الشعب أدركه أُبَيُّ بْن خلف الجمحي،   فتناول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحربة من الحارث بْن الصمة ثم طعنه بها في عنقه فَكَرَّ أُبَيٌّ منهزما، فقال له المشركون: والله ما بك من بأس، فقال: والله لو بزق علي لقتلني، أليس قد قَالَ: بل أنا أقتله؟ وكان قد أَوْعَدَ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القتلَ بمكة، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل أنا أقتلك " فمات عدو الله من ضربة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرجعه إلى مكة بموضع يقال له سرف، وملأ علي درقته من ماء المهراس وأتى به رسول الله ليشربه، فوجد فيه رائحة فعافه وغسل به من الدم وجهه، ونهض إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وكان عليه درعان، وكان قد بدن فلم يقدر أن يعلوها، فجلس له طلحة، وصعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ظهره، ثم استقل به طلحة حتى استوى الصخرة، وحانت الصلاة فصلى جالسا والمسلمون وراءه قعودا

رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرُ بْنُ كِرَاعٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: " رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ شِمَالِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ أَرَهُمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ وانهزم قوم من المسلمين يومئذ منهم عثمان بْن عفان، فعفا الله عنهم، ونزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ

عَنْهُمْ سورة آل عمران آية الآية، وكان الحسيل بْن جابر العبسي وهو اليمان والد حذيفة بْن اليمان، وثابت بْن وقش شيخين كبيرين قد جُعِلا في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه: ما بقي من أعمارنا؟

فلو أخذنا سيوفنا ولحقنا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعل الله يرزقنا الشهادة، وَفَعَلا ذلك فدخلا في جملة المسلمين، فأما ثابت بْن وقش فقتله المشركون، وأما الحسيل فظنه المسلمون من المشركين فقتلوه خطأ، وقيل: إن الذي قتله عتبة بْن مسعود، وكان حذيفة يصيح والمسلمون قد علوا أباه: أَبِي، أَبِي، ثم تصدق بديته على المسلمين، وكان مخيريق أحد بني ثعلبة بْن الفطيون من اليهود قد دعا اليهود إلى نصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال لهم: والله إنكم لتعلمون أن نصر مُحَمَّد عليكم حق، فقالوا له: إن اليوم السبت، فقال: لا سبت لكم، وأخذ سلاحه ولحق برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقاتل معه حتى قتل، وأوصى أن ماله لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقال: إِنَّ بعض صدقات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة من مال مخيريق، وكان الحارث بْن سويد بْن الصامت منافقا لم ينصرف مع عَبْد اللهِ بْن أبي في حين انصرافه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جماعته عن غزاة أحد، ونهض مع المسلمين، فلما التقى المسلمون والمشركون بأحد عدا علي المجذر بْن ذياد البلوي وعلى قيس بْن زيد أحد بني ضبيعة فقتلهما وفر إلى الكفار، وكان

المجذر قد قتل في الجاهلية سويد بْن الصامت والد الحارث المذكور في بعض حروب الأوس والخزرج، ثم لحق الحارث بْن سويد مع الكفار بمكة فأقام هناك ما شاء الله، ثم حينه الله فانصرف إلى المدينة إلى قومه، وأتى رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر من السماء، نزل جبريل عليه السلام فأخبره أن الحارث بْن سويد قد قدم فانهض إليه واقتص منه لمن قتله من المسلمين غدرا يوم أحد، فنهض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه، فخرج إليه الأنصار أهل قباء في جماعتهم، وفي جملتهم الحارث بْن سويد وعليه ثوب مورس، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عويم بْن ساعدة فضرب عنقه، وقال الحارث: لِمَ يا رسول الله؟ فقال: بقتلك المجذر بْن زياد، وقيس بْن زيد، فما راجعه بكلمة، وقدمه عويم فضرب عنقه، ثم رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينزل عندهم، وكان عمرو بْن ثابت بْن وقش من بني عَبْد الأشهل يعرف بالأصيرم يأبى الإسلام، فلما -----------------------------------

 

كان يوم أحد قذف الله الإسلام في قلبه للذي أراد من السعادة به فأسلم، وأخذ سيفه، ولحق بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقاتل حتى أثبت بالجراح، ولم يعلم أحد بأمره، ولما انجلت الحرب طاف بنو عَبْد الأشهل في القتلى يلتمسون قتلاهم، فوجدوا الأصيرم وبه رمق لطيف، فقالوا: والله إن هذا الأصيرم، ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الأمر، ثم سألوه:

يا عمرو ما الذي جاء بك إلى هذا المشهد، أحدب على قومك، أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله، ثم قاتلت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أصابني ما ترون، فمات من وقته، فذكروه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " هو من أهل الجنة " ولم يصل صلاة قط، وكان في بني ظفر رجل لا يدرى ممن هو، يقال له: قزمان، أبلى يوم أحد بلاء شديدا، وَقَتَلَ يومئذ سبعةً من وجوه المشركين، وأثبت جراحا، فَأُخْبِرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمره، فقال: " هو من أهل النار " وقيل لقزمان: أبشر بالجنة، فقال: بماذا وما قاتلت إلا عن أحساب قومي؟ ثم لما اشتد عليه ألم الجراح، أخرج سهما من كنانته فقطع به بعض عروقه، فجرى دمه حتى مات، ومثل بقتلى المسلمين، وأخذ الناس ينقلون قتلاهم بعد انصراف قريش، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدفنوا في مضاجعهم بدمائهم وثيابهم، لا يغسلون

 

ذكر من استشهد من المهاجرين يوم أحد

حمزة بْن عَبْد المطلب عم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورضي الله عن حمزة، قتله وحشي بْن حرب مولى طعيمة بْن عدي بْن نوفل، وقيل: مولى جبير بْن مطعم بْن عدي، وأعتقه مولاه لقتله حمزة، 

وكان وحشي حبشيا يرمي بالحربة رمي الحبشة، ثم أسلم وَقَتَلَ بتلك الحربة مسيلمة الكذاب يوم اليمامة، وعبد الله بْن جحش بْن رئاب الأسدي حليف بني عَبْد شمس، وهو ابن عمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفن مع حمزة في قبر واحد، وقد ذكرنا خبره عند ذكره في كتاب الصحابة، ويعرف بالمجدع في الله، لأنه تمنى ذلك قبل الدخول في القتال يوم أحد، فقتل وجدع أنفه وأذنه وجعلا في خيط، ومصعب بْن عمير قتله ابن قمئة الليثي، وشماس بْن عثمان واسمه عثمان بْن عثمان وشماس لقب أربعة من المهاجرين

 

تسمية من استشهد من الأنصار يوم أحد:

استشهد يومئذ من الأوس ثم من بني عَبْد الأشهل: عمرو بْن معاذ أخو سعد بْن معاذ، والحارث بْن أوس بْن معاذ ابن أخي سعد بْن معاذ، والحارث بْن أنس بْن رافع، وعمارة بْن زياد بْن السكن، وسلمة وعمرو ابنا ثابت بْن وقش، وأبوهما ثابت بْن وقش، وأخوه رفاعة بْن وقش، وصيفي بْن قيظي، وخباب بْن قيظي، وعباد بْن سهل، واليمان بْن جابر والد حذيفة بْن اليمان واسمه حسيل حليف لهم من عبس، وعبيد بْن التيهان، وحبيب  بْن زيد، وإياس بْن أوس بْن

عتيك بْن عمرو بْن عَبْد الأعلم بْن زعوراء بْن جشم بْن عَبْد الأشهل، ومن بني ظفر: زيد بْن حاطب بْن أمية بْن رافع، ومن بني عمرو بْن عوف، ثم من بني ضبيعة بْن زيد: أَبُو سفيان بْن الحارث بْن قيس بْن يزيد، وحنظلة الغسيل بْن أبي عامر الراهب بْن صيفي بْن النعمان، ومن بني عبيد بْن زيد: أنيس بْن قتادة، ومن بني ثعلبة بْن عمرو بْن عوف: أَبُو حبة بْن عمرو بْن ثابت، وهو أخو سعد بْن خيثمة لأمه، وعبد الله بْن جبير بْن النعمان أمير الرماة، ومن بني السلم بْن امرئ القيس بْن مالك بْن الأوس: خيثمة والد سعد بْن خيثمة، ومن حلفائهم من بني العجلان: عَبْد اللهِ بْن سلمة، ومن بني معاوية بْن مالك: سبيع بْن حاطب بْن الحارث، ومالك بْن أوس حليف لهم، ومن بني خطمة، واسم خطمة عَبْد اللهِ بْن جشم بْن مالك بْن الأوس: عمير بْن عدي، ولم يكن يومئذ في بني خطمة مسلم غيره في قول بعضهم، وقد قيل: إن الحارث بْن عدي بْن خرشة بْن أمية بْن عامر بْن خطمة ممن استشهد يومئذ،  واستشهد يوم أحد من الخزرج، ثم من بني النجار: عمرو بْن قيس بْن زيد بْن سواد، وابنه قيس بْن عمرو، وثابت بْن عمرو بْن زيد، وعامر بْن مخلد، وأبو هبيرة بْن الحارث بْن علقمة، وعمرو بْن مطرف، وإياس بْن عدي، وأوس بْن ثابت أخو حسان

بْن ثابت، وهو والد شداد بْن أوس، وأنس بْن النضر بْن ضمضم عم أنس بْن مالك، وقيس بْن مخلد من بني مازن بْن النجار، وكيسان عَبْد لهم، ومن بني الحارث بْن الخزرج: خارجة بْن زيد أبي زهير، وسعد بْن الربيع بْن عمرو بْن أبي زهير ودفنا في قبر واحد، وأوس بْن الأرقم بْن زيد بْن قيس أخو زيد بْن أرقم، ومن بني الأبجر وهم بنو خدرة: مالك بْن سنان والد أبي سعيد الخدري، وسعيد بْن سويد بْن قيس بْن عامر، وعتبة بْن ربيع بْن رافع، ومن بني ساعدة بْن كعب بْن الخزرج: ثعلبة بْن سعد بْن مالك، وثقف بْن فروة بْن البدن، وعبد الله بْن عمرو بْن وهب بْن ثعلبة، وضمرة حليف لهم من جهينة، ومن بني عوف بْن الخزرج، ثم من بني سالم: عمرو بْن إياس، ونوفل بْن عَبْد اللهِ، وعبادة بْن الخشخاش، والعباس بْن عبادة بْن نضلة، والنعمان بْن مالك بْن ثعلبة، والمجذر بْن ذياد البلوي حليف لهم، ودفن النعمان والمجذر وعبادة في قبر واحد، ومن بني سواد بْن مالك: مالك بْن إياس، ومن بني سلمة: عَبْد اللهِ بْن عمرو بْن حرام، اصطبح الخمر ذلك اليوم ثم قتل آخر النهار

شهيدا، ثم نزل تحريم الخمر بَعْدُ، وعمرو بْن الجموح بْن زيد بْن حرام دفنا في قبر واحد كانا صهرين وصديقين متآخيين، وابنه خلاد بْن عمرو بْن الجموح، وأبو أسيرة مولى عمرو بْن الجموح

، ومن بني سواد بْن غنم: سليم بْن عمرو بْن حديدة، ومولاه عنترة، وسهل بْن قيس بْن أبي كعب، ومن بني زريق بْن عامر: ذكوان بْن عَبْد قيس، وعبيد بْن المعلى بْن لوذان، وجميعهم سبعون رجلا، واختلف في صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شهداء أحد، ولم يُخْتَلَفْ عنه في أنه أمر أن يدفنوا بثيابهم ودمائهم ولم يغسلوا

 

تسمية من قتل من كفار قريش يوم أحد

وقتل من كفار قريش يوم أحد اثنان وعشرون رجلا، منهم من بني عَبْد الدار أحد عشر رجلا: طلحة، وأبو سعيد، وعثمان بنو أبي طلحة، واسم أبي طلحة عَبْد اللهِ بْن عَبْد العزى بْن عثمان بْن عَبْد الدار، قَتَلَ طَلْحَةَ بْن أبي طلحة عليٌّ، وقتل أبا سعيد بْن أبي طلحة سعدُ بْن أبي وقاص، وقال ابن هشام: بل قتله علي، وعثمان بْن أبي طلحة قتله حمزة، ومسافع والحارث والجلاس وكلاب بنو طلحة المذكور، قَتَلَ مسافعا والجلاس عاصم بْن ثابت بْن أبي الأقلح، وقتل كلابا والحارث قزمان، وقيل: بل قتل كلابا عبد الرحمن بْن عوف، وأرطاة بْن عَبْد شرحبيل بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار قتله حمزة، وأبو يزيد بْن عمير بْن هاشم

بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار أخو مصعب بْن عمير قزمان، والقاسط بْن شريح بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار قتله قزمان، وصؤاب أبي طلحة، واختلف في قاتل صؤاب، فقيل: قزمان، وقيل: علي، وقيل: سعد، وقيل: أَبُو دجانة، ومن بني أسد بْن عَبْد العزى رجلان: عَبْد اللهِ بْن حميد بْن زهير بْن الحارث بْن أسد قتله علي، وسباع بْن عَبْد العزى الخزاعي حليف بني أسد، ومن بني مخزوم أربعة: هشام بْن أبي أمية بْن المغيرة أخو أم سلمة أم المؤمنين، والوليد بْن العاص بْن هشام بْن المغيرة، وأمية بْن أبي حذيفة بْن

المغيرة، وخالد بْن الأعلم حليف لهم، ومن بني زهرة: أَبُو الحكم بْن الأخنس بْن شريق حليف لهم قتله علي، ومن بني جمح رجلان: أُبَيُّ بْن خلف قتله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو عزة واسمه عمرو بْن عَبْد اللهِ بْن عمير بْن وهب بْن حذافة بْن جمح أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضرب عنقه صبرا، وذلك أنه مَنَّ عليه يوم بدر وأطلقه من الأسرى بلا فداء، وأخذ عليه أن لا يعين عليه فنقض العهد وغزاه مع المشركين يوم أحد، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والله لا تمسح عارضيك بمكة، تَقُولُ: خدعت محمدا مرتين " وأمر به فضرب عنقه، ومن بني عامر بْن لؤي رجلان: عبيدة بْن جابر قتله ابن مسعود، وشيبة بْن مالك ---------------------------------

 

غزوة حمراء الأسد:

وكانت وقعة أحد يوم السبت للنصف من شوال من السنة الثالثة من الهجرة، فلما كان من الغد يوم الأحد أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخروج في إثر العدو، وعهد أن لا يخرج معه إلا من حضر المعركة، فاستأذنه جابر بْن عَبْد اللهِ في أن يفسح له في الخروج معه، ففعل، وكان أبوه عَبْد اللهِ بْن عمرو بْن حرام ممن استشهد يوم أحد في المعركة، فخرج المسلمون على ما بهم من الجهد والقرح، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرهبا للعدو، حتى بلغ موضعا يدعى حمراء الأسد على رأس ثمانية أميال من المدينة، فأقام به يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء،

ثم رجع إلى المدينة، قَالَ ابن إسحاق: وإنما خرج بهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرهبا للعدو، وليظنوا أن بهم قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، وكان معبد بْن أبي معبد الخزاعي قد رأى خروج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين إلى حمراء الأسد، ولقي أبا سفيان وكفارَ قريش بالروحاء فأخبرهم بخروج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلبهم، ففت ذلك في أعضاد قريش، وقد كانوا أرادوا الرجوع إلى المدينة فكسرهم خروجه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتمادوا إلى مكة، وظفر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خروجه بمعاوية بْن المغيرة بْن العاص بْن أمية فأمر بضرب عنقه صبرا، وهو والد عائشة أم عَبْد الملك بْن مروان

بَعْثُ الرَّجِيعِ:

وقد قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر صفر، وهو آخر السنة الثالثة من الهجرة، نفر من عضل والقارة وهم بنو الهون بْن خزيمة بْن مدركة، فذكروا له أنهم قد أسلموا، ورغبوا أن يبعث معهم نفرا من المسلمين يعلمونهم القرآن ويفقهونهم في الدين، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم ستة رجال: مرثد بْن أبي مرثد الغنوي، وخالد بْن البكير الليثي، وعاصم بْن ثابت بْن أبي الأقلح، وخبيب بْن عدي وهما من بني عمرو بْن عوف، وزيد بْن الدثنة، وعبد الله بْن طارق حليف بني ظفر، وَأَمَّرَ عليهم مرثد بْن أبي مرثد، فنهضوا مع القوم حتى إذا صاروا بالرجيع، وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز، استصرخوا

عليهم هذيلا وغدروا بهم، فلم يَرُعِ القوم وهم في رحالهم إلا الرجال قد غشوهم وبأيديهم السيوف، فأخذ المسلمون سيوفهم ليقاتلوهم، فأمنوهم وأخبروهم أنهم لا أرب لهم في قتلهم، وإنما يريدون أن يصيبوا بهم فداء من أهل مكة، فأما مرثد بْن أبي مرثد، وعاصم بْن ثابت، وخالد بْن البكير فأبوا أن يقبلوا منهم قولهم ذلك، وقالوا: والله لا قبلنا لمشرك عهدا أبدا، وقاتلوا حتى قتلوا رحمة الله عليهم، وكان عاصم بْن ثابت قد قتل يوم أحد، فتيين من بني عَبْد الدار أخوين أمهما سلافة بنت سعد بْن شهيد، فنذرت إِنِ الله أمكنها من رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر، فرامت بنو هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة، فأرسل الله عز وجل دونه الدَّبْرَ فَحَمَتْهُ، فقالوا: إن  الدَّبْرَ سيذهب في الليل، فإذا جاء الليل أخذناه، فلما جاء الليل أرسل الله عز وجل سيلا لم ير مثله فحمله ولم يصلوا إلى جثته ولا إلى رأسه، وكان قد نذر أن لا يمس مشركا أبدا، فأبر الله عز وجل قسمه، ولم يروه، ولا وصلوا إلى شيء منه، ولا عرفوا له مسقطا، وأما زيد بْن الدثنة، وخبيب بْن عدي، وعبد الله بْن طارق، فأعطوا بأيديهم فأسروهم، وخرجوا بهم إلى مكة، فلما صاروا بمر الظهران انتزع عَبْد اللهِ بْن طارق يده من القران، ثم أخذ سيفه، واستأخر عنه القوم ورموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بمر الظهران، وحملوا خبيب بْن عدي، وزيد بْن

الدثنة فباعوهما بمكة، وقد ذكرنا خبر خبيب وما لقي بمكة عند ذكر اسمه في كتاب الصحابة، وصلب خبيب رحمه الله بالتنعيم، وهو القائل حين قدم ليصلب: ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع في أبيات قد ذكرتها عند ذكره في كتاب الصحابة، وهو أول من سن الركعتين عند القتل، وقال له أَبُو سفيان بْن حرب: أَيَسُرُّكَ يا خبيب أن محمدا عندنا بمكة تضرب عنقه، وأنك سالم في أهلك؟ فقال: والله ما يسرني أني سالم في أهلي، وأن يصيب محمدا شوكة تؤذيه، وابتاع زيد بْن الدثنة صفوان بْن أمية فقتله بأبيه

بَعْثُ بئر معونة:

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بُجَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُنَيْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ عنْ أَنَسٍ قَالَ: " كَانَ شَبَابٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ، يَنْتَحُونَ نَاحِيَةً مِنَ الْمَدِينَةِ، يَحْسَبُ أَهْلُوهُمْ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَحْسَبُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَنَّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ، فَيُصَلُّونَ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى إِذَا قَارَبَ الصُّبْحُ احْتَطَبُوا الْحَطَبَ، وَاسْتَعْذَبُوا الْمَاءَ فَوَضَعُوهُ عَلَى أَبْوَابِ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَبَعَثَهُمْ جَمِيعًا إِلَى بِئْرِ مَعُونَةَ فَاسْتُشْهِدُوا، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلِهِمْ أَيَّامًا "

قَالَ سُنَيْدٌ: وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو الأَنْصَارِيَّ أَحَدَ بَنِي النَّجَّارِ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ فِي ثَلاثِينَ رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَخَرَجُوا فَلَقَوْا عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلابٍ عَلَى بِئْرِ مَعُونَةَ، وَهِيَ مِنْ مِيَاهِ بَنِي عَامِرٍ، فَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَأَصْحَابُهُ، إِلا ثَلاثَةَ نَفَرٍ كَانُوا فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ لَهُمْ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلا الطَّيْرُ تَحُومُ فِي السَّمَاءِ يَسْقُطُ مِنْ خَرَاطِيمِهَا عَلَقُ الدَّمِ، فَقَالَ أَحَدُ النَّفَرِ: قُتِلَ أَصْحَابُنَا وَالرَّحْمَنِ " ، وَذَكَرَ سُنَيْدٌ تَمَامَ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ، وَفِي بَنِي النَّضِيرِ، وسياق ابْنِ إسحاق لخبرهم أحسن وأبين، قَالَ ابن إسحاق:  وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بقية شوال، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر في آخر تمام السنة الثالثة من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد، وكان سبب ذلك، أن أبا براء الكلابي من بني كلاب بْن ربيعة بْن عامر بْن صعصعة، ويعرف بملاعب الأسنة، واسمه عامر بْن مالك بْن جعفر بْن كلاب، وفد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا مُحَمَّد، لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك لرجوت أن يستجيبوا لك، فقال عليه السلام: " إني أخشى عليهم أهل نجد " فقال أَبُو براء: أنا لهم جار، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنذر بْن عمرو الساعدي، وهو الذي يعرف " بالمعنق ليموت " لَقَبٌ غَلَبَ عليه، والأكثر يقولون: أعنق ليموت، في أربعين رجلا من المسلمين، وقد قيل: في سبعين رجلا من خيار المسلمين، منهم الحارث بْن الصمة، وحرام بْن ملحان، أخو أم سليم، وأم حرام، وعروة بْن أسماء بْن الصلت السلمي، ونافع بْن بديل بْن ورقاء الخزاعي، وعامر بْن فهيرة مولى أبي بكر الصديق، وَأَمَّرَ على جميعهم المنذرَ بْنَ عمرو، فنهضوا حتى نزلوا بئر معونة بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، وهي إلى حرة بني سليم أقرب، ثم بعثوا منها حرام بْن ملحان بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عدو الله عامر بْن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه، وقالوا: لن نخفر أبا براء، وقد عقد لهم عقدا وجوارا، فاستصرخ قبائل من بني سليم: عصية، ورعلا، وذكوان، فأجابوه إلى ذلك، فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ثم قاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم، إلا كَعْبَ بْن زيد أخا بني دينار بْن النجار، فإنهم تركوه وبه رمق، وارتث من بين القتلى، وعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا رحمه الله،  وكان في سرح القوم عمرو بْن أمية الضمري، ورجل من الأنصار من بني عمرو بْن عوف، وهو المنذر بْن مُحَمَّد بْن عقبة بْن أحيحة بْن الجلاح، فنظرا الطير تحوم على العسكر، فقالا: والله إن لهذه الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا، فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال المنذر بْن مُحَمَّد الأنصاري لعمرو بْن أمية الضمري: ما ترى؟ فقال: أرى أن نلحق برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: ما كنتُ لأرغب عن موطن قتل فيه المنذر بْن عمرو، ثم قاتل القوم حتى قتل، وأخذوا عمرو بْن أمية أسيرا، فلما أخبرهم أنه من مضر، أطلقه عامر بْن الطفيل، وجز ناصيته، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه، وخرج عمرو بْن أمية، حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بني عامر، وقيل: من بني سليم حتى نزلا معه في ظل هو فيه، وكان معهما عقد من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يعلم به عمرو بْن أمية، وكان قد سألهما حين نزلا: ممن أنتما؟ قالا: من بني عامر، فأمهلهما، حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى أنه قد أصاب منهما ثأره من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قدم عمرو بْن أمية على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبره الخبر، قَالَ: " لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ كَانَ لَهُمَا مِنِّي جِوَارٌ، لأَدِيَنَّهُمَا، هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوِّفًا " فبلغ أبا براء ما صنع عامر بْن الطفيل فشق عليه إخفاره إياه، وقال حسان بْن ثابت يحرض أبا براء على عامر بْن الطفيل: بني أم البنين ألم يرعكم وأنتم من ذوائب أهل نجد   تَهَكُّمُ عامر بأبي براء ليخفره وما خطأ كعمد ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي فما أَحْدَثْتَ في الحدثان بعدي أبوك أَبُو الحروب أَبُو براء وخالك ماجد حكم بْن سعد أم البنين هي أم أبي براء من بني عامر بْن صعصعة، فحمل ربيعة بْن أبي براء على عامر بْن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه فأشواه، ووقع عن فرسه، فقال: هذا عمل أبي براء، إن أنا مت فدمي لعمي فلا يتبعن به، وإن أعش فسأرى رأيي

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

غزوة بني النضير:

وكان سبب غزوة بني النضير، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قَالَ لعمرو بْن أمية: " لقد قتلت قتيلين، لأَدِيَنَّهُمَا " خرج إلى بني النضير مستعينا بهم في دية ذينك القتيلين، فلما كلمهم، قالوا: نعم يا أبا القاسم اجلس حتى تطعم وترجع بحاجتك، فنقوم ونتشاور ونصلح أمرنا فيما جئتنا له، فقعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبي بكر، وعمر، وعلي، ونفر من الأنصار إلى جدار من جدرهم، فاجتمع بنو النضير، وقالوا: مَنْ رَجُلٌ يَصْعَدُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ فَيُلْقِي عَلَى مُحَمَّدٍ صَخْرَةً فيقتله فيريحنا منه؟ فإنا لن نجده أقرب منه الآن، فانتدب لذلك عمرو بْن جحاش بْن كعب، فأوحى الله عز وجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما ائتمروا به من ذلك، فقام ولم يُشْعِرْ أحدا ممن معه، ونهض إلى المدينة، فلما استبطأه أصحابه وأرث عليهم خبره، أقبل رجل من المدينة فسألوه، فقال: لقيته وقد دخل أزقة المدينة، وقالت اليهود لأصحابه: لقد عجل أَبُو القاسم قبل أن نقيم له حاجته، فقام أصحابه ولحقوه بالمدينة، فأخبرهم بما أوحى الله عز وجل إليه مما أرادت اليهود فعله به، وأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بالتهيؤ لقتالهم وحربهم، وخرج إليهم، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وذلك في ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة، فتحصنوا منه في الحصون، فحاصرهم ست ليال، وأمر بقطع النخل وإحراقها، وحينئذ نزل تحريم

الخمر،

ودس عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول ومن معه من المنافقين إلى بني النضير: إنا معكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فاغتروا بذلك، فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم، فألقوا بأيديهم، وسألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكف عن دمائهم ويجليهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فاحتملوا كذلك إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، وكان ممن سار منهم إلى خيبر أكابرهم: حيي بْن أخطب، وسلام بْن أبي الحقيق، وكنانة بْن الربيع بْن أبي الحقيق، فدانت لهم خيبر، وقسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أموال بني النضير بين المهاجرين خاصة، إلا أنه أعطى منها أبا دجانة سماك بْن خرشة، وسهل بْن حنيف، وكانا فقيرين، وإنما قسمها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين، لأنهم إذ قدموا المدينة شاطرتهم الأنصار ثمارهم، وعلى ذلك بايعوا ليلة العقبة على نصرته ومواساة أصحابه، فرد المهاجرون على الأنصار ثمارهم، ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: يامين بْن عمير بْن كعب بْن عمرو بْن جحاش، وأبو سعد بْن وهب، أسلما فأحرزا أموالهما، وَذُكِرَ أن يامين بْن عمير جعل جعلا لمن قتل ابن عمه عمرو بْن جحاش لما هم به في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزلت سورة الحشر في بني النضير، قَالَ الله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ إلى قوله: لَئِنْ

أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ إلى قوله: وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ

سورة الحشر آية -، فكان إجلاء بني النضير أول الحشر في الدنيا إلى الشام، ولذلك قيل: الشام أرض الحشر

 

غزوة ذات الرقاع:

ثم أقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إجلاء بني النضير بالمدينة شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى صدر السنة الرابعة بعد الهجرة، ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة بْن سعد بْن غطفان، واستعمل على المدينة أبا ذر، وقيل: بل استعمل يومئذ عليها عثمان بْن عفان، والأول أكثر، ونهض عليه السلام حتى نزل نخلا، وإنما سميت هذه الغزوة ذات الرقاع، لأن أقدامهم نقبت، فكانوا يلفون عليها الخرق، وقيل: بل قيل لها ذات الرقاع، لأنهم رقعوا راياتهم فيها، ويقال: ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع تدعى ذات الرقاع، وقيل: بل الجبل الذي نزلوا عليه كانت أرضه ذات ألوان من حمرة، وصفرة، وسواد، فسموا غزوتهم تلك ذات الرقاع، والله أعلم، ولقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنخل جمعان من غطفان فتواقفوا، إلا أَنَّهُ لم يكن بينهم قتال، وصلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ صلاة الخوف، وقد أوضحنا اختلاف الروايات في التمهيد في هيئة صلاة الخوف يوم ذات الرقاع، وفي انصرافهم من تلك الغزوة أبطأ جمل جابر بْن عَبْد اللهِ، فنخسه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانطلق متقدما بين يدي الركاب،

 

ثم قَالَ له: " أَتَبِيعَنِيهِ؟ " فابتاعه منه، وقال: لك ظهره إلى المدينة، فلما وصل إلى المدينة أعطاه الثمن ووهب له الجمل، لم يأخذه منه، وفي هذه الغزاة أتى رجل من بني محارب بْن خصفة ليفتك برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشرط ذلك لقومه، وأخذ سيف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْلَتَهُ بعد أن استأذنه في أن ينظر إلى السيف، فلما أَصْلَتَهُ هَمَّ به فصرفه الله عنه ولحقه بُهْتٌ، فَقَالَ: من يمنعك مني يا مُحَمَّد؟ قَالَ: " الله " فَرُدَّ السيف في غمده، فقيل: فيه نزلت : {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ} الآية، وقيل: نزلت هذه الآية فيما أراد بنو النضير أن يفعلوا به من رمى الحجر عليه وهو جالس إلى حائط حصنهم

 

غزوة بدر الثالثة:

وكان أَبُو سفيان يوم أحد قد نادى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: موعدنا معكم بدر في العام المقبل، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ من ذات الرقاع بالمدينة بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا، ثم خرج في شعبان من السنة الرابعة للميعاد المذكور، واستعمل على المدينة عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول، ثم نهض حتى أتى بدرا فأقام هناك ثماني ليال، وخرج أَبُو سفيان بْن حرب في أهل مكة حتى بلغ عسفان، ثم انصرف واعتذر هو وأصحابه بأن العام عام جدب

 

غزوة دومة الجندل

: وانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة فأقام بها إلى أن انسلخ ذو الحجة من السنة الرابعة من الهجرة، ثم غزا عليه السلام دومة الجندل في ربيع الأول، وذلك أول السنة الخامسة من احتلاله المدينة، واستعمل على المدينة سباع بْن عرفطة، وانصرف عليه السلام من طريقه قبل أن يبلغ دومة الجندل، ولم يلق حربا

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

غزوة الخندق:

ثم كانت غزوة الخندق في شوال من السنة الخامسة، وكان سببها، أن نفرا من اليهود منهم كنانة بْن الربيع بْن أبي الحقيق، وسلام بْن مشكم، وحيي بْن أخطب النضريون، وهوذة بْن قيس، وأبو عمار من بني وائل، وهم كلهم يهود، وهم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا، خرجوا في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل فأتوا مكة، فدعوا قريشا إلى حرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك، فأجابهم أهل مكة إلى ذلك، ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك، فأجابوهم، فخرجت قريش يقودهم أَبُو سفيان بْن حرب، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بْن حصن بْن حذيفة بْن بدر الفزاري على فزارة، والحارث بْن عوف المري على بني مرة، ومسعود بْن رخيلة على أشجع، فلما سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باجتماعهم وخروجهم إليه،

شاور أصحابه، فأشار عليه سلمان بحفر الخندق، فرضي رأيه، وقال المهاجرون يومئذ: سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ " وعمل المسلمون في الخندق مجتهدين، ونكص المنافقون وجعلوا يتسللون لواذا، فنزلت فيهم آيات من القرآن، ذكرها ابن إسحاق وغيره، وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق، وكان فيه آيات بينات، وعلامات للنبوات مذكورات عند أهل السير والآثار، منها أن كدية اعتاصت على المسلمين فدعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها، فضربها بالفأس ضربة طار منها الشرار، وقطع منها الثلث، وقال: " اللهُ أَكْبَرُ، فُتِحَ قَيْصَرُ، وَاللهِ إِنِّي لأَرَى الْقُصُورَ الْحُمْرَ " ثم ضرب الثانية فقطع منها الثلث الثاني، وقال: " اللهُ أَكْبَرُ،

فُتِحَ كِسْرَى، وَاللهِ إِنِّي لأَرَى الْقُصُورَ الْبِيضَ " ثم ضرب الثالثة فقطع الثلث الباقي، وقال: " اللهُ أَكْبَرُ، فُتِحَ الْيَمَنُ، وَاللهِ إِنِّي لأَرَى بَابَ صَنْعَاءَ " وقد نصر الله عبده، وصدق وعده، والحمد لله رب العالمين، فلما فرغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون حتى نزلوا بظهر سلع في ثلاثة آلاف وضربوا عسكرهم، والخندق بينهم وبين المشركين، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وفي قول ابن شهاب: وخرج عدو الله حيي بْن أخطب النضري حتى أتى كعب بْن أسد القرظي، وكان صاحب عقد بني قريظة ورئيسهم، وكان

قد وادع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاقده وعاهده، فلما سمع كعب بْن أسد بحيي بْن أخطب، أغلق دونه باب حصنه وأبى أن يفتح له، فقال له: افتح لي يا كعب بْن أسد، فقال: لا أفتح لك، فإنك رجل مشئوم، تدعوني إلى خلاف مُحَمَّد، وأنا عاقدته وعاهدته ولم أر فيه إلا وفاء وصدقا، فلست بناقض ما بيني وبينه، فقال حيي: افتح لي حتى أكلمك فأنصرف عنك، قَالَ: لا أفعل، قَالَ: إنما تخاف أن آكل

معك جشيشتك، فغضب كعب وفتح له، فقال: إنما جئتك بعز الدهر، جئتك بقريش وسادتها، وغطفان وقادتها، قد تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه، فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر، وبجهام لا غيث فيه، ويحك يا حيي دعني، فلست بفاعل ما تدعوني إليه، فلم يزل حيي بكعب يعده ويغره حتى رجع إليه وعاهده على خذلان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وأن يصير معهم، وقال له حيي بْن أخطب: إن انصرفت قريش وغطفان، دخلت عندك بمن معي من يهود، فلما انتهى خبر كعب وحيي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين، بعث سعدَ بْن عبادة وهو سيد الخزرج، وسيد الأوس سعد بْن معاذ، وبعث معهما عَبْدَ اللهِ بْن رواحة، وخوات بْن جبير، وقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انطلقوا إلى بني قريظة، فإن كان ما قيل لنا حقا، فالحنوا

لنا لحنا نعرفه، ولا تفتوا في أعضاد المسلمين،

وإن كان كذبا، فاجهروا به للناس " فانطلقوا حتى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما قيل لهم عنهم، ونالوا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: لا عهد له عندنا، فشاتمهم سعد بْن معاذ وشاتموه، وكانت فيه حدة، فقال له سعد بْن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فالذي بيننا وبينهم أكبر من المشاتمة، ثم أقبل سعد وسعد حتى أتيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جماعة المسلمين، فقالا: عضل والقارة، يعرضان بغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيبٍ وأصحابِهِ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبشروا يا معشر المسلمين " وعظم عند ذلك البلاء، واشتد الخوف، وأتى المسلمين عدُوُّهُمْ من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى ظنوا بالله الظنون، وأظهر المنافقون كثيرا مما كانوا يسرون، فمنهم من قَالَ: إن بيوتنا عورة فلننصرف إليها، فإنا نخاف عليها، ومن قَالَ ذلك: أوس بْن قيظي إلا أنه مع ذلك ولد ولدا سيدا فاضلا، وهو عرابة بْن أوس، الذي قَالَ فيه الشاعر: إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين  وقد قيل: إن له صحبةً بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنهم من قَالَ: يعدنا مُحَمَّد أن نفتح كنز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط، وممن قَالَ ذلك: معتب بْن قشير أحد بني عمرو بْن عوف، وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقام

المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصا، فلما رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه اشتد على المسلمين البلاء، بعث إلى عيينة بْن حصن الفزاري، وإلى الحارث بْن عوف بْن أبي حارثة المري وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما من غطفان وأهل نجد ويرجعا بقومهما عنهم، وكانت هذه المقالة مراوضة ولم تكن عقدا، فلما رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهما قد أنابا ورضيا، أتى سعدَ بْن معاذ، وسعدَ بْن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما، فقالا: يا رسول الله هذا أمر تحبه فنصنعه لك، أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع، أو أمر تصنعه لنا، قَالَ: " بل أمر أصنعه لكم، والله ما أصنعه إلا لأنني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة " فقال له سعد بْن معاذ: يا رسول الله، والله لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد اللهَ ولا نعرفه، وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إلا بشراء أو قرى، فحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك نعطيهم أموالنا، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فسر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، وقال لهم: " أنتم وذاك " وقال لعيينة والحارث: " انصرفا، فليس لكم عندنا إلا السيف " وتناول الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها،

فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون على حالهم، والمشركون يحاصرونهم، ولا قتال منهم، إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بْن عَبْد ود العامري من بني عامر بْن لؤي، وعكرمة بْن أبي جهل، وهبيرة بْن أبي وهب، وضرار بْن الخطاب الفهري، وكانوا فرسان قريش وشجعانهم، أقبلوا حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: إن هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق، فضربوا خيلهم فاقتحمت منه، وصاروا بين الخندق وبين سلع، وخرج علي بْن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها، وأقبلت الفرسان نحوهم، وكان عمرو بْن عَبْد ود قد أثبتته الجراح يوم بدر فلم يشهد أحدا، وأراد يوم الخندق أن يرى مكانه، فلما وقف هو وخيله نادى: هل من مبارز؟ فبرز له علي بْن أبي طالب رضي الله عنه، وقال له: يا عمرو إنك عاهدت الله فيما بلغنا أنك لا تدعى إلى إحدى خلتين إلا أخذت إحداهما، قَالَ: نعم، وقال: إني أدعوك لله عز وجل والإسلام، قَالَ: لا حاجة لي بذلك، قَالَ: وأدعوك إلى البراز، قَالَ: يا بْن أخي، والله ما أحب أن أقتلك لما كان بيني وبين أبيك، فقال له علي: أنا والله أحب أن أقتلك، فحمي عمرو بْن عَبْد ود العامري، ونزل عن فرسه، وسار نحو علي فتنازلا، وتجاولا، وثار النقع بينهما حتى حال دونهما، فما انجلى النقع حتى رؤي علي على صدر عمرو يقطع رأسه، فلما رأى أصحابه أنه قد قتله علي، اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين، وقال علي رضي الله عنه في ذلك:

نَصَرَ الحجارة من سفاهة رأيه ونصرت دين مُحَمَّد بضراب لا تَحْسَبُنَّ الله خاذِلَ دينه ونبيه يا معشر الأحزاب نازلته وتركته متجدلا كالجذع بين دكادك وروابي، ورمي يومئذ سعد بْن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل، رماه حبان بْن قيس بْن العرقة أحد بني عامر بْن لؤي، فلما أصابه قَالَ له: خذها إليك وأنا ابن العرقة، فقال له سعد: عرق الله وجهك في النار، وقيل: بل الذي رماه أَبُو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم، ولحسان بْن ثابت مع صفية بنت عَبْد المطلب خبر طريف يومئذ، وكان حسان قد تخلف عن الخروج مع الخوالف بالمدينة، ذكره ابن إسحاق وطائفة من أهل السير، وقد أنكره منهم آخرون، فقالوا: لو كان في حسان من الجبن ما وصفتم لهجاه بذلك من كان يهاجيه في الجاهلية والإسلام، ولهجي بذلك ابنه عَبْد الرحمن، فإنه كان كثيرا ما يهاجي الناس من شعراء العرب، مثل النجاشي وغيره، وأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعيم بْن مسعود بْن عامر الأشجعي، فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، ولم يعلم قومي بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما أنت رجل واحد من غطفان، فلو خرجت فخذلت عنا كان أحب إلينا من بقائك، فاخرج فإن الحرب

خدعة " فخرج نعيم بْن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان ينادمهم

في الجاهلية، فقال: يا بني قريظة، قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: قل، فلست عندنا بمتهم، فقال لهم: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، وفيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب مُحَمَّد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، فإن رأوا نهزة أصابوا، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا، ثم خرج حتى أتى قريشا، فقال لهم: قد عرفتم ودي بكم معشر قريش، وفراقي محمدا، وقد بلغني أمر أرى من الحق أن أبلغكموه نصحا لكم، فاكتموا علي، قالوا: نفعل، قَالَ: أتعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما كان من خلافهم محمدا، وأرسلوا إليه إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رهنا رجالا ونسلمهم إليكم لتضربوا أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم؟ ثم أتى غطفان، فقال مثل ذلك، فلما كانت ليلة السبت، وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله وللمؤمنين، أرسل أَبُو سفيان إلى بني قريظة عكرمةَ بْنَ أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقول لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نفاجئ محمدا، فأرسلوا إليهم إن اليوم السبت، وقد

علمتم ما نال منا مَنْ تعدى في السبت، ومع ذلك فلا نقاتل معكم أحدا حتى تعطونا رهنا، فلما رجع الرسول بذاك، قالوا: صدقنا والله نعيم بْن مسعود، فردوا إليهم الرسل، وقالوا: والله لا نعطيكم رهنا أبدا، فاخرجوا معنا إن شئتم، وإلا فلا عهد بيننا وبينكم، فقال بنو قريظة: صدق والله نعيم بْن مسعود، وَخَذَّلَ بينهم، واختلفت كلمتهم، وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة البرد، فجعلت الريح تقلب أبنيتهم وتكفأ قدورهم،

فلما اتصل برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلاف أمرهم، بعث حذيفة بْن اليمان ليأتيه بخبرهم، فأتاهم واستتر في غمارهم، وسمع أبا سفيان، يقول: يا معشر قريش، ليتعرف كل امرئ منكم جليسه، قَالَ حذيفة: فأخذت بيد جليسي، وقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان، ثم قَالَ أَبُو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، ولقينا من هذه الريح ما ترون، ما يستمسك لنا بناء، ولا تثبت لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، فارتحلوا فإني مرتحل، ووثب على جمله، فما حل عقال يده إلا وهو قائم، قَالَ حذيفة: ولولا عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلي إذ بعثني، وقال لي: " مر إلى القوم فاعلم ما هم عليه، ولا تُحْدِثْ شيئا " لقتلته بسهم، ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند

رحيلهم، فوجدته قائما يصلي، فأخبرته، فحمد الله، ولما أصبح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد ذهب الأحزاب، رجع إلى المدينة، ووضع المسلمون سلاحهم، فأتاه جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صورة دحية الكلبي على بغلة عليها قطيفة ديباج، فقال له: يا مُحَمَّد، إن كنتم قد وضعتم سلاحكم فما وضعت الملائكة سلاحها، إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة، وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مناديا ينادي في الناس: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة، وكان سعد بْن معاذ إذ أصابه السهم دعا ربه، فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة  

===============

غزوة بني قريظة:

فخرج المسلمون مبادرين إلى بني قريظة، فطائفة خافوا فوات الوقت فصلوا، وطائفة قالوا: والله لا صلينا العصر إلا في بني قريظة، فبذلك أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم علم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باجتهادهم فلم يعنف واحدا منهم، وأعطى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراية علي بْن أبي طالب، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، ونهض علي وطائفة معه حتى أتوا بني قريظة ونازلوهم، وسمعوا سب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانصرف علي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا رسول الله، لا تبلغ إليهم، وَعَرَّضَ له، فقال له: " أَظُنُّكَ سَمِعْتَ مِنْهُمْ شَتْمِي، لَوْ رَأَوْنِي لَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ " ونهض إليهم، فلما رأوه، أمسكوا، فقال لهم: " نقضتم العهد يا إخوة القرود، أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته "، فقالوا: ما كنت جاهلا يا مُحَمَّد فلا تجهل علينا، ونزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة، وعرض عليهم سيدهم كعب بْن أسد ثلاث خصال ليختاروا أيها شاءوا: إما أن يسلموا ويتبعوا محمدا على ما جاء به فيسلموا، قَالَ: وتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم، فوالله إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه في كتابكم، وإما أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يتقدموا فيقاتلوا حتى يموتوا عن آخرهم، وإما أن يبيتوا المسلمين ليلة السبت في حين طمأنينتهم فيقتلوهم قتلا، فقالوا له: أما الإسلام فلا نسلم ولا نخالف حكم التوارة، وأما قتل أبنائنا ونسائنا فما جزاؤهم المساكين منا أن نقتلهم، ونحن لا نتعدى في السبت،

ثم بعثوا إلى أبي لبابة، وكانوا حلفاء بني عمرو بْن عوف وسائر الأوس، فأتاهم، فجمعوا إليه أبناءهم ورجالهم ونساءهم، وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم مُحَمَّد؟ فقال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح إن فعلتم، ثم ندم أَبُو لبابة في الحين، وعلم أنه خان الله ورسوله، وأنه أمر لا يستره الله عن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانطلق إلى

المدينة ولم يرجع إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فربط نفسه في سارية وأقسم لا يبرح مكانه حتى يتوب الله عليه، فكانت امرأته تحله لوقت كل صلاة، قَالَ ابن عيينة وغيره: فيه نزلت : {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} وأقسم أن لا يدخل أرض بني قريظة أبدا مكانا أصاب فيه الذم، فلما بلغ ذلك النبيَّ من فعل أبي لبابة، قَالَ: " أما إنه لو أتاني لاستغفرت له، وَأَمَّا إذ فعل فلست أُطْلِقُهُ حتى يطلقه الله " فأنزل الله تعالى في أمر أبي لبابة : {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} الآية، فلما نزل فيه القرآن، أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإطلاقه، ونزل في تلك الليلة التي في صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثعلبة وأسيد ابنا سعية وأسد بْن عبيد، وهم نفر من هدل بني عم قريظة والنضير، 

وليسوا من قريظة والنضير، نزلوا مسلمين فأحرزوا أموالهم وأنفسهم، وخرج في تلك الليلة عمرو بْن سعدي القرظي، ومر بحرس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه مُحَمَّد بْن مسلمة، وكان قد أبى أن يدخل فيما دخل فيه بنو قريظة، وقال: لا أغدر بمحمد أبدا، فقال له مُحَمَّد بْن مسلمة إذ عرفه: اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، فخرج على وجهه حتى بات في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذهب فلم يُرَ بعد ولم يعلم حيث سقط، وَذُكِرَ لرسول الله صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره، فقال: " ذلك رجل نجاه الله بوفائه "، فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتواثب الأوس إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: يا رسول الله، قد علمت أنهم حلفاؤنا، وقد شَفَّعْتَ عَبْدَ اللهِ بْن أبي بْن سلول في بني قينقاع حلفاء الخزرج، فلا يكن حظنا أوكس وأنقص عندك من حظ غيرنا، فهم موالينا، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر الأوس، ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ " قالوا: بلى، قَالَ: " فذلك إلى سعد بْن معاذ "، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب في مرضه من جرحه الذي أصابه في الخندق، فلما حَكَّمَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بني قريظة أتاه قومه فاحتملوه على حمار، وقد وطئوا له بوسادة من أدم، وكان رجلا جسيما، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحاطوا به في طريقهم، يقولون: يا أبا عمرو، أحسن في مواليك، فإنما ولاك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك لتحسن إليهم، فقال لهم: قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فرجع بعض من معه إلى ديار بني عَبْد الأشهل فنعى إليهم رجال بني قريظة، فلما أطل سعد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ للأنصار: قوموا إلى سيدكم، فقام

المسلمون، فقالوا: يا أبا عمرو،   إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم ما حكمت؟ قالوا: نعم، قَالَ: وعلى من هنا؟ من الناحية التي فيها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو معرض عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجلالا له، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم "، قَالَ سعد: فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتسبى الذراري والنساء، وتقسم الأموال، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة "، وأمر بهم رسول الله فأخرجوا إلى موضع سوق المدينة، فخندق بها خنادق، ثم أمر بهم النبي عليه السلام فضربت أعناقهم في تلك الخنادق، وقتل يومئذ حيي بْن أخطب، وكعب بْن أسد، وكانوا من الست مائة إلى السبع مائة، وقتل من نسائهم امرأة وهي بنانة امرأة الحكم القرظي، التي طرحت الرحى على خلاد بْن سويد فقتلته، وأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل كل من أنبت منهم، وترك كل من لم ينبت، وكان عطية القرظي من جملة من لم ينبت، فاستحياه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مذكور

في الصحابة، ووهب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لثابت بْن قيس بْن الشماس ولد الزبير بْن باطا فاستحياهم، منهم عَبْد الرحمن بْن الزبير، أسلم

وله صحبة، ووهب أيضا عليه السلام رفاعة بْن سموءل القرظي لأم المنذر سلمى بنت قيس، أخت سليط بْن قيس، من بني النجار، وكانت قد صلت القبلتين، فأسلم رفاعة، وله صحبة ورواية، وقسم عليه السلام أموال بني قريظة، فأسهم للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهما، وقد قيل للفارس سهمان، وللراجل سهم، وكانت الخيل للمسلمين يومئذ ستة وثلاثون فرسا، ووقع للنبي من سبيهم ريحانة بنت عمرو بْن خناقة إحدى بني عمرو بْن قريظة، فلم تزل عنده إلى أن مات صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: إن غنيمة قريظة هي أول غنيمة قسم فيها للفارس والراجل، وأول غنيمة جعل فيها الخمس لله ورسوله، وقد تقدم أن أول ذلك كان في بعث عَبْد اللهِ بْن جحش، والله أعلم، وتهذيب ذلك أن تكون غنيمة بني قريظة أول غنيمة فيها الخمس بعد نزول قوله تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ، وكان عَبْد اللهِ قد خمس قبل ذلك في بعثه، ثم نزل القرآن بمثل فعله، وذلك من فضائله رحمة الله عليه، وقد ذكرنا خبره في بابه من كتاب الصحابة، وكان فتح بني قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة من الهجرة، فلما تم أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الصالح سعد بْن معاذ، فانفجر جرحه، وانفتح عرقه فجرى دمه، ومات رضي الله عنه، وهو الذي أتى الحديث فيه أنه اهتز لموته عرش الرحمن، يعني سكان العرش من

الملائكة فرحوا بقدوم روحه واهتزوا له  


ذكر من استشهد من المسلمين يوم الخندق

سعد بْن معاذ أَبُو عمرو من بني عَبْد الأشهل، وأنس بْن أوس بْن عتيك، وعبد الله بْن سهل وكلاهما أيضا من بني عَبْد الأشهل، والطفيل بْن النعمان، وثعلبة بْن عنمة وكلاهما من بني سلمة، وكعب بْن زيد من بني دينار بْن النجار، أصابه سهم غرب فقتله

 

ذكر من قتل من المشركين يوم الخندق

وأصيب من المشركين يوم الخندق منبه بْن عثمان بْن عبيد بْن السباق بْن عَبْد الدار، أصابه سهم مات منه بمكة، وقد قيل: إنما هو عثمان بْن أمية بْن منبه بْن عبيد بْن السباق، ونوفل بْن عَبْد اللهِ بْن المغيرة المخزومي، اقتحم الخندق فقتل فيه، وعمرو بْن عَبْد ود قتله عَلِيٌّ مبارزة

 

شهداء يوم قريظة:

واستشهد من المسلمين يوم قريظة خلاد بْن سويد بْن ثعلبة بْن عمرو، من بني الحارث بْن الخزرج، طرحت عليه امرأة من بني قريظة رحى فقتلته، ومات في الحصار أَبُو سنان بْن محصن، فدفنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقبرة بني قريظة التي يتدافن المسلمون السكان بها اليوم، ولم يصب غير هذين، ولم يغز كفار قريش المسلمين بعد الخندق   بَعْثُ عَبْدِ اللهِ بْن عتيك إلى قتل أبي رافع سلام بْن أبي الحقيق اليهودي:

وانقضى شأن الخندق وقريظة، وكان أَبُو رافع سلام بْن أبي الحقيق ممن حزب الأحزاب وألب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بْن الأشرف في عداوته رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت الأوس والخزرج يتصاولان تصاول الفحول، لا تصنع الأوس شيئا فيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غناء إلا قالت الخزرج: والله لا يذهبون بذلك فضلا علينا، ولا ينتهون حتى يوقعوا مثله، وإذا فعلت الخزرج شيئا كفضل في الإسلام، أو بر عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت الأوس مثل ذلك،

فتذاكرت الخزرج مَنْ في العدواة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كابن الأشرف، فذكروا ابن أبي الحقيق، واستأذنوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قتله فأذن لهمْ، فخرج إليه خمسة نفر من الخزرج كلهم من بني سلمة وهم: عَبْد اللهِ بْن عتيك، وعبد الله بْن أنيس، وأبو قتادة بْن ربعي، ومسعود بْن سنان، وخزاعي بْن أسود حليف لهم من أسلم، وَأَمَّرَ عليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْن عتيك، ونهاهم عن قتل النساء والصبيان، فنهضوا حتى أتوا خيبر ليلا، وكان سلام في حصنه ساكنا في دار مع جماعة وهو في علية منها، فاستأذنوا عليه، فقالت امرأته: من أنتم؟ فقالوا: أناس من العرب يطلبون الميرة،

فقالت لهم: هذاكم صاحبكم فادخلوا، فلما دخلوا أغلقوا الباب على أنفسهم، فأيقنت بالشر وصاحت، فهموا بقتلها، ثم ذكروا نهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل النساء والولدان فأمسكوا عنها، ثم تعاوروه بأسيافهم وهو راقد على فراشه أبيض في سواد الليل كأنه قبطية، ووضع عَبْد اللهِ بْن عتيك سيفه في بطنه حتى أنفذه، وهو يقول: قطني قطني، ثم نزلوا، وكان عَبْد اللهِ بْن عتيك سيئ البصر، فوقع فَوَثِئَتْ رِجْلُهُ وَثَأً شَدِيدًا، فحمله أصحابه حتى أتوا منهرا من مناهرهم فدخلوا فيه واستتروا، وخرج أهل الآطام لصياح امرأته وأوقدوا النيران في كل جهة، فلما يئسوا رجعوا، فقال أصحاب ابن عتيك: كيف لنا أن نعلم أن عدو الله قد مات

؟ فرجع أحدهم فدخل بين الناس، فسمع امرأة ابن أبي الحقيق تقول: والله لقد سمعت صوت ابن عتيك، ثم أكذبت نفسي وقلت: أنى ابن عتيك بهذه البلاد؟ قَالَ: ثم إنها نظرت في وجهه، فقالت: فاظ وإله يهود، قَالَ: فسررت، وانصرفت إلى أصحابي فأخبرتهم بذلك، فرجعوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه، وتداعوا في قتله، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هاتوا أسيافكم " فأروه إياها، فقال عليه السلام عن سيف عَبْد اللهِ بْن أنيس: " هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام " وحديث البراء بْن عازب في قتل ابن أبي الحقيق بخلاف هذا المساق، والمعنى واحد 

 غزوة بني لحيان:

وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بعد فتح بني قريظة بقية ذي الحجة، والمحرم، وصفرا، وربيعا الأول، وربيعا الآخر، وخرج عليه السلام في جمادى الأولى في الشهر السادس من فتح بني قريظة، وهو الشهر الثالث من السنة السادسة من الهجرة، قاصدا إلى بني لحيان، مطالبا بثأر عاصم بْن ثابت، وخبيب بْن عدي، وأصحابهما المقتولين بالرجيع، فسلك عليه السلام على طريق الشام من المدينة على جبل يقال له غراب، ثم أخذ ذات الشمال، ثم سلك المحجة من طريق مكة، فأغذ السير حتى أتى وادي غران بين أمج وعسفان، وهي منازل بني لحيان، فوجدوهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال، فتمادى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مائتي راكب

حتى نزل عسفان، وبعث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلين من أصحابه فارسين حتى بلغا كراع الغميم، ثم كرا ورجعا، ورجع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قافلا إلى المدينة، وفي غزوة بني لحيان قالت الأنصار: المدينة خالية منا، وقد بعدنا عنها، ولا نأمن عدوا يخالفنا إليها، فأخبرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن على أنقاب المدينة ملائكة، على كل نقب منها ملك يحميها بأمر الله عز وجل

غزوة ذِي قَرَدَ:

ولما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بني لحيان، لم يبق بالمدينة إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بْن حصن في بني عَبْد اللهِ بْن غطفان، فاكتسحوا لقاحا كانت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالغابة، وكان فيها رجل من بني غفار وامرأة له، فقتلوا الغفاري، وحملوا المرأة واللقاح، وكان أول من أنذرهم سلمة بْن عمرو بْن الأكوع الأسلمي، كان ناهضا إلى الغابة، فلما علا ثنية الوداع نظر إلى خيل الكفار وأنذر المسلمين، ثم نهض في آثارهم فأبلى بلاء عظيما حتى استنقذ أكثر ما في أيديهم، ووقعت الصيحة بالمدينة، فكان أول من جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حين الصيحة المقداد بْن الأسود، ثم عباد بْن بشر وسعد بْن زيد الأشهليان، وأسيد بْن ظهير الأنصاري، وعكاشة بْن محصن الأسدي، ومحرز بْن نضلة الأسدي الأخرم، وأبو قتادة الحارث بْن ربعي، وأبو عياش الزريقي، واسمه عبيد بْن زيد بْن صامت، فلما اجتمعوا أَمَّرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم

سعد بْن زيد، وقيل: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى فرس أبي عياش الزريقي معاذ بْن ماعص أو عائذ بْن ماعص، وكان أحكم للفروسية من أبي عياش،

 

فأول من لحق بهم محرز بْن نضلة الأخرم، فقتل رحمه الله، قتله عَبْد الرحمن بْن عيينة بْن حصن، وكان على فرس لمحمود بْن مسلمة أخي مُحَمَّد بْن مسلمة، أخذه وكان صاحبه غائبا، فلما قتل رجع الفرس إلى آريه في بني عَبْد الأشهل، وقيل: بل أخذ الفرس عَبْد الرحمن بْن عيينة إذ قَتَلَ مُحْرِزَ بْن نضلة عليه وركبه، ثم قتل سلمة بْن الأكوع عَبْد الرحمن بْن عيينة بالرمي في خرجته تلك، واسترجع الفرس، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فرس لأبي طلحة، وقال: " إِنْ وَجَدْتُهُ لَبَحْرًا "، وانهزم المشركون، وبلغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماء يقال له: ذو قَرَدَ، ونحر ناقة من لقاحه المسترجعة، وأقام على ذلك الماء يوما وليلة، وكان الفضل في هذه الغزاة، والفعل الكريم، والظهور، والبلاء الحسن لسلمة بْن الأكوع، وَكُلُّهُمْ ما قَصَّرَ رضي الله عنهم، وكان المشركون قد أخذوا ناقة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العضباء في غارتهم تلك على سرح المدينة نجوا بها وبتلك المرأة الغفارية الأسيرة، امرأة الغفاري المقتول، وقد قيل: إنها لم تكن امرأة الغفاري المقتول، وإنما كانت امرأة أبي ذر، والأول قول ابن إسحاق وأهل السير، قَالَ: فنام القوم ليلة، وقامت المرأة فجعلت

لا تضع شيئا على بعير إلا رغا، حتى أتت العضباء، فإذا ناقة ذلول، فركبتها، ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة، عُرِفَتْ نَاقَةُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُخْبِرَ بذلك، فأرسل إليها، فجيء بها وبالمرأة، فقالت: يا رسول الله، نذرتُ إن نجاني الله أن أنحرها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بئس ما جَزَيْتِهَا، لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم "، وأخذ ناقته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

غزوة بني المصطلق من خزاعة

 

 ثم أقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة باقي جمادى الأولى ورجبا، ثم غزا بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة من الهجرة، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري، وقيل: بل نميلة بْن عَبْد اللهِ الليثي، وأغار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بني المصطلق وهم غارون، وهم على ماء يقال له: المريسيع من ناحية قديد مما يلي الساحل، فقتل من قتل منهم، وسبي النساء والذرية، وكان شعارهم يومئذ أَمِتْ، وقد قيل: إن بني المصطلق جمعوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما بلغه ذلك خرج إليهم، فلقيهم على ماء يقال له: المريسيع، فاقتتلوا، فهزمهم الله، والقول الأول أصح، أنه أغار عليهم وهم غارون، ومن ذلك السبي جويرية بنت الحارث بْن أبي ضرار سيد بني المصطلق، وقعت في سهم ثابت بْن قيس بْن شماس، فكابتها،

فأدى عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعتقها وتزوجها، وشهدت عائشة رضي الله عنها تلك الغزاة، قالت: ما هو إلا أن وقفت جويرية بباب الخباء تستعين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتابتها، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فرأيتُ على وجهها ملاحة وحسنا، فأيقنت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رآها أعجبته، فما هو إلا أن كلمته، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أو خير من ذلك أن أودي كتابتك وأتزوجك " قالت: وما رأيت أعظم بركة على قومها منها، فما هو إلا أن علم المسلمون أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه

ِ وَسَلَّمَ تزوجها فأعتقوا كل ما بأيديهم من سبي بني المصطلق، وقالوا: أصهار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلم سائر بني المصطلق، وقد اختلف في وقت هذه الغزاة، قيل: كانت قبل الخندق وقريظة، وقيل: كانت بعد ذلك وهو الصواب إن شاء الله، وقتل في هذه الغزاة هشام بْن صبابة الليثي خطأ، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة لم يعرفه وظنه من المشركين، وفي هذه الغزاة قَالَ عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وذلك لشر وقع بين جهجاه بْن مسعود الغفاري، وكان أجيرا لعمر بْن الخطاب رضي الله عنه، وبين سنان بْن وبر الجهني حليف بني عوف بْن الخزرج، فنادى جهجاه الغفاري: يا للمهاجرين، ونادى الجهني: يا للأنصار، وَبَلَّغَ زيدُ بْنُ أرقَمَ رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ مَقَالَةَ عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول، فأنكرها ابن أبي، فأنزل الله عز وجل فيه سورة المنافقين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزيد بْن أرقم: " وَفَتْ أُذُنُكَ يا غلام " وأخذ بأذنه، وتبرأ عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ بْن أبي من فعل أبيه، وأتى رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا رسول الله أنت والله العزيز وهو الذليل، أو قَالَ: أنت الأعز وهو الأذل، وإن شئت والله لنخرجنه من المدينة، وقال سعد بْن عبادة: يا رسول الله، إن هذا رجل يحمله   حسده على النفاق، فدعه إلى عمله، وقد كان قومه على أن يتوجوه بالخرز قبل قدومك المدينة ويقدموه على أنفسهم، فهو يرى أنك نزعت ذلك منه، وقد خاب وخسر إن كان يضمر خلاف ما يظهر، وقد أظهر الإيمان، فَكِلْهُ إلى ربه، وقال عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول: يا رسول الله، بلغني أنك تريد قتل أبي، فإن كنت تريد ذلك، فمرني بقتله، فوالله إن أمرتني بقتله لأقتلنه، وإني أخشى يا رسول الله إن قتله غيري أن لا أصبر عن طلب الثأر فأقتلَ مسلما فأدخلَ النار، وقد علمت الأنصار أني من أبر أبنائها بأبيه، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرا، ودعا له، وقال له: بر أباك، ولا يرى منك إلا خيرا، فلما وصل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون إلى المدينة من تلك الغزاة

، وقف عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ بْن أبي لأبيه بالطريق، وقال: والله لا تدخل المدينة حتى يأذن لك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدخول، فأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدخوله، وفي هذه الغزاة قَالَ أهل الإفك في عائشة رضي الله عنها ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، ونزل القرآن ببراءتها، ورواية من روى أن سعد بْن معاذ راجع في ذلك سعد بْن عبادة وهم وخطأ، وإنما تراجع في ذلك سعد بْن عبادة مع أسيد بْن حضير، كذلك ذكر ابن إسحاق، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن عبيد الله بْن عَبْد اللهِ وغيره، وهو الصحيح، لأن سعد بْن معاذ مات في منصرف رسول الله

 

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني قريظة، لا يختلفون في ذلك، ولم يدرك غزوة المريسيع ولا حضرها، وقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فقدم عليه مقيس بْن صبابة مظهرا للإسلام وطالبا لِدِيَةِ أخيه هشام بْن صبابة، فأمر له عليه السلام بالدية، فأخذها، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله وفر إلى مكة كافرا، وهو أحد الذين أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلهم في حين دخوله مكة، ثم بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني المصطلق بعد إسلامهم بأكثر من عامين الوليد بْن عقبة بْن أبي معيط مصدقا لهم، فخرجوا ليتلقوه ففزع منهم، وظن أنهم يريدونه بسوء، فرجع عنهم وأخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم ارتدوا، ومنعوا الزكاة، وهموا بقتله، فتكلم المسلمون

في غزوهم، فبينما هم كذلك إذ قدم وافدهم منكرا لرجوع مصدقهم عنهم دون أن يأخذ صدقاتهم، وأنهم إنما خرجوا إليه مكرمين له، فأكذبه الوليد بْن عقبة، فأنزل الله عز وجل : {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} يعني الوليد بْن عقبة {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} الآية

 

عمرة الحديبية:

فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة منصرفه من غزوة بني المصطلق رمضان وشوالا، وخرج في ذي القعدة معتمرا، فاستنفر الأعراب الذين حول المدينة، فأبطأ عنه أكثرهم، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب، وجميعهم نحو ألف وأربع مائة، وقيل: ألف وخمس مائة، وساق معه الهدي، وأحرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعمرة، ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب، فلما بلغ خروجه قريشا، خرج جمعهم صَادِّينَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المسجد الحرام ودخول مكة، وأنه إن قاتلهم قاتلوا دون ذلك، وقدموا خالد بْن الوليد في خيل إلى كراع الغميم، فورد الخبر بذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بعسفان، فسلك طريقا يخرج منه في ظهورهم، وخرج إلى الحديبية من أسفل مكة، وكان دليله فيه رجلا من أسلم، فلما بلغ ذلك خيل قريش التي مع خالد جرت إلى قريش تعلمهم بذلك،

 

ولما وصل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحديبية بركت ناقته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الناس: خَلأَتْ، خَلأَتْ

، فقال النبي عليه السلام: " ما خلأت وما هو لها بِخُلُقٍ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة رحم إلا أعطيتهم إياها "، ثم نزل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنالك، فقيل: يا رسول الله ليس بهذا الوادي ماء، فأخرج عليه السلام سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه، فجاش الماء الرواء، حتى كفى جميع أهل الجيش، وقيل: إن الذي نزل بالسهم في القليب ناجية بْن جندب بْن عمير الأسلمي، وهو سائق بدن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ، وقيل: نزل بالسهم في القليب البراء بْن عازب، ثم جرت الرسل والسفراء بين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين كفار قريش، وطال التراجع والتنازع إلى أن جاءه سهيل بْن عمرو العامري، فقاضاه على أن ينصرف عليه السلام عامه ذلك، فإذا كان من قابل أتى معتمرا، ودخل هو وأصحابه مكة بلا سلاح حاشا السيوف في قربها، فيقيم بها ثلاثا ويخرج، وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام، يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا، على أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلما من رجل أو امرأة رد إلى الكفار، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا لم يردوه إلى المسلمين، فعظم ذلك على المسلمين حتى كان لبعضهم فيه كلام، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم بما علمه الله من أنه سيجعل للمسلمين فرجا

، فقال لأصحابه: اصبروا، فإن الله يجعل هذا الصلح سببا إلى ظهور دينه، فأنس الناس إلى قوله بعد نفار منهم، وَأَبَى سهيل بْن عمرو أن يُكْتَبَ في صدر صحيفة الصلح: من مُحَمَّد رسول الله، وقال له:

 

لو صدقناك بذلك ما دفعناك عما تريد، ولا بد أن يُكْتَبَ: باسمك اللهم، فقال لعلي، وكان كاتب صحيفة الصلح: " امح يا علي، واكتب باسمك اللهم " وأبى علي أن يمحو بيده: رسول الله، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعرضه علي " فأشار إليه، فمحاه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، وأمره أن يكتب: من مُحَمَّد بْن عَبْد اللهِ، وأتى أَبُو جندل بْن سهيل يومئذ بأثر كتاب الصلح وهو يرسف في قيوده، فرده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبيه، فعظم ذلك على المسلمين، فأخبرهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبر أبا جندل أن الله سيجعل له فرجا ومخرجا، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بعث عثمان بْن عفان إلى مكة رسولا، فجاء خبر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن أهل مكة قتلوه، فدعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذ المسلمين للمبايعة على الحرب والقتال لأهل مكة، وَرُوِيَ أنه بايعهم على أن لا يفروا، وهي بيعة الرضوان تحت الشجرة التي أخبر الله عز وجل أنه رضي عن المبايعين لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحتها، وأخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم لا يدخلون النار، وضرب رسول

الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيمينه على شماله لعثمان، وقال: " هذه عن عثمان "، فهو كمن شهدها، ذكر وكيع، عن إسماعيل بْن أبي خالد، عن الشعبي، قَالَ: أول من بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية أَبُو سنان الأسدي، وذكر ابن هشام عن وكيع: كانت قريش قد جاء منهم نحو سبعين أو ثمانين رجلا للإيقاع بالمسلمين، وانتهاز الفرصة في أطرافهم، ففطن المسلمون لهم، فخرجوا فأخذوهم أسرى، وكان ذلك  والسفراء يمشون بينهم في الصلح، فأطلقهم رسول الله، فهم الذين يسمون العتقاء، وإليهم ينسب العتقيون فيم يزعمون، ومنهم معاوية وأبوه فيما ذكروا، فلما تم الصلح بين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين أهل مكة الذي تولى عقده لهم سهيل بْن عمرو على ما ذكروا، أَمَرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين أن ينحروا ويحلوا، ففعلوا بعد توقف كان بينهم أغضب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عليه السلام: " لو نحرت لنحروا " فنحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديه، فنحروا بنحره، وحلق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه، ودعا للمحلقين ثلاثا، وللمقصرين واحدة، قيل: إن الذي حلق رأسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ خراش بْن أمية بْن الفضل الخزاعي، ثم رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، فأتاه أَبُو بصير عتبة بْن أسيد بْن جارية الثقفي حليف لبني زهرة هاربا من مكة مسلما، وكان ممن حبس بمكة مع المسلمين

، فبعث فيه الأزهر بْن عَبْد عوف عم عَبْد الرحمن بْن عوف، والأخنس بْن شريق الثقفي رجلا من بني عامر بْن لؤي، ومولى لهم، فأتيا النبي عليه السلام فأسلمه إليهما على ما عقد في الصلح، فاحتملاه، فلما صاروا بذي الحليفة، قَالَ أَبُو بصير لأحد الرجلين: أرى سيفك هذا سيفا جيدا فأرنيه، فلما أراه إياه ضرب به العامري فقتله، وفر المولى، فأتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس في المسجد، فلما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: هذا رجل مذعور، ولقد أصاب هذا ذعر، فلما وصل إليه أخبره بما وقع، وقال: غدر بنا، وبينما هو يكلمه إذ وصل أَبُو بصير، فقال: يا رسول الله، قد وفت ذمتك وأطلقني الله عز وجل، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لو كان له رجال، أو قَالَ: أصحاب " فعلم أَبُو بصير

 

أنه سيرده، فخرج حتى أتى سيف البحر، موضعا يقال له: العيص من ناحية ذي المروة على طريق قريش إلى الشام، فجعل يقطع على رفاقهم، واستضاف إليه قوما من المسلمين الفارين عن قريش منهم أَبُو جندل بْن سهيل، فجعلوا لا يتركون لقريش عيرا ولا ميرة ولا مارا إلا قطعوا بهم، فكتبت في ذلك قريش إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: نرى أن تضمهم إليك إلى المدينة فقد آذونا، وأنزل الله تعالى بعد ذلك القرآن بفسخ الشرط المذكور في رد

النساء، فمنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ردهن، ثم نزلت سورة براءة فنسخ ذلك كله، ورد على كل ذي عهد عهده، وأن يمهلوا أربعة أشهر، ومن لم يستقم على عهده لا يستقام له، وهاجرت أم كلثوم بنت عقبة بْن أبي معيط، فأتى أخواها عمارة والوليد فيها ليؤدوها، فمنع الله عز وجل من رد النساء المؤمنات إلى الكفار إذا امتحن فوجدن مؤمنات، وأخبر أن ذلك لا يحل، وأمر المؤمنين أيضا أن لا يمسكوا بعصم الكوافر، ولا ينكحوا المشركات، يعني الوثنيات حتى يؤمن

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

غزوة خيبر:

وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد رجوعه من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم، وخرج في بقية منه غازيا إلى خيبر، ولم يبق من السنة السادسة من الهجرة إلا شهر وأيام، واستخلف على المدينة نميلة بْن عَبْد اللهِ الليثي، وذكر موسى بْن عقبة، قَالَ: لما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة منصرفه من الحديبية، مكث عشرين يوما أو قريبا منها، ثم خرج غازيا إلى خيبر، وكان الله عز وجل وعده إياها وهو بالحديبية، قَالَ أَبُو عمر: قَالَ الله عز وجل في أهل الحديبية : {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} ، فلم يختلف العلماء في أنها البيعة بالحديبية، قَالَ ابن قتيبة، وقتادة، وعكرمة، وغيرهم: كانت الشجرة سمرة كانت بالحديبية

{فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الرضا بأمر البيعة على أن لا يفروا، واطمأنت بذلك نفوسهم، فأثابهم فتحا قريبا خيبر، ووعدهم المغانم فيها {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} ، وقد روي عن ابن عباس ومجاهد في قوله : {وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} أنها المغانم التي تكون إلى يوم القيامة، وقالوا في قوله : {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا} فارس والروم، وما افتتحوا إلى اليوم، وقال عَبْد الرحمن بْن أبي ليلى، قَالَ: وقوله {فَتْحًا قَرِيبًا} خيبر، رَجَعَ الخبر إلى ابن إسحاق، قَالَ: فلما خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى خيبر، دفع رايته وكانت بيضاء إلى علي  بْن أبي طالب رضي الله عنه، وأخذ طريق الصهباء إلى وادي الرجيع، فنزل بين خيبر وغطفان لئلا يمدوهم، لأنه بلغه أن غطفان تريد إمداد يهود خيبر، ولما خرجوا لإمدادهم اختلفت كلمتهم، وأسمعهم الله عز وجل حسا من ورائهم، وهذا راعهم وأفزعهم، فانصرفوا إلى ديارهم فأقاموا بها، وأقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أشرف على خيبر مع الفجر وعمالهم غادون بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والجيش نادوا: مُحَمَّد والخميس معه، وأدبروا هربا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين "، وتحصنت يهود في حصونهم، وكانت حصونا كثيرة، فكان أول

حصن افتتحوه حصنا يسمى ناعما، وعنده قتل محمود بْن مسلمة أخو مُحَمَّد بْن مسلمة، ألقيت عليه رحى فشدخته رحمه الله، ثم حصنا يدعى القموص، وهو حصن بني أبي الحقيق، ومن سبايا ذلك الحصن كانت صفية بنت حيي بْن أخطب، وكانت تحت كنانة بْن الربيع بْن أبي الحقيق، أصابها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبِنْتَيْ عم لها، فوهب صفية لدحية بْن خليفة الكلبي، ثم ابتاعها منه بسبعة أرؤس، ثم أردفها خلفه وألقى عليها رداءه، فعلم أصحابه أنه اصطفاها لنفسه، وجعلها عند أم سليم حتى اعتدت وأسلمت ثم أعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، وهذه مسألة اختلف الفقهاء فيها، فمنهم من جعل ذلك خصوصا له كما خص بالموهوبة، ومنهم من جعل ذلك سنة لمن شاء من أمته، ثم فتح حصن الصعب بْن معاذ، ولم يكن في حصون خيبر أكثر طعاما وودكا منه، ووقف إلى بعض حصونهم فامتنع عليهم فتحه، ولقوا فيه شدة، فأعطى رايته أبا بكر الصديق، فنهض بها وقاتل واجتهد، ولم يفتح عليه، ثم أعطى الراية عمر، فقاتل ثم رجع ولم يفتح له وقد

 

جهد، فحينئذ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار، يفتح الله عز وجل على يديه "، فلما أصبح دعا عليا وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم قَالَ: " خذ الراية فامض بها حتى يفتح الله بها عليك "،

ذكر هذا الخبر ابن إسحاق، قَالَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، وَذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَايَتِهِ إِلَى حِصْنٍ مِنْ حُصُونِ خَيْبَرَ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ، خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ وَقَاتَلَهُمْ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَأَلْقَى تُرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ فَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي نَفَرٍ مَعِي سَبْعَةٌ وَأَنَا ثَامِنُهُمْ، نَجْتَهِدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا نَقْلِبُهُ "

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ، وَزِيَادٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَالأُمَوِيِّ عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ جَابِرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ جَابِرٌ خَيْبَرَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ هُوَ الَّذِي قَتَلَ مَرْحَبًا الْيَهُودِيَّ بِخَيْبَرَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ لِهَذَا " يَعْنِي مَرْحَبًا الْيَهُودِيَّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ أَطْلُبُ الثَّأْرَ، قَتَلَ أَخِي بِالأَمْسِ، قَالَ: " فَقُمْ إِلَيْهِ "، فَنَهَضَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَتَقَاتَلا، وَكَانَا يَسْتَتِرَانِ بِشَجَرَةٍ، فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ، كُلَّمَا لاذَ بِهَا مِنْهُ اقْتَطَعَ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ مِنْهَا حَتَّى ذَهَبَتْ أَغْصَانُهَا، وَبَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَحَمَلَ

 

مَرْحَبٌ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَهُ، فَاتَّقَاهُ بِالدَّرَقَةِ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا فَعَضَّتْ بِهِ وَأَمْسَكَتْهُ، وَضَرَبَهُ مُحَمَّدٌ فَقَتَلَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ، ثُمَّ بَرَزَ أَخُو مَرْحَبٍ وَاسْمُهُ يَاسِرٌ، فَدَعَا إِلَى الْبِرَازِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ ، هذا ما ذكره ابن إسحاق في قتل مرحب اليهودي بخيبر، وخالفه غيره، فقال: بل قتله علي بْن أبي طالب وهو الصحيح عندنا

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَمَّا نَزَلَ بِحِصْنِ خَيْبَرَ: " لأُعْطِيَنَّ اللِّوَاءَ غَدًا رَجُلا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ تَطَاوَلَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَدَعَا عَلِيًّا وَهُوَ أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ وَأَعْطَاهُ اللِّوَاءَ، وَنَهَضَ مَعَهُ النَّاسُ فَلَقُوا أَهْلَ خَيْبَرَ، فَإِذَا مَرْحَبٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يَرْتَجِزُ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السَّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ

إِذَا السُّيُوفُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ،

فَاخْتَلَفَ هُوَ وَعَلِيٌّ ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى عَضَّ السَّيْفُ بِأَضْرَاسِهِ، وَسَمِعَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ صَوْتَ ضَرْبَتِهِ، قَالَ: فَمَا تَتَامَّ النَّاسُ حَتَّى فَتَحُوا لَهُمْ "

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ:

 

لَمَّا خَرَجَ عَمِّي عَامِرُ بْنُ سِنَانٍ إِلَى خَيْبَرَ، بَارَزَ يَوْمًا مَرْحَبًا الْيَهُودِيَّ، فَقَالَ مَرْحَبٌ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ، وَقَالَ عَمِّي: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغَاوِرُ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ، وَرَجَعَ سَيْفُ عَامِرٍ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ، قَالَ سَلَمَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وقال: " لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ "، قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَخَرَجَ مَرْحَبٌ يَخْطُرُ بِسَيْفِهِ، وَقَالَ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحَ بَطَلٌ مُجَرَّب

إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ،

وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ

أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

فَفَلَقَ رَأْسَ مَرْحَبٍ بِالسَّيْفِ، وَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدِ عَلِيٍّ قَالَ ابن إسحاق: وآخر ما افتتح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حصونهم الوطيح والسلالم،  وقال موسى بْن عقبة: حاصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصون خيبر بضع عشرة ليلة، وكان بعضها صلحا وأكثرها عنوة، ذكر ذلك عن ابن شهاب، وقال ابن إسحاق: قسم رسول الله أرض خيبر كلها، لأنه غلب على جميعها عنوة، وحاصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل خيبر في حصنهم الوطيح، حتى إذا أيقنوا بالهلكة، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم، ففعل

 

مقاسم خيبر وأموالها:

وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حاز الأموال كلها الشق، ونطاة، والكتيبة، وجميع حصونهم إلا ما كان من ذينك الحصنين، فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله يسألونه أن يسيرهم، وأن يحقن لهم دماءهم، ويحلوا له الأموال، ففعل، وكان فيمن مشى بين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبينهم في ذلك محيصة بْن مسعود، أخو بني حارثة، قَالَ: فلما نزل أهل خيبر على ذلك، سألوا رسول الله أن يعاملهم في الأموال على النصف، فعاملهم، وقال لهم: " على أَنَّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم "، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، وكانت خيبر فيئا بين المسلمين، وكانت فدك خاصة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، قَالَ أَبُو عمر: هذا هو الصحيح في أرض خيبر، أنها كانت عنوة كلها مغلوبا عليها، بخلاف فدك، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم جميع أرضها على الغانمين لها الموجفين بالخيل والركاب، وهم أهل الحديبية، ولم يختلف العلماء في أن أرض خيبر مقسومة، وإنما اختلفوا هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف؟ فقال الكوفيون: الإمام مخير بين قسمتها كما

 

فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأرض خيبر، وبين إيقافها كما فعل عمر بسواد العراق، وقال الشَّافِعِيُّ: تقسم الأرض كلها كما قسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، لأن

الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار، وذهب مالك إلى إيقافها اتباعا لعمر، لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة بما فعل عمر في جماعة من الصحابة في إيقافها لمن يأتي بعده من المسلمين،

وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: " لَوْلا أَنْ يُتْرَكَ آخِرُ النَّاسِ لا شَيْءَ لَهُمْ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ قَرْيَةً إِلا قَسَمْتُهَا سُهْمَانًا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ سُهْمَانًا " وهذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانا كما قَالَ ابن إسحاق، وأما قول من قَالَ: إن خيبر كان بعضها صلحا وبعضها عنوة، فقد وهم وغلط، وإنما دخلت عليه الشبهة بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم، فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين، ظن أن ذلك صلح، ولعمري إنه في الرجال والنساء والذرية لضرب من الصلح، ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال، فكان حكم أرض ذينك الحصنين كحكم سائر أرض خيبر كلها غنيمة مغلوبا عليها عنوة مقسومة بين أهلها، وربما شبه على من قَالَ: إن نصف خيبر صلح، ونصفها عنوة بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفًا لَهُ، وَنِصْفًا لِلْمُسْلِمِينَ " وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ النِّصْفَ لَهُ مَعَ سَائِرِ مَنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ مَعَهُ، لأَنَّهَا قُسِمَتْ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ سَهْمًا، فَوَقَعَ سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٍ مَعَهُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا

مِنْهَا، وَوقع سائر الناس في باقيها، وكلهم ممن شهد الحديبية، ثم شهد خيبر، وليست الحصون  التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال صلحا، ولو كانت صلحا لملكها أهلها، كما يملك أهل الصلح أراضيهم وسائر أموالهم، فالحق في هذا والصواب ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى وغيره عن ابن شهاب، والله أعلم، قَالَ أَبُو عمر: قسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، وأخرج الخمس مما قسم، ولم يقدر أهلها على عمارتها وعملها، فأقر اليهود فيها على العمل في النخل والأرض، وقال لهم: " أقركم ما أقركم الله "، ثم أذن الله له في مرضه الذي مات فيه بإخراجهم، فقال: " لا يبقين دينان بأرض العرب "، وقال عليه السلام: " أخرجوا اليهود والنصارى من أرض الحجاز " ولم يكن بقي يومئذ بها مشرك وثنى، ولا بأرض اليمن أيضا إلا أسلم في سنة تسع وسنة عشر، فلما بلغ عمرَ بْنَ الخطاب رضي الله عنه في خلافته قوله عليه السلام: " أخرجوا اليهود والنصارى من أرض العرب " أجلاهم عنها، فأخذ المسلمون سهامهم في خيبر فتصرفوا فيها تصرف المالكين، قَالَ ابن إسحاق: وكان المتولي للقسمة بخيبر جبار بْن صخر الأنصاري من بني سلمة، وزيد بْن ثابت من بني النجار كانا حاسبين قاسمين، وكانت قسمة خيبر لأهل الحديبية من حضر الوقيعة بخيبر ومن لم يحضرها، لأن الله أعطاهم ذلك في سفر الحديبية، ولذلك قَالَ موسى بْن عقبة: لم يقسم من خيبر

شيء إلا لمن شهد الحديبية، وروى ذلك عن جماعة من السلف

 

قَالَ ابن إسحاق: فوقع سهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمر، وعلي، وطلحة، وعبد الرحمن بْن عوف، وعاصم بْن عدي، وسهام بني سلمة، وسهام بني حارثة، وبني ساعدة، وبني النجار، وغفار، وأسلم، وجهينة، واللفيف، كلها وقعت في الشق، ووقع سهم أبي بكر، والزبير، وسهام بني بياضة، وبني الحارث بْن الخزرج، ومزينة، بالنطاة، وَلِذِكْرِ سهامهم وأقسامهم موضع غير هذا، وكان عبيد بْن أوس من بني حارثة قد اشترى يومئذ من سهام الناس سهاما كثيرة، فسمى يومئذ عبيد السهام، واشترى عمر بْن الخطاب مائة سهم من سهام المسلمين، فهي صدقته الباقية إلى اليوم، وأما فدك فلم يُوجَفْ عليها بخيل ولا ركاب، فكانت كبني النضير خالصة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن العجب قول من قَالَ: إن الكتيبة لم تفتح عنوة، وإنها من صدقات النبي عليه السلام، إلا أن ينزل سهم النبي عليه السلام فيها مع المؤمنين، وإلا فلا وجه لقوله غير هذا، وبالله التوفيق، وفي غزوة خيبر حرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحوم الحمر الأهلية، لم تختلف الآثار في ذلك، واختلف في حين تحريم المتعة بعد إباحتها، وقد ذكرنا الآثار بذلك في التمهيد، وفيها أهدت اليهودية زينب بنت الحارث امرأة سلام بْن مشكم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشاة المصلية، وسمت له منها الذراع

، وكان أحبَّ اللحم إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما تناول الذراع ولاكها لفظها ورمى بها، وقال: " إِنَّ هَذَا الْعَظْمَ يُخْبِرُنِي أَنَّهُ مَسْمُومٌ، وَدَعَا بِالْيَهُودِيَّةِ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى هَذَا؟ " فقالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا، وعلمت أن الله إن أراد بقاءك أعلمك، فلم يقتلها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكل من الشاة معه بِشْرُ بْن البراء بْن معرور فمات من أكلته تلك، وكان المسلمون يوم خيبر ألفا وأربع مائة راجل ومائتي فارس

 

تسمية من استشهد من المسلمين يوم خيبر:

ربيعة بْن أكثم بْن سخبرة الأسدي من بني غنم بْن دودان بْن أسد بْن خزيمة، وثقف بْن عمرو، ورفاعة بْن مسروح، وكلهم من بني أسد حلفاء لبني عَبْد شمس، ومسعود بْن ربيعة القاري، من القارة، حليف لبني زهرة، وعبد الله بْن الهبيب، ويقال: ابن أهيب الليثي، حليف لبني أسد بْن عبد العزى بْن قصي وابن أختهم، وبشر بْن البراء بْن معرور من بني سلمة مات من أكله مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشاة المسمومة، وفضيل بْن النعمان من بني سلمة أيضا، ومسعود بْن سعد بْن قيس الأنصاري الزرقي، ومحمود بْن مسلمة بْن خالد أخو مُحَمَّد بْن مسلمة من الأوس، حليف لبني عَبْد الأشهل، وأبو ضياح ثابت بْن ثابت بْن النعمان من بني عمرو بْن عوف من أهل قباء، ومبشر بْن عَبْد المنذر بْن دينار من بني مالك بْن عمرو بْن عوف، والحارث بْن

حاطب، وأوس بْن قتادة، وعروة بْن مرة بْن سراقة، وأوس بْن الفاكه، وأنيف بْن حبيب، وثابت بْن واثلة بْن طلحة، والأسود الراعي واسمه أسلم، وكل هؤلاء من بني عمرو بْن عوف، ومن بني غفار عمارة بْن عقبة بْن حارثة، أصابه سهم فقتله، وَمِنْ أَسْلَمَ عَامِرُ بْن الأكوع

 

قدوم بقية المهاجرين إلى الحبشة:

وقدم جعفر بْن أبي طالب في جماعة من أرض الحبشة بإثر فتح خيبر، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والله ما أدري أبقدوم جعفر أنا أُسَرُّ وأفرح؟ أم بفتح خيبر؟ "، وقدم مع

جعفر امرأته أسماء بنت عميس وابنها عَبْد اللهِ بْن جعفر، وخالد بْن سعد بْن العاصي بْن أمية معه امرأته أمينة بنت خلف وابناها سعيد وأمية، وعمرو بْن سعيد بْن العاصي بْن أمية، وكانت امرأته فاطمة بنت صفوان الكنانية قد ماتت بأرض الحبشة، ومعيقيب بْن أبي فاطمة حليف آل سعيد بْن العاصي، وأبو موسى الأشعري، قيل: إنه حليف عتبة بْن ربيعة، والأسود بْن نوفل بْن خويلد بْن أسد، وجهم بْن قيس بْن عَبْد شرحبيل العبدري، وابناه عمرو بْن جهم وخزيمة بْن جهم، وكانت امرأة جهم بْن قيس أم حرملة بنت عَبْد الأسود قد هلكت بأرض الحبشة، والحارث بْن خالد بْن صخر التيمي، وكانت امرأته ريطة بنت الحارث بْن جبيلة قد هلكت بأرض الحبشة، وعثمان بْن ربيعة بْن أهبان الجمحي، ومحمية بْن جزء الزبيدي حليف لبني سهم بْن هصيص، ولاه رسول الله صَلَّى

اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخمس، ومعمر بْن عَبْد اللهِ بْن نضلة العدوي، وأبو حاطب بْن عمرو بْن عَبْد شمس العامري، ومالك بْن زمعة بْن قيس العامري، ومعه امرأته عمرة بنت السعدي بْن وقدان، وطائفة معهم، وقد أتى من مهاجرة قبل ذلك بسنتين سائرهم، وكان هؤلاء آخر من بقي بها منهم

 

فتح فدك:

ولما اتصل بأهل فدك ما فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأهل خيبر، بعثوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليؤمنهم، فأجابهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك، وكانت فدك مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، مما أفاء الله عليه بما نصره به من الرعب، فلم يقسمها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووضعها حيث أمره الله عز وجل،

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَايَا بَنِي النَّضِيرِ وَخَيْبَرَ وَفَدَكٍ "

 

فتح وادي القرى

وانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر إلى وادي القرى فافتتحها عنوة، وقسمها، وأصيب بها غلام له أسود يسمى مدعما، أصابه سهم غُرْبٌ فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال النبي عليه السلام: " والذي نفسي بيده إن الشَّمْلَةَ التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، وإنها لتشتعل عليه الآن نارا

 

فلما رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة من خيبر، أقام بها شهري ربيع، وشهري جمادى، ورجبا، وشعبان، ورمضان، وشوالا، وبعث في خلال ذلك السرايا، ثم خرج عليه السلام في ذي القعدة من السنة السابعة من الهجرة قاصدا إلى مكة للعمرة على ما عاقد عليه قريشا في الحديبية، فلما اتصل ذلك بقريش، خرج أكابرهم عن مكة عداوةً لله ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يقدروا على الصبر في رؤيته يطوف بالبيت هو وأصحابه، فدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة، وأتم الله عمرته، وقعد بعض المشركين بِقُعَيْقِعَانَ ينظرون إلى المسلمين وهم يطوفون بالبيت، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرَّمَلِ، لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ أن بهم قوةً، وكان المشركون قالوا في المهاجرين: قد وهنتهم حمى يثرب، وتزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوته تلك ميمونة بنت الحارث بْن حزن الهلالية، قيل: تزوجها قبل أن يحرم بعمرة القضاء، وقيل: بل تزوجها وهو محرم، وقد أوضحنا ذلك في كتاب التمهيد، وفي كتاب الصحابة

أيضا عند ذكرها رضي الله عنها، فلما تمت الثلاثة أيام، أوجبت عليه قريش أن يخرج عن مكة، ولم يمهلوه أن يبني بها، وبنى بها بسرف

 

إسلام عمرو بْن العاص، وخالد بْن الوليد، وعثمان بْن طلحة،

وقيل: أسلم قبل عمرة القضاء، وقيل: بعدها، عمرو بْن العاص، وخالد بْن الوليد، وعثمان بْن طلحة

 

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

غزوة مؤتة:

فلما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عمرة القضاء أقام بالمدينة ذا الحجة، والمحرم، وصفرا، وشهري ربيع، ثم بعث عليه السلام في جمادى الآخرة من السنة الثامنة من الهجرة بَعْثَ الأمراء إلى الشام، وَأَمَّرَ على الجيش زيد بْن حارثة مولاه، وقال: " إن قتل أو أصيب فعلى الناس جعفر بْن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بْن رواحة "، وشيعهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وودعهم، ثم انصرف، ونهضوا، فلما بلغوا معان من أرض الشام، أتاهم الخبر بأن هرقل ملك الروم في ناحية البلقاء، وهو في مائة ألف من الروم، ومائة ألف أخرى من نصارى العرب أهل البلقاء من لخم، وجذام، وقبائل قضاعة من بهراء، وبلي، وبلقين وعليهم رجل من بني إراشة من بلي، يقال له: مالك بْن رافلة، فأقام المسلمون في معان ليلتين، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونخبره بعدد عدونا فيأمرنا بأمره أو يمدنا، فقال لهم عَبْد اللهِ بْن رواحة: يا قوم، إن التي تطلبون قد أدركتموها

، يعني الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانْطَلِقُوا فهي إحدى الحسنيين: إما ظهور، وإما شهادة، فوافقه الجيش كله على هذا الرأي،

 

ونهضوا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقوا الجموع التي ذكرناها كلها مع هرقل إلى جنب قرية يقال لها: مشارف، وصار المسلمون في قرية يقال لها: مؤتة، فجعل المسلمون على ميمنتهم قطبة بْن قتادة العذري، وعلى الميسرة عباية بْن مالك الأنصاري، وقيل: عبادة بْن مالك، واقتتلوا، فقتل الأمير الأول زيد بْن حارثة ملاقيا بصدره الرماح، مقبلا غير مدبر والراية في يده، فأخذها جعفر بْن أبي طالب، ونزل عن فرس له يقال لها: شقراء، وقيل: إنه عرقيها وعقرها، وقاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره، فقطعت، فاحتضن الراية، فقتل كذلك رضي الله عنه، وَسِنُّهُ ثلاث وثلاثون أو أربع وثلاثون سنة، فأخذ الرايةَ عَبْدُ اللهِ بْن رواحة، وتردد عن النزول بعض التردد، ثم صمم، فقاتل حتى قتل، فأخذ الراية ثابت بْن أقرم أخو بني العجلان، وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت، قَالَ: لا، فدفع الراية إلى خالد بْن الوليد، وقال: أنت أعلم بالقتال مني، فأخذها خالد بْن الوليد وانحاز بالمسلمين، وأنذر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بالمدينة، يخبرهم بقتل الأمراء المذكورين في يوم قتلهم قبل ورود الخبر بأيام

 

تسمية من استشهد بمؤتة:

زيد بْن حارثة، وجعفر بْن أبي طالب، وعبد الله بْن رواحة، ومسعود بْن الأسود بْن حارثة من بني عدي بْن كعب من الأنصار، ووهب بْن سعد بْن أبي سرح العامري، وعباد بْن قيس من بني الحارث بْن الخزرج بْن النعمان من بني مالك بْن النجار، وسراقة بْن عمرو بْن عطية من بني مازن بْن النجار، وأبو كليب، وقيل: أَبُو كلاب، وأخوه جابر ابنا عمرو بْن زيد من بني مازن من النجار، وعمرو وعامر ابنا سعد بْن الحارث من بني النجار، هؤلاء من ذكر منهم، وكان عدة المسلمين يوم مؤتة ثلاثة آلاف

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

غزوة فتح مكة:

فأقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بعد بعث مؤتة جمادى، ورجبا، ثم حدث الأمر الذي أوجب نقض عقد قريش المعقود يوم الحديبية، وذلك أن خزاعة كانت في عقد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنها وكافرها، وكانت بنو بكر بْن عَبْد مناة بْن كنانة في عقد قريش، فعدت بنو بكر بْن عَبْد مناة على قوم من خزاعة على ماء لهم بأسفل مكة، وكان سبب ذلك أن رجلا يقال له: مالك بْن عباد الحضرمي، حليفا لآل الأسود بْن رزن، خرج تاجرا، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه، فقتلوه، وأخذوا ماله، وذلك قبل الإسلام بمدة، فعدت بنو بكر بْن عَبْد مناة رهط الأسود بْن رزن على رجل من خزاعة، فقتلوه بمالك بْن عباد، فعدت خزاعة على سلمى، وكلثوم، وذؤيب بني الأسود بْن

رزن فقتلوهم، وهؤلاء الإخوة أشراف بني كنانة، كانوا يودون في الجاهلية ديتين ديتين، ويودي سائرهم دية دية، وذلك كله قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام حجز ما بَيْنَ مَنْ ذكرنا لشغل الناس به، فلما كانت الهدنة المنعقدة يوم الحديبية، أمن الناس بعضهم بعضا، فاغتنم بنو الديل من بني بكر بْن عَبْد مناة تلك الفرصة وغفلة خزاعة، وأردوا إدراك ثأر بني الأسود بْن رزن، فخرج نوفل بْن معاوية الديلي بمن أطاعه من بني بكر بْن عَبْد مناة حتى بيت خزاعة ونال منهم، فاقتتلوا، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح، وقوم من قريش أعانوهم بأنفسهم مستخفين، فانهزمت خزاعة إلى الحرم، فقال قوم نوفل بْن معاوية لنوفل: يا نوفل، اتق إلهك ولا تستحل   الحرم، ودع خزاعة، فقال: لا إله لي اليوم، والله يا بني كنانة إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تدركون فيه ثأركم؟ فقتلوا رجلا من خزاعة يقال له: منبه، ودخلت خزاعة دور مكة في دار بديل بْن ورقاء الخزاعي، ودار مولى لهم يسمى رافعا، وكان ذلك نقضا للصلح الواقع يوم الحديبية، فخرج عمرو بْن سالم الخزاعي، وبديل بْن ورقاء الخزاعي، وقوم من خزاعة، فقدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستغيثين به مما أصابهم به بنو بكر بْن عَبْد مناة وقريش، وأنشده عمرو بْن سالم الشعر الذي ذكرته في بابه من كتاب الصحابة، فأجابهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى نصرهم، وقال: " لا ينصرني الله إن

لم أنصر بني كعب، ثم نظر إلى سحابة، فقال: إنها لتستهل بنصرتي كعبا، يعني خزاعة، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبديل بْن ورقاء ومن معه: إن أبا سفيان سيأتي ليشد العقد ويزيد في مدة الصلح وسينصرف بغير حاجة "، وندمت قريش على ما فعلت، فخرج أَبُو سفيان إلى المدينة ليشد العقد ويزيد في المدة، فلقي بديل بْن ورقاء بعسفان، فكتمه بديل مَسِيرَهُ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخبره أنه إنما سار بخزاعة على الساحل، فنهض أَبُو سفيان حتى أتى المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها، فذهب ليقعد على فراش رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فطوته

عنه، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس عليه، فقال لها: يا بنية، لقد أصابك بعدي شر، ثم أتى النبيَّ عليه السلام في المسجد فكلمه، فلم يجبه بكلمة، ثم ذهب أَبُو سفيان إلى أبي بكر فكلمه في أن يكلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أتى له، فأبى عليه أَبُو بكر من ذلك، فلقي عمر فكلمه في ذلك، فقال له عمر: أنا أفعل هذا؟ والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، فدخل على علي بْن أبي طالب رضي الله عنه فوجده وفاطمةَ بنتَ رسول

الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحسن وهو صبي فكلمه فيما أتى له، فقال له علي: والله ما أستطيع أن أكلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمر قد عزم عليه، فالتفت أَبُو سفيان إلى فاطمة، فقال: يا بنت مُحَمَّد، هل لك أن تأمري بُنَيَّكِ هذا فيجير على الناس؟ فقالت له: ما بلغ بنيي ذلك، وما يجير أحد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له علي: يا أبا سفيان، أنت سيد بني كنانة، فقم فأجر على الناس، والحق بأرضك، وهزئ به، فقال له: يا أبا الحسن، أترى ذلك نافعي ومغنيا عني شيئا؟ قَالَ: ما أظن ذلك، ولكن لا أجد لك سواه، فقام أَبُو سفيان في المسجد، فقال: يا أيها الناس، إني قد أجرت على الناس، ثم ركب وانطلق راجعا إلى مكة، فلما قدمها أخبر قريشا بما لقي وبما فعل، فقالوا له: ما جئت بشيء، وما زاد علي بْن أبي طالب على أن لعب بك، ثم أعلن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسير إلى مكة، وأمر الناس بالجهاز لذلك، ودعا الله تعالى في أن يأخذ عن قريش الأخبار ويستر عنهم خروجه، فكتب حاطب بْن أبي بلتعة إلى قريش كتابا يخبرهم بقصد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم،

 

فنزل جبريل من عند الله تعالى على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما صنع حاطب بْن أبي بلتعة، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بْن أبي طالب، والزبير بْن العوام، والمقداد بْن عمرو، فقال لهم: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب إلى قريش، فانطلقوا، فلما أتوا روضة خاخ وجدوا المرأة، فأناخوا بها، وفتشوا رحلها كله فلم يجدوا شيئا، فقالوا: والله ما كذب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لها علي: والله لَتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لنلقين الثياب، فحلت قرون رأسها فأخرجت الكتاب منها، فأتوا به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا هو كتاب من حاطب بْن أبي بلتعة إلى أهل مكة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذا يا حاطب؟ " فقال حاطب: والله يا رسول الله ما شككت في الإسلام، ولا رجعت عن ديني، ولكني كنت ملصقا في قريش، فأردت أن أتخذ عندهم بذلك يدا يحفظونني بها في شأفتي بمكة، لأن أهلي وولدي بها، فقال عمر بْن الخطاب: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما يدريك يا عمر؟ لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم "، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عشرة آلاف، واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بْن حصين الغفاري، وكان خروجه لعشر خلت من رمضان، فصام عليه السلام

 

حتى بلغ الكديد بين عسفان وأمج، ثم أفطر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد صلاة العصر، وشرب

على راحلته علانية ليراه الناس، وقال: " تَقَوَّوْا لعدوكم "، وأمر الناس بالفطر، فأفطر بعضهم وصام بعضهم، فلم يعب على الصائم ولا على المفطر، فلما نزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر الظهران ومعه من بني سليم ألف رجل، ومن بني مزينة ألف رجل وثلاثة رجال، وقيل: من بني سليم سبع مائة، ومن بني غفار أربع مائة، ومن أسلم أربع مائة، وطوائف من قيس، وأسد، وتميم، وغيرهم من سائر العرب، وقد أخفى الله عز وجل خبره عن قريش، إلا أنهم عَلَى وَجَلٍ وارتقاب، خرج أَبُو سفيان، وبديل بْن ورقاء، وحكيم بْن حزام يتجسسون الأخبار، وقد كان العباس بْن عَبْد المطلب هاجر مسلما في تلك الأيام، فلقي رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي الحليفة، فبعث ثقله إلى المدينة وانصرف مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غازيا، فالعباس من المهاجرين قبل الفتح، وقيل: بل لقيه بالجحفة مهاجرا، وذكر أيضا أن أبا سفيان بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، وعبد الله بْن أبي أمية بْن المغيرة أخا أم سلمة خرجا أيضا مهاجرين، ولقيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض الطريق قرب مكة، فأعرض عنهما، فلما نزل استأذنا عليه فلم يأذن لهما، فكلمته أم سلمة فيهما، وقالت: لا يكون ابن عمك وأخي أشقى الناس بك، فقد جاءا مسلمين، فأذن لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلما وحسن إسلامهما،

 

فلما نزل رسول الله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجيوش مر الظهران، رَقَتْ نفس العباس لقريش، وَأَسِفَ على ذهابها، وخاف أن تغشاهم الجيوش قبل أن يستأمنوا، فركب بغلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونهض، فلما أتى الأراك وهو يطمع أن يلقى حطابا أو صاحب لبن يأتي مكة فينذرهم، فبينما هو يمشي إذ سمع صوت أبي سفيان صخر بْن حرب، وبديل بْن ورقاء وهما يتساءلان وقد رأيا نيران عسكر النبي عليه السلام، وبديل يريد أن يستر ذلك، فيقول: إنما هي نيران خزاعة، ويقول له أَبُو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون لها هذه النيران، فلما سمع العباس كلامه ناداه: يا أبا حنظلة، فميز أَبُو سفيان كلامه فناداه: يا أبا الفضل، فقال: نعم، فقال له: فداك أبي وأمي، فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس وأصباح قريش، فقال أَبُو سفيان: فما الحيلة؟ فقال له العباس: هذه والله لئن ظفر بك ليقتلنك، فَارْتَدِفْ خلفي وانهض معي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأردفه العباس ولقي به العسكر، فلما رأى الناس العباس على بغلة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمسكوا، ومر على نار عمر، ونظر عمر إلى أبي سفيان فميزه، فقال: أَبُو سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسابقه العباس فسبقه العباس على البغلة

، وكان عمر بطيئا في الجري، فدخل العباس، ودخل عمر على أثره، فقال: يا رسول الله، هذا عدو الله

 

أَبُو سفيان، قد أمكن الله منه بلا عقد ولا عهد، فأذن لي أضرب عنقه، فقال له العباس: مهلا يا عمر، فوالله لو كان من بني عدي بْن كعب ما قلت هذا، ولكنه من بني عَبْد مناف، فقال عمر: مهلا، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إسلام الخطاب لو أسلم، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العباس أن يحمله إلى رحله ويأتيه به صباحا، ففعل العباس ذلك، فلما أصبح أتى به النبي عليه السلام، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألم يأن لك بأن تعلم أن لا إله إلا الله؟ "، فقال أَبُو سفيان: بأبي أنت وأمي ما أحلمك، وما أكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره لقد أغناني، قَالَ: " ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ "، قَالَ: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه فإن في النفس منها شيئا حتى الآن، فقال له العباس: أسلم قبل أن تضرب عنقك، فأسلم، فقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان يحب الفخر

، فاجعل له شيئا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمه: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن "، فكان هذا منه أمانا لكل من لم يقاتل من أهل مكة، ولهذا قَالَ جماعة من أهل العلم منهم الشافعي رحمه الله: إن مكة مُؤَمَّنَةٌ وليست عنوة، والأمان كالصلح، وروى أن أهلها مالكون رباعهم، ولذلك كان يجيز كراها لأربابها، وبيعها وشراءها، لأن من أمن فقد حرم ماله، ودمه، وذريته، وعياله، فمكة مؤمنة عند من قَالَ بهذا القول إلا الذين استثناهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمر بقتلهم، وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة، وأكثر أهل العلم يرون فتح مكة عنوة، لأنها أخذت غلبة بالخيل والركاب، إلا أنها مخصوصة بأن لم يجر فيها قسم غنيمة، ولا سُبِيَ من

 

أهلها أحد، وخصت بذلك لما عظم الله من حرمتها، ألا ترى إلى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مكة حرام محرمة، لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة "، والأصح والله أعلم أنها بلدة مؤمنة، أمن أهلها على أنفسهم، وأمنت أموالهم تبعا لهم، ولا خلاف في أنه لم يكن فيها غنيمة، ثم أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العباس أن يوقف أبا سفيان بخطم الوادي ليرى جيوش الله تعالى، ففعل ذلك العباس، وعرض عليه قبيلة

قبيلة، يقول: هؤلاء سليم، هؤلاء غفار، هؤلاء تميم، هؤلاء مزينة، إلى أن جاء موكب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المهاجرين والأنصار خاصة كلهم في الدروع والبيض، فقال أَبُو سفيان: من هؤلاء؟ فقال: هذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المهاجرين والأنصار، فقال أَبُو سفيان: والله ما لأحد بهؤلاء قبل، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما، فقال العباس: يا أبا سفيان، إنها النبوة، قَالَ: فنعم إذن، ثم قَالَ له العباس: يا أبا سفيان، النجاء إلى قومك، فأسرع أَبُو سفيان، فلما أتى مكة عرفهم بما أحاط بهم، وأخبرهم بتأمين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل من دخل داره، أو المسجد، أو دار أبي سفيان، وَتَأَبَّشَ قوم ليقاتلوا، فبلغ ذلك رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرتب الجيوش، وجعل الراية بيد سعد بْن عبادة، وكان من قول سعد بْن عبادة: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، فقال العباس: يا رسول الله، هلكت قريش، لا قريش بعد اليوم، إن سعد بْن عبادة قَالَ كذا وكذا، وإنه حنق على قريش، ولا بد أن يستأصلهم، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تنزع الراية من سعد بْن عبادة وتدفع إلى علي، وقيل: بل إلى الزبير، وقيل: بل دفعها إلى ابنه قيس بْن سعد لئلا يجد سعد في نفسه شيئا، وكان الزبير على

الميمنة،

 

وخالد بْن الوليد على الميسرة، وقد قيل: إن الزبير كان على الميسرة، وخالد بْن الوليد على الميمنة، وفيها أَسْلَمُ، وغفار، ومزينة، وجهينة، وكان أَبُو عبيدة بْن الجراح على مقدمة موكب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجيوش من ذي طوى، وأمر الزبير بالدخول من كداء في أعلى مكة، وأمر خالد بْن الوليد ليدخل من الليط أسفل مكة، وأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتال من قاتلهم، ولهذا كله يقول أكثر العلماء: إنها افتتحت عنوة، وإنها مخصوصة دون سائر البلدان بما خصت به دون غيرها، وكان عكرمة بْن أبي جهل، وصفوان بْن أمية، وسهيل بْن عمر قد جمعوا جمعا بالخندمة ليقاتلوا، فناوشهم أصحاب خالد القتال، فأصيب من المسلمين رجلان، وهما كرز بْن جابر من بني محارب بْن فهر بْن مالك، وخنيس بْن خالد بْن ربيعة بْن أصرم الخزاعي حليف بني منقذ، خرجا عن جيش خالد فقتلا رحمة الله عليهما، وقتل أيضا من المسلمين سلمة بْن الميلاء الجهني، وقتل من المشركين ثلاثة عشر رجلا، ثم انهزموا، وهذه سبيل العنوة في غير مكة، وكان شعار المهاجرين يوم الفتح، وحنين، والطائف: يا بني عَبْد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عَبْد اللهِ، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله، وكان الذين استثناهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أمن الناس: عبد العزى بْن خطل وهو من بني الأدرم بْن

غالب، وعبد الله بْن سعد بْن أبي سرح، وعكرمة بْن أبي جهل، والحويرث بْن نقيذ بْن وهب بْن عَبْد بْن قصي، ومقيس بْن صبابة، وَقَيْنَتَيِ ابْن خطل: فرتنى وصاحبتها، كانتا تغنيان ابْن خطل بهجو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسارة مولاة لبعض ابْن عَبْد المطلب،

 

أما ابن خطل فإنه كان أسلم، وبعثه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصدقا، وبعث معه رجلا من المسلمين فعدا عليه فقتله، وارتد، ولحق بالمشركين بمكة، فوجد يوم الفتح متعلقا بأستار الكعبة، فقتله سعيد بْن حريث المخزومي، وأبو برزة الأسلمي، وأما عَبْد اللهِ بْن سعد بْن أبي سرح فكان يكتب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم لحق بمكة مرتدا، فلما كان يوم الفتح اختفى، ثم أتى به عثمان بْن عفان النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أخاه من الرضاعة، فاستأمن له رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسكت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعة ثم أمنه وبايعه، فلما خرج قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: " هلا قام بعضكم فضرب عنقه؟ "، فقال رجل من الأنصار: هلا أَوْمَأْتَ إِلَيَّ؟ فقال عليه السلام: " ما كان لنبي أن يكون له خائنة الأعين "، ثم عاش عَبْد اللهِ بْن سعد حتى استعمله عمر، ثم ولاه عثمان مصر، وهو الذي غزا إفريقية وافتتحها أول مرة، وحسن إسلامه، ولم يظهر منه بعد في دينه شيء يكره، وأما عكرمة بْن أبي

جهل ففر إلى اليمن، فاتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بْن هشام فردته، فأسلم وحسن إسلامه، وكان من فضلاء الصحابة، وأما الحويرث بْن نقيذ فكان يؤذي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة، فقتله علي بْن أبي طالب يوم الفتح، وأما مقيس بْن صبابة فكان قد أتى النبي عليه السلام قبل ذلك مسلما، ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله بعد أن أخذ الدية منه في قتيل له، ثم لحق بمكة مرتدا، فقتله يوم الفتح نميلة بْن عَبْد اللهِ الليثي، وهو ابن عمه، وفي سننه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: " لا أعفى أحدا قَتَلَ بعد أخذ الدية "، هذا من المسلمين، وأما مقيس بْن صبابة فارتد، وقتل بعد أخذ الدية،

 

وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما، واستؤمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأخرى فأمنها، فعاشت مدة ثم ماتت في حياة النبي عليه السلام، وأما سارة فاستؤمن لها أيضا وأمنها عليه السلام، وعاشت إلى أن أَوْطَأَهَا رَجُلٌ فَرَسًا بالأبطح في زمان عمر فماتت، واستتر رجلان من بني مخزوم عند أم هانئ بنت أبي طالب فأجارتهما وأمنتهما، فأمضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمانها، وقال: " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، وأمنا من أمنت "، وكان علي أراد قتلهما، قيل: إنهما الحارث بْن هشام، وزهير بْن أبي أمية أخو أم سلمة، وأسلما وكانا من خيار المسلمين، وقيل: إن أحدهما جعدة بْن هبيرة،

والأول أصح، وطاف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكعبة، ودعا عثمان بْن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة بعد أن مانعته أمه ذلك ثم أسلمته، فدخل النبي الكعبة ومعه أسامة بْن زيد، وبلال بْن رباح، وعثمان بْن طلحة، ولا أحد معه غيرهم، فأغلق الباب عليه وصلى داخلها ركعتين، ثم خرج وخرجوا، ورد المفتاح إلى عثمان بْن طلحة، وأبقى له حجابة البيت، وقال: " خذوها خالدة تالدة إلى يوم القيامة "، فهي إلى الآن في ولد شيبة بْن عثمان بْن طلحة، وأمر عليه السلام بكسر الصور التي داخل الكعبة وحولها، وكسر الأصنام التي حول الكعبة وبمكة كلها، وكانت الأصنام التي في الكعبة مشدودة بالرصاص، وكان يشير إليها بقضيب في يده، فكلما أشار إلى واحد منها خر لوجهه، وكان يقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، وأذن له بلال على ظهر الكعبة، وخطب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثاني يوم الفتح خطبة مشهورة عند أهل الأثر والعلم بالخبر، فوضع مآثر الجاهلية حاشا سدانة البيت وسقاية الحاج، وأخبر

 

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن مكة لم يحل فيها القتال لأحد قبله، ولا يحل لأحد بعده، وإنما حل له القتال فيها ساعة من نهار، ثم عادت كحرمتها بالأمس، لا يسفك فيها دم، وَمِنْ أحسن ما رُوِيَ من خطبته مختصرا ما

رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ وَغَيْرُه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، أَمَرَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فَوَقَفَ تَحْتَ صَدْرِ رَاحِلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَجُلا صَيِّتًا، فَقَالَ: " يَا رَبِيعَةُ قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ نَبِيَّ اللهِ يَقُولُ لَكُمْ: أَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ وَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ وَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ فَنَادَى بِذَلِكَ، فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، هَذَا الْبَلَدُ الْحَرَامُ، وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، ثم قَالَ: اللهُمَّ اشْهَدْ، أَيُّهَا النَّاسُ ، {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ} أَلا وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، الثَّلاثَةُ مُتَوَالِيَةٌ وَرَجَبٌ مُنْفَرِدٌ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ فَيَقُولُ النَّاسُ: نَعَمْ، قَالَ: اللهُمَّ اشْهَدْ " وتوقعت الأنصار أن يبقى النبي عليه السلام بمكة، فأخبرهم أن المحيا محياهم، وأن الممات مماتهم، ومر عليه السلام بفضالة بْن عمير بْن الملوح الليثي وهو عازم على الفتك برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: ما تحدث به نفسك؟ قَالَ: لا شيء، كنت أذكر

الله عز وجل، فضحك النبي عليه السلام، وقال: أستغفر الله لك، ووضع يده عليه السلام على صدر فضالة، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما أجد على ظهر الأرض أحب إلي منه، وهرب صفوان بْن أمية إلى اليمن، فاتبعه عمير بْن وهب الجمحي بتأمين رسول الله

 

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه، فرجع، فأكرمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال له: انزل يا أبا وهب، فقال: إن هذا يخبرني عنك أنك تمهلني شهرين، قَالَ: بل لك أربعة أشهر، وهرب ابن الزبعري الشاعر إلى نجران، ثم رجع فأسلم، وهرب هبيرة بْن أبي وهب المخزومي زوج أم هاني بنت أبي طالب إلى اليمن فمات هناك كافرا، ثم بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السرايا حول مكة يدعو إلى الإسلام، ولم يأمرهم بقتال، وكان أحد أمراء تلك السرايا خالد بْن الوليد خرج إلى بني جذيمة بْن عامر بْن عَبْد مناة بْن كنانة، فقتل منهم وسبا، وقد كانوا أسلموا، ولم يقبل خالد قولهم وإقرارهم بالإسلام، فوادهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ علي بْن أبي طالب رضي الله عنه بمال إليهم، فودى لهم جميع قتلاهم، ورد إليهم ما أخذ منهم، وقال لهم علي: انظروا إن فقدتم عقالا لأدينه، فبهذا أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورفع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه، فقال: اللهم إني أبرأ إليك من صنع خالد،

ثم بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بْن الوليد إلى العزى، وكان بيتا بنخلة تعظمه قريش وكنانة وجميع مضر، وكان سدنته بنو شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم، فهدمه، وكان فتح مكة لعشر بقين من رمضان سنة ثمان من الهجرة

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

غزوة حنين:

فلما بلغ هوازنَ فَتْحُ مكة جَمَعَهُمْ مالك بْن عوف النصري من بني نصر بْن معاوية، فاجتمع إليه قومه بنو نصر، وبنو جشم، وبنو سعد بْن بكر، وثقيف، وطائفة من بني هلال بْن عامر، ولم يشهدها من قيس غير هؤلاء، وغابت عن ذلك عقيل وقشير ابنا كعب بْن ربيعة بْن عامر، وبنو كلاب بْن ربيعة بْن عامر، وسائر إخوتهم، فلم يحضرهم من كعب وقشير وكلاب أحد يذكر، وحملت بنو جشم مع أنفسهم شيخهم وكبيرهم دريد بْن الصمة، وهو يومئذ شيخ كبير لا ينتفع به في غير رأيه، حملوه في هودج لضعف جسمه، وكان في ثقيف سيدان لهم في الأحلاف، أحدهما قارب بْن الأسود بْن مسعود بْن معتب، والآخر ذو الخمار سبيع بْن الحارث بْن مالك، وكانت الرياسة في جميع العسكر إلى مالك بْن عوف النصري، فَحَشَدَ مَنْ ذَكَرْنَا وساق مع الكفار أموالهم، وماشيتهم، ونساءهم، وأولادهم، وزعم أن ذلك لتحمى به نفوسهم، وتشد في القتال عن ذلك شوكتهم، ونزلوا بأوطاس، فقال لهم دريد بْن الصمة: ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قالوا: ساق مالك مع الناس أموالهم

وعيالهم، قَالَ: أين مالك؟ قيل هذا مالك، فسأله: لم فعلت ذلك؟ فقال مالك: ليقاتلوا عن أهليهم وأموالهم، فقال دريد: راعي ضأن والله، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، ثم قَالَ: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا:

 

لم يشهدها منهم أحد، قَالَ دريد: غاب الحد والجد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كلاب وكعب، فمن شهدها من بني عامر؟ قالوا: عمرو بْن عامر، وعوف بْن عامر، قَالَ: ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران، يا مالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا، ارفعهم إلى ممتنع بلادهم، وعليا قومهم، ثم الْقَ الصُّبَاةَ على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك، فأبى ذلك مالك، وخالفت هوازن دريدا واتبعوه، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يغب عني، يا ليتني فيها جَذَعْ أَخُبُّ فيها وَأَضَعْ، وبعث إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللهِ بْن أبي حدرد الأسلمي عشاء، فأتى بعد أن عرف مذاهبهم، وأخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما شاهده منهم، فعزم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قصدهم، واستعار من صفوان بْن أمية بْن خلف الجمحي دروعا،

قيل: مائة درع، وقيل: أربع مائة، وخرج النبي عليه السلام في اثنى عشر ألفا من المسلمين، منهم عشرة آلاف صحبوه من المدينة، وألفان من مسلمة الفتح، إلى ما انضاف إليه من الأعراب من سليم، وبني كلاب، وعبس، وذبيان، واستعمل على مكة عتاب بْن أسيد بْن أبي العيص بْن أمية، ونهض صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقدمته مزينة، وفي الميمنة

 

بنو أسد، وفي الميسرة بنو سليم وعبس وذبيان، وفي مخرجه هذا رأى جهال الأعراب شجرة خضراء، وكان لهم في الجاهلية شجرة معروفة تسمى ذات أنواط، يخرج إليها الكفار يوما معلوما في السنة يعظمونها، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال عليه السلام: " الله أكبر، والذي نفسي بيده كما قَالَ قوم موسى : {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} قَالَ: إنكم قوم تجهلون، لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " ثم نهض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أتى وادي حنين، وهو واد من أودية تهامة، وكانت هوازن قد كمنت في جنبي الوادي، وذلك في غبش الصبح، فحملت على المسلمين حملة رجل واحد، فانهزم جمهور المسلمين ولم يلو أحد على أحد، وثبت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بكر، وعمر، ومن أهل بيته علي، والعباس، وأبو سفيان بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، وابنه

جعفر، وأسامة بْن زيد، وأيمن بْن عبيد، وهو أيمن بْن أم أيمن، قتل يومئذ بحنين، والفضل بْن العباس، وقيل في موضع جعفر بْن أبي سفيان قثم بْن العباس، ولم ينهزم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أحد من هؤلاء، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته الشهباء واسمها دُلْدُل، والعباس آخذ بحكمتها، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: " أيها الناس، إلى أين أيها الناس؟ أنا رسول الله، وأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وأمر العباس وكان جهير الصوت أن ينادي: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة، وبعضهم يرويه: يا أصحاب السَّمُرَةِ، وقد قيل: إنه نادى يومئذ: يا معشر المهاجرين، كما نادى: يا معشر الأنصار، فلما سمعوا الصوت أجابوا: لبيك، لبيك، وكانت الدعوة أولا: يا للأنصار، ثم

خصصت بِأَخَرَةٍ: يا للخزرج، قَالَ ابن شهاب: وكانوا أصبر عند الحروب، فلما ذهبوا ليرجعوا، كان الرجل منهم لا يستطيع أن ينفذ ببعيره لكثرة الأعراب المنهزمين، فكان يأخذ درعه فيلبسها، ويأخذ سيفه ومجنه ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله ويكر راجعا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا اجتمع حواليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة رجل أو نحوهم استقبلوا هوازن بالضرب، واشتدت الحرب، وكثر الطعن والجلاد، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ركائبه، فنظر إلى مجتلد القوم، فقال: " الآن حمي الوطيس

" وضرب عليُّ بْن أبي طالب عرقوب جمل صاحب الراية أو فرسه فصرعه، ولحق به رجل من الأنصار فاشتركا في قتله، وأخذ علي الراية، وقذف الله عز وجل في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ واجههم وواجهوه صاح بهم صيحة، ورمى في وجوههم بالحصا، فلم يملكوا أنفسهم، وفي ذلك يقول الله عز وجل : {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} وروينا من وجوه عن بعض من أسلم من المشركين ممن شهد حنينا، قَالَ وقد سئل عن يوم حنين: لقينا المسلمين، فما لبثنا أن هزمناهم وأتبعناهم حتى وصلنا إلى رجل راكب على بغلة بيضاء، فلما رآنا زجرنا زجرة وانتهزنا، وأخذ بكفه حصا أو ترابا فرمانا به، وقال: شاهت الوجوه، شاهت الوجوه، فلم تبق عين إلا دخلها من ذلك، فما ملكنا أنفسنا أن رجعنا على أعقابنا، وما استوفى رجوع المسلمين إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وأسرى هوازن بين يديه، وثبتت أم سليم في جملة من ثبت أول الأمر محتزمة ممسكة بعيرا لأبي طلحة، وفي يدها خنجر، وانهزمت هوازن، وملك العيال والأموال، واستحر القتل في بني مالك من ثقيف، فقتل منهم

خاصة يومئذ سبعون رجلا، منهم رئيساهم ذو الخمار وأخوه عثمان ابنا عَبْد اللهِ بْن ربيعة، ولم يقتل من الأحلاف إلا رجلان، لأن قارب بْن الأسود وكان سيدهم يومئذ فر بهم حين اشتد أول

القتال واستحر القتل في بني نصر بْن معاوية، وهرب مالك بْن عوف النصري في جماعة من قومه ودخل الطائف مع ثقيف، وانحازت طوائف من هوازن إلى أوطاس، وأدرك ربيعةُ بْنُ رفيع بْن أهبان السلمي من بني سليم دُرَيْدَ بْن الصمة فقتله، وقد قيل: إن قاتل دريد هو عَبْد اللهِ بْن قنيع بْن أهبان من بني سليم، وقد قيل: إن دريدا أسر يومئذ، وأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله لمشاهدته الحرب وموضع رأيه فيها، ولما انقضى الصدام نادى منادى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قتل قتيلا عليه بينة فله سلبه، وبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عامر الأشعري، واسمه عبيد، وهو عم أبي موسى الأشعري، في طائفة من المسلمين منهم أَبُو موسى إلى من اجتمع من هوازن بأوطاس، فشد على أبي عامر أحد بني دريد بْن الصمة فقتله، قيل: رماه سلمة بْن دريد بْن الصمة بسهم فقتله، وأخذ أَبُو موسى الراية وشد على قاتل عمه فقتله، وقيل: بل رمى أبا عامر رجلان من بني جشم، وهما العلاء وأوفى ابنا الحارث، أصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته، ثم قتلهما أَبُو موسى، وقيل: بل قتل أَبُو عامر تسعة إخوة من المشركين مبارزة، يدعو كل واحد منهم إلى الإسلام ثم يحمل عليه فيقتله، ثم حمل عليه عاشرهم فقتله، ثم أسلم ذلك العاشر بعد ذلك

تسمية من استشهد من المسلمين يوم حنين:

واستشهد من المسلمين يوم حنين أربعة رجال: أيمن بْن عبيد وهو أيمن بْن أم أيمن أخو أسامة بْن زيد لأمه، ويزيد بْن زمعة بْن الأسود بْن المطلب بْن أسد، جَمَحَ به فرسه فقتل، وسراقة بْن الحارث بْن عدي من بني العجلان من الأنصار، وأبو عامر الأشعري، وكانت وقعة هوازن وهي يوم حنين في أول شوال من السنة الثامنة من الهجرة، وترك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم الغنائم من الأموال والنساء والذراري فلم يقسمها حتى أتى الطائف

غزوة الطائف:

وكان منصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين إلى الطائف، لم يرجع إلى مكة، ولا عَرَّجَ على شيء إلا غزو الطائف قبل أن يقسم غنائم حنين وقبل كل شيء، فسلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الجعرانة في طريقه إلى الطائف، ثم أخذ على قرن، وابتنى في طريقه ذلك مسجدا وصلى فيه، وأقاد في ذلك المكان بدم، وهو أول دم أقيد به في الإسلام من رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به، ووجد في طريقه ذلك حصنا لمالك بْن عوف النضري فهدمه، ووجد هنالك أطما قد تَمَنَّعَ فيه رجل من ثقيف في ماله فأمر بهدمه، ولم يشهد غزوة حنين ولا الطائف عروة بْن مسعود، ولا غيلان بْن سلمة الثقفيان، كانا قد خرجا يتعلمان صناعة المنجنيق والدبابات، ثم نزل عليه السلام بقرب الطائف بواد يقال له العقيق، فتحصنت ثقيف وحاربهم المسلمون، وحصن ثقيف لا حصن مثله في حصون العرب، فأصيب من المسلمين رجال بالنبل، فزال النبي عليه السلام من

ذلك المنزل إلى موضع المسجد المعروف اليوم، فحاصرهم عليه السلام بضعا وعشرين ليلة بل بضع عشرة ليلة، وقيل عشرين يوما، وكان معه عليه السلام امرأتان من نسائه، أم سلمة إحداهما، فموضع المسجد اليوم بين منزلهما يومئذ، وتولى بنيان ذلك المسجد عمرو بْن أمية بْن وهب بْن معتب الثقفي، وأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطع أعناب الطائف إلا قطعة عنب كانت للأسود بْن مسعود أو لابنه في ماله، وكانت تبعد عن الطائف، وسأله الكف عنها، فكف عنها،

 

وكان يجير بْن زهير بْن أبي سلمى المزني الشاعر ابْن الشاعر، شهد حنينا والطائف، وكان حسن الإسلام

 

تسمية من استشهد من المسلمين في حصار الطائف

واستشهد من المسلمين في حصار الطائف سعيد بْن سعيد بْن العاصي بْن أمية، وعرفطة بْن جناب الأزدي حليف لبني أمية، وعبد الله بْن أبي بكر الصديق، أصابه سهم فاستمر منه مريضا حتى مات منه في خلافة أبيه، وعبد الله بْن أبي أمية بْن المغيرة المخزومي أخو أم سلمة، وعبد الله الأكبر بْن عامر بْن ربيعة حليف بني عدي بْن كعب، والسائب بْن الحارث بْن قيس السهمي، وأخوه عَبْد اللهِ بْن الحارث بْن قيس السهمي، وجليحة بْن عَبْد اللهِ الليثي من بني سعد بْن ليث، وثابت بْن الجذع الأنصاري من بني سلمة، والحارث بْن سهل بْن أبي صعصعة الأنصاري من بني مازن بْن النجار، والمنذر بْن عَبْد اللهِ الأنصاري من بني ساعدة، ومن الأوس رقيم بْن ثابت بْن ثعلبة

باب في قسمة غنائم حنين وما جرى فيها

ثم انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الجعرانة موضع قريب من حنين، وكان قد اسْتَأْنَى بقسمة الغنائم رجاء أن يسلموا ويرجعوا إليه، فلما قسمت الغنائم هنالك، أتاه وفد هوازن مسلمين راغبين في العطف عليهم والإحسان إليهم، فقال لهم: " قد كنت استأنيت بكم، وقد وقعت المقاسم وعندي ما ترون، فاختاروا إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم " فاختاروا العيال والذرية، وقالوا: لا نعدل بالأنساب شيئا، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا صليت الظهر فتكلموا واطلبوا حتى أكلم الناس في أمركم " فلما صلى الظهر تكلموا وقالوا: نستشفع برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين، فقال النبي عليه السلام: " أما ما كان لي ولبني عَبْد المطلب وبني هاشم فهو لكم " وقال المهاجرون والأنصار: أما ما كان لنا فهو لرسول الله عليه السلام، وامتنع الأقرع بْن حابس وعيينة بْن حصن في قومهما أن يردوا عليهم شيئا مما وقع لهم في سهامهم، وامتنع العباس بْن مرداس السلمي، وطمع أن يساعده قومه كما ساعد الأقرع بْن حابس وعيينة قومهما، فأبت بنو سليم، وقالوا: بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله عليه السلام: " من ضن منكم بما في يديه فإنا نعوضه منه " فرد عليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءهم وأبناءهم، وعوض من لم تطب نفسه بترك نصيبه أعواضا رضوا بها، وكان عدد

سبي هوازن ستة آلاف إنسان فيهم الشيماء أخت

 

النبي عليه السلام من الرضاعة، وهي بنت الحارث بْن عبد العزى من بني سعد بْن بكر بْن هوازن بنت حليمة السعدية، فأكرمها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعطاها ورجعت إلى بلادها مسرورة بدينها وبما أفاء الله عليها، وقسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأموال بين المسلمين، وأعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس أو من جملة الغنيمة على مذهب من رأى أن ذلك إلى اجتهاد الإمام، وأن له أن ينفل في البدأة والرجعة حسب ما رآه بظاهر قوله الله تعالى : {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يحكم فيها بما أراه الله، وليس ذلك لغيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بظاهر قوله عز وجل : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} وللقول في تلخيص ذلك مواضعُ غير هذا

 

أُعْطِيَاتُ المؤلفة قلوبهم:

ولم يختلف أهل السير وغيرهم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى المؤلفة قلوبهم من قريش وغيرهم، ولا ذِكْرَ للمؤلفة قلوبهم في غير آية قسم الصدقات، قالوا: أعطى قريشا مائة بعير مائة بعير، وكذلك أعطى عيينة بْن حصن والأقرع بْن حابس، قَالَ ابن إسحاق: أعطاهم يتألفهم ويتألف بهم قومهم وكانوا أشرافا، فأعطى أبا سفيان بْن حرب مائة بعير، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير، وأعطى حكيم بْن حزام مائة بعير، وأعطى الحارث بْن هشام مائة بعير، وأعطى سهيل بْن عمرو مائة بعير، وأعطى حويطب بْن عبد العزى مائة بعير، وأعطى صفوان بْن أمية مائة

بعير، وكذلك أعطى مالك بْن عوف والعلاء بْن جارية الثقفي حليف بني زهرة، قَالَ: فهؤلاء أصحاب المئين،

 

وأعطى رجالا من قريش دون المائة، منهم مخرمة بْن نوفل الزهري، وعمير بْن وهب الجمحي، وهشام بْن عمرو العامري، لا أعرف ما أعطاهم، وأعطى سعيد بْن يربوع خمسين بعيرا، وأعطى عباس بْن مرداس السلمي أباعر قليلة فتسخطها، وقال في ذلك: وكانت نهابا تلافيتها بكرى على المهر في الأجرع وإيقاظي القوم أن يرقدوا إذا هجع الناس لم أهجع فأصبح نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع وقد كنت في الحرب ذا تدرإ فلم أعط شيئا ولم أمنع إلا أفائل أعطيتها عديد قوائمها الأربع وما كان حصن ولا حابس يفوقان شيخي في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يرفع فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذْهَبُوا فَاقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَهُ " فأعطوه حتى رضي، فكان ذلك قَطْعَ لسانه، وقيل: إن عباس بْن مرداس أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت القائل: فأصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة فقال أَبُو بكر الصديق: بين عيينة والأقرع، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هما واحد " وقال أَبُو بكر: أشهد أنك كما قَالَ الله عز وجل : {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} قَالَ أَبُو عمر: لو كان ما أعطى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين من خمس

الخمس كما زعم من زعم ذلك، أو من الخمس الذي قَالَ فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مالي من غنائمكم

 

إلا الخمس، والخمس مردود عليكم " ما شق ذلك والله أعلم على الأنصار حتى قالوا ما هو محفوظ عنهم، وقد كتبت ذلك فيما بعد، ولكنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم من إيمانهم وكرمهم أنهم سيرضون بفعله، لأن حرصهم على ظهور الدين من حرصه رضي الله عنهم

 

تسمية المؤلفة قلوبهم

من بني أمية: أَبُو سفيان بْن حرب بْن أمية، وابنه معاوية، وطليق بْن سفيان بْن أمية، وخالد بْن أسيد بْن أبي العيص بْن أمية، ومن بني عَبْد الدار بْن قصي: شيبة بْن عثمان بْن أبي طلحة، وأبو السنابل بْن بعكك، وعكرمة بْن عامر بْن هاشم، ومن بني مخزوم: زهير بْن أبي أمية، والحارث بْن هشام، وأخوه خالد بْن هشام، وهشام بْن الوليد بْن المغيرة، وسفيان بْن عَبْد الأسد، والسائب بْن أبي السائب، ومن بني عدي بْن كعب: مطيع بْن الأسود، وأبو جهم بْن حذيفة، ومن بني جمح: صفوان بْن أمية بْن خلف، وأخوه أحيحة بْن أمية، وعمير بْن وهب بْن خلف، ومن بني سهم: عدي بْن قيس بْن حذافة، ومن بني عامر بْن لؤي: حويطب بْن عَبْد العزى، وهشام بْن عمرو بْن ربيعة، ومن سائر قبائل العرب من بني الديل بْن بكر بْن عَبْد مناة: نوفل بْن معاوية، ومن بني قيس، ثم من بني

عامر بْن صعصعة، ثم من بني كلاب بْن ربيعة بْن عامر: علقمة بْن علاثة بْن عوف بْن الأحوص بْن جعفر بْن كلاب، ولبيد بْن ربيعة بْن مالك بْن جعفر بْن كلاب،

 

ومن بني عامر بْن صعصعة: خالد بْن هوذة بْن ربيعة بْن عمرو بْن عامر، وأخوه حرملة بْن هوذة، ومن بني نصر بْن معاوية: مالك بْن عوف بْن سعيد بْن يربوع، ومن بني سليم بْن منصور: عباس بْن مرداس، ومن غطفان ثم من فزارة: عيينة بْن حصن، ومن بني تميم ثم من بني حنظلة: الأقرع بْن حابس، وقد ذكر في المؤلفة حكيم بْن حزام، والنضير بْن الحارث بْن علقمة بْن كلدة أخو النضر بْن الحارث المقتول ببدر صبرا، وذكر آخرون النضير بْن الحارث فيمن هاجر إلى أرض الحبشة، فإن كان منهم فمحال أن يكون من المؤلفة قلوبهم، ومن هاجر إلى أرض الحبشة فهو من المهاجرين الأولين ممن رسخ الإيمان في قلبه وقاتل دونه، ليس ممن يؤلف عليه، وعند إعطاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أعطى المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار ولا المهاجرين قَالَ ذو الخويصرة التميمي: قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم يا مُحَمَّد، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجل، فكيف رأيت؟ " قَالَ: لم أرك عدلت، فغضب النبي عليه السلام، وقال: " ويحك إن لم يكن العدل مني فعند من يكون؟ " فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنقه

يا رسول الله، فقال: " لا، دعوه، سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية "

 

موقف بعض الأنصار:

قَالَ ابن إسحاق: وحدثني عاصم بْن عمر بْن قتادة قَالَ: لما أعطى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك العطايا في قريش وقبائل العرب، ولم يكن

 

في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة، فدخل عليه سعد بْن عبادة، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم بما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قَسَمْتَ في قومك، وأعطيت قوما من العرب عطايا عظاما، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء، قَالَ: " فأين أنت من ذلك يا سعد؟ " قَالَ: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي، قَالَ: " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " قَالَ: فخرج سعد فجمع من الأنصار في تلك الحظيرة، وجاء رجل من المهاجرين فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد، فقال: يا رسول الله، قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: " يا معشر الأنصار، ما قَالَةٌ بلغتني عنكم، ووجدة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا:

بلى، لله ورسوله المن والفضل، ثم قَالَ: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المن والفضل، فقال: أما والله لو شئتم لقلتم فَصَدَقْتُمْ وَلَصُدِّقْتُمْ: أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فواسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار فِي أنفسكم فِي لُعَاعَةٍ من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إيمانكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ والذي نفس مُحَمَّد بيده لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب

 

الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، قَالَ: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسما وحظا، فانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفرقوا " وروي أن قائلا قَالَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله، أعطيت عيينة بْن حصن والأقرع بْن حابس وتركت جعيل بْن سراقة الضمري، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس مُحَمَّد بيده، لَجُعَيْلُ بْن سراقة خير من طلاع الأرض مثل الأقرع وعيينة، ولكني تألفتهما ليسلما، ووكلت جعيلا إلى إسلامه، وكان هذا القسم بالجعرانة، وروى أَبُو الزبير وغيره، عن جابر، قَالَ: بصرت عيناي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجعرانة، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبض ويعطي الناس "

 

عمرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجعرانة:

ثم خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معتمرا من الجعرانة إلى مكة، وأمر ببقايا الفيء، فخمس بناحية مر الظهران، فلما فرغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عمرته انصرف إلى المدينة، واستخلف على مكة عتاب بْن أسيد بْن أبي العيص وهو ابن نيف وعشرين سنة، ودخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة لست بقين من ذي القعدة، وكانت وقعة الطائف في ذي القعدة المؤرخ من السنة الثامنة من الهجرة، وكانت غيبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ خرج من المدينة إلى مكة فافتتحها، وأوقع بهوازن، وحارب الطائف إلى أن رجع إلى المدينة شهرين وستة عشر يوما،

 

واستعمل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالك بْن عوف بْن سعيد بْن يربوع النصري على من أسلم من قومه من قبائل قيس، وأمره بمغاورة ثقيف، ففعل وضيق عليهم، وحسن إسلامه وإسلام المؤلفة قلوبهم حشا عيينة بْن حصن، فلم يزل مغموزا عليه، وسائر المؤلفة قلوبهم منهم الخير الفاضل المجمع على خيره كالحارث بْن هشام حكيم بْن حزام، وعكرمة بْن أبي جهل، وسهيل بْن عمرو، ومنهم دون هؤلاء، وقد فضل الله النبيين وسائر عباده المؤمنين بعضهم على بعض، وهو أعلم بهم، ثم انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفرقوا، وأقام الحج للناس عتاب بْن أسيد في تلك السنة، وهو أول أمير أقام الحج في الإسلام، وحج المشركون على مشاعرهم، وكان عتاب بْن أسيد خَيِّرًا فاضلا ورعا، وقدم

كعب بْن زهير بْن أبي سلمى على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلما وامتدحه، وقام على رأسه بقصيدته التي أولها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول، وأنشدها إلى آخرها، وذكر فيها المهاجرين فأثنى عليهم، وكان قبل ذلك حُفِظَ له هجاءٌ في النبي عليه السلام، فعاب عليه الأنصار إذ لم يذكرهم، فغدا على النبي عليه السلام بقصيدة يمدح فيها الأنصار، وقبل النبي عليه السلام إسلامه، وسمع شعره وأثابه

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

غزوة تبوك:

ثم أقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بعد انصرافه من حصار الطائف ذا الحجة، والمحرم، وصفرا، وربيعا الأول، وربيعا الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، وخرج في رجل من سنة تسع بالمسلمين إلى غزوة الروم، وهي آخر غزاة غزاها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه، وكان خروجه إلى غزوته تلك في حر شديد، وحين طاب أول الثمر، وفي عام جدب، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يكاد يخرج غازيا إلا وَرَّى بغيره، إلا غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد المسافة، ونفقة المال، والشُّقَّةِ، وقوة العدو المقصود إليه، فتأخر الجد بْن قيس من بني سلمة وكان متهما بالنفاق، فاستأذن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البقاء وهو غني قوي، فأذن له وأعرض عنه، فنزلت فيه : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} وكان نفر من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي عند جاسوم يثبطون الناس عن الغزو

، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلحة بْن عبيد الله في نفر وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت ففعل ذلك طلحة، فاقتحم الضحاك بْن خليفة وكان معهم في البيت جدار الدار، فوقع فانكسرت رجله، وفر ابن أبيرق وكان معهم، وأنفق ناس من المسلمين واحتسبوا، وأنفق عثمان بْن عفان رضي الله عنه نفقة عظيمة جهز بها جماعة من المعسرين في تلك الغزوة، وروي أنه حمل في تلك الغزاة على تسع مائة بعير ومائة فرس، وجهزهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا شكالا، وروي أنه أنفق فيها ألف دينار،

 

وفي هذه الغزوة أتى رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البكاءون وهم سبعة: سالم بْن عمير من بني عمرو بْن عوف، وعلبة بْن زيد أخو بني حارثة، وأبو ليلى عَبْد الرحمن بْن كعب من بني مازن بْن النجار، وعمرو بْن الحمام من بني سلمة، وعبد الله بْن المغفل المزني، وقيل: بل هو عَبْد اللهِ بْن عمرو المزني، وهرمي بْن عَبْد اللهِ أخو بني واقف، وعرباض بْن سارية الفزاري، فاستحملوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجدوا عنده ما يحملهم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون، فسموا البكائين، وذكروا أن ابن يامين بْن عمير النضري حمل أبا ليلى وعبد الله بْن مغفل على ناضح له يعتقبانه، وزودهما تمرا كثيرا، واعتذر المخلفون من الأعراب فعذرهم رسول الله عليه السلام، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضرب عسكره على باب المدينة،

واستعمل عليها مُحَمَّد بْن مسلمة، وقيل: بل سباع بْن عرفطة، وقيل: بل خلف عليها علي بْن أبي طالب رضي الله عنه، وهو الأثبت، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف عليا في غزوة تبوك، فقال المنافقون: استثقله، فذكر ذلك علي رضوان الله عليه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خبر سعد، فقال: " كذبوا، إنما خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " والآثار بذلك متواترة صحاح قد ذكرت كثيرا منها في غير هذا الموضع، وخرج عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول بعسكره فضربه على باب المدينة أيضا، فكان عسكره فيما زعموا ليس بأقل العسكريين، وهو يظهر الغزاة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نهض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تخلف عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، وكانوا نيفا وثمانين رجلا، خَلَّفَهُمْ سُوءُ نياتهم ونفاقهم،

 

وتخلف في هذه الغزاة من صالحي المسلمين ثلاثة رجال وهم: كعب بْن مالك الشاعر من بني سلمة، ومرارة بْن ربيعة، ويقال: ابن الربيع من بني عمرو بْن عوف، وهلال بْن أمية الواقفي، فافتقدهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد يوم أو يومين، فقيل له تخلفوا، فعجل من ذلك وعز عليه لأنه كان يعرف إيمانهم وفضلهم، ونهض فخطر على حجر ثمود، فأمر أصحابه أن لا يتوضئوا من بئر ثمود

، ولا يعجنوا خبزا بمائها، ولا يستعملوا شيئا منه، فقيل: إن قوما عجنوا منه، فأمر بالعجين فطرح للإبل علفا، وأمرهم أن لا يستعملوا ماء بئر الناقة في كل ما يحتاجون إليه، وأمر أصحابه عليه السلام بأن لا يدخلوا بيوت ثمود، وقال: " لا تدخلوا بيوت هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم " ونهاهم أن يخرج أحدهم منفردا، فخرج رجلان من بني ساعدة كل واحد منهما منفرد عن صاحبه، أحدهما يريد الغائط، فَخُنِقَ، فَأُخْبِرَ النبي عليه السلام، فدعا له فشفي، والآخر خرج في طلب بعير له، فأخذته الريح ورمته في جبل طيء فردته بعد ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعطش الناس في تلك الغزاة عطشا شديدا، فدعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربه فأرسل عليهم سحابة ارتووا منها وَدَوَابُّهُمْ وَإِبِلُهُمْ، وأخذوا حاجتهم من الماء، وأضل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقته، وقال من في قلبه نفاق: مُحَمَّد يدعي أن خبر السماء يأتيه، ولا يدري أين ناقته، فنزل الوحي بما قَالَ هذا القائل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا أصحابه فأخبرهم بقول القائل، وأخبرهم أن الله عز وجل قد عرفه بموضع ناقته، وأنها في موضع كذا قد تعلق خطامها بشجرة، فابتدروا المكان الذي وصف عليه

 

السلام فوجدوها هنالك، وقيل: إن قائل ذلك القول زيد بْن اللصيت القينقاعي وكان منافقا، وقيل: إنه تاب بعد ذلك، وقيل: لم يتب والله

أعلم، وفي هذه الغزاة ذكروا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى أبا ذر يمشي في ناحية العسكر وحده فقال: " يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده " فكان كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مات بالربذة وحده، وأخرج بعد أن كفن إلى الطريق يلتمس من يصلي عليه، فصادف إقبال ابن مسعود من الكوفة فصلى عليه، وكان ممن سمع هذا الحديث، فحدث به يومئذ أيضا، ونزل القرآن من سورة براءة وسورة الأحزاب بفضيحة المنافقين الذين كانوا يخذلون المسلمين، وتاب من أولئك مخشن بْن حمير، ودعا الله أن يكفر عنه بشهادة يخفي بها مكانه، فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر

 

بعث خالد بْن الوليد إلى أكيدر دومة:

وبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بْن الوليد إلى أكيدر بْن عَبْد الملك صاحب دومة، وقال له: يا خالد، إنك ستجده يصيد البقر، فأتاه خالد ليلا وقرب من حصنه، وأرسل الله تعالى بقر الوحش، فأتت تحك حائط القصر بقرونها، فنشط أكيدر ليصيدها، وخرج في الليل فأخذه خالد، وبعث به إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعفا عنه النبي عليه السلام ورده إلى حصنه بعد أن صالحه على الجزية، وصالح يحنة بْن رؤبة صاحب أيلة على الجزية

 

العودة من تبوك:

وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يتجاوزها، ثم انصرف، وكان في طريقه ماء قليل، فنهى أن يسبق أحد إلى الماء

، فسبق إليه رجلان فاستنفدا ما فيه، فسبهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال ما شاء الله أن يقول، ثم وضع يده في الماء ودعا الله فيه بالبركة، فجاشت العين بماء عظيم كفى الجيش كله، وأخبر عليه السلام أن ذلك الموضع سَيُمْلأُ جِنَانًا، فكان كذلك، وبنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين تبوك والمدينة مساجد كثيرة نحو ستة عشر مسجدا، أولها مسجد بناه بتبوك، وآخرها بذي خشب

 

مسجد الضرار

وكان أهل مسجد الضرار قد أتوه وهو متجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدا لذي الْعَيْلَةِ والحاجة، والليلةِ المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي فيه، فقال لهم: " أنا في شغل السفر، وإذا انصرفت فسيكون " فلما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر في منصرفه بهدم مسجد الضرار، أمر بذلك مالك بْن الدخشم، ومعن بْن عدي، وعاصم بْن عدي أخاه، وأمر بإحراقه، وقال لهم: " اخرجوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه، فخرجوا مسرعين، وأخرج مالك بْن الدخشم من منزله شعلة نار، ونهضوا فأحرقوا المسجد وهدموه، وكان الذين بنوه خذام بْن خالد بْن عبيد بْن زيد أحد بني عمرو بْن عمرو بْن عوف، ومن داره أخرج مسجد الضرار، ومعتب بْن قشير من بني ضبيعة بْن زيد، وأبو حبيبة بْن الأزعر من بني ضبيعة بْن زيد، وعباد بْن حنيف أخو سهل بْن حنيف من بني عمرو بْن عوف، وجارية بْن عامر وابناه مجمع وزيد ابنا جارية، ونبتل بْن الحارث من بني ضبيعة، وبحزج وهو من بني

 

ضبيعة، وبجاد بْن عثمان من بني ضبيعة، ووديعة بْن ثابت من بني أمية بْن زيد، وثعلبة بْن حاطب مذكور فيهم وفيه نظر، لأنه قد شهد بدرا، ومات عَبْد اللهِ ذو البجاد بْن المزني في غزوة تبوك، فتولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر غسله ودفنه، ونزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قبره وقال: " اللهم إني راض عنه فارض عنه "

 

حديث كعب بْن مالك وصاحبيه:

وأما اختصار حديث كعب بْن مالك وصاحبيه الذين تخلفوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك لغير ريبة في الدين، ولا تهمة نفاق، إلا ما كان من علم الله في إظهار حالهم، والزيادة في فضلهم، رويناه من طرق صحيحة لا أحصيها كثرة عن ابن شهاب، وخرجه المصنفون وأصحاب المسانيد، ذكره ابن شهاب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: وَفِيهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلا مِنْ تَبُوكَ، ثَابَ إِلَيَّ لُبِّي، وَعَلِمْتُ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ مَا لَمْ يُرْضِ اللهَ وَرَسُولَهُ فِي تَخَلُّفِي عَنْهُ، فَقُلْتُ: أَكْذِبُهُ، وَتَذَكَّرْتُ مَا يَكُونُ مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي أَخْرُجُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَتَّجِهْ لِي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَطَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَلِمْتُ أَنِّي لا أَنْجُو مِنْهُ إِلا بِالصِّدْقِ، فَلَمَّا صَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ، فَجَاءَ

 

الْمُتَخَلِّفُونَ فَجَعَلُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ، وَجِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، وَقَالَ لِي: " مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ أَكُنِ ابْتَعْتُ ظَهْرَكَ؟ " فَقُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْ غَيْرِكَ لَرَجَوْتُ أَنْ أُقِيمَ عِنْدَهُ عُذْرِي لأَنِّي أُعْطِيتُ جَدَلا، وَلَكِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي إِنْ كَذَبْتُكَ الْيَوْمَ أَطْلَعَكَ اللهُ عَلَيْهِ غَدًا فَفَضَحْتُ نَفْسِي، فَوَاللهِ مَا كَانَ لِيَ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْكَ، وَمَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمْ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ " فَقُمْتُ وَمَعِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي بَنِي سَلَمَةَ، يقولون: مَا عَلِمْنَاكَ أَتَيْتَ قَطُّ غَيْرَ هَذَا الذَّنْبِ، أَفَلا اعْتَذَرْتَ إِلَيْهِ فَيَسَعَكَ مَا وَسِعَ الْمُتَخَلِّفِينَ، وَكَانَ يَكْفِيكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَنْصَرِفَ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَأَكْذِبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ لَقِيَ مِثْلَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرِي؟ قَالُوا، نَعَمْ، رَجُلانِ قَالا مِثْلَ مَقَالِكَ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ، قُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَمْرِيُّ، وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَصَمَتُّ حِينُ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ خَاصَّةً، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي نَفْسِي وَالأَرْضُ الَّتِي أَنَا فِيهَا، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ بِالأَسْوَاقِ لا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلا أَسْمَعُهُ يَرُدُّ عَلَيَّ، فَأَقُولُ لَيْتَ شِعْرِي هَلَّ رَدَّ فِي نَفْسِهِ، وَكُنْتُ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، فَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللهِ مَا زَادَ عَلَى السَّلامِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، نَشَدْتُكَ الله

 

َ هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَنَاشَدْتُهُ ثَانِيَةً، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، فَعُدْتُ فَوَثَبْتُ فَتَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ وَخَرَجْتُ، ثُمَّ غَدَوْتُ إِلَى السُّوقِ، فَإِذَا رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنِّي مِنْ نِبْطِ الشَّامِ الْقَادِمِينَ بِالطَّعَامِ إِلَى الْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَجَعَلَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ، فَجَاءَنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهُ: وَهَذَا مِنَ الْبَلاءِ أَيْضًا أَنْ يَطْمَعَ فِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَعَمَدْتُ إِلَى تَنُّورٍ فَسَجَرْتُ فِيهِ الْكِتَابَ، وَأَقَمْتُ حَالِي، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ أَتَانِي فَقَالَ لِي: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا؟ قَالَ: لا، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلا تَقْرَبْهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي فِيهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِي هَذَا الأَمْرِ مَا هُوَ قَاضٍ، وَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَائِعٌ لا خَادِمَ لَهُ، أَفَتَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: " لا، وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ " قَالَتْ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إِلَيَّ، وَمَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِي هَذَا حَتَّى تَخَوَّفْتُ عَلَى بَصَرِهِ، وَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِدْمَةِ امْرَأَتِكَ، فَقَدْ أَذِنَ لِهِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لا أَفْعَلُ، إِنِّي لا أَدْرِي مَا يَقُولُ لِي وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، قَالَ: فَلَبِثْنَا فِي ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْكَلامِ مَعَنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةٍ وَأَنَا قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، فَأَنَا كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ قَدْ وَافَى

 

عَلَى ظَهْرِ سَلْعٍ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ، فَخَرَرْتُ لِلَّهِ سَاجِدًا، وَعَلِمْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ، وَآذَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ حَتَّى وَافَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، نَزَعْتُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ، وَاللهِ مَا أَمْلِكُ يَوْمَئِذٍ غَيْرَهُمَا، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَتَيَمَّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَلَقَّانِيَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنِي بِالتَّوْبَةِ، وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ فَحَيَّانِي وَهَنَّأَنِي، وَوَاللهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، قَالَ: فَكَانَ كَعْبٌ لا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِي وَوَجْهُهُ يَبْرُقُ مِنَ السُّرُورِ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ قَالَ: لا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا اسْتَبْشَرَ كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي إِلَى اللهِ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قُلْتُ: إِنِّي مُمْسِكٌ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لا أُحَدِّثَ إِلا صِدْقًا مَا بَقِيتُ، وَكَانَ مَا نَزَلَ فِي شَأْنِي مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى جَلَّ ذِكْرُهُ : {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} إِلَى قَوْلِهِ {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}

 

إسلام ثقيف

ولما كان في رمضان سنة تسع من الهجرة منصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك، أتاه وفد ثقيف، وقد كان عروة بْن مسعود الثقفي لحق برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حين انصرافه من حصار الطائف، فأدركه قبل أن يدخل المدينة فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، وكان سيد قومه ثقيف، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ " وعرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتناعهم ونخوتهم، فقال: يا رسول الله، إني أَحَبُّ إليهم من أبكارهم، ووثق بمكانه منهم، فانصرف إليهم ودعاهم إلى الإسلام، وأخبرهم أنه قد أسلم، فرموه بالنبل فأصابه سهم فقتله، فزعمت بنو مالك أنه قتله رجل منهم، فقيل له: ما ترى في دمك؟ فقال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يدخل إليكم، وأوصى أن يدفن معهم، فهو مدفون خارج الطائف مع الشهداء، وذكروا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَثَلُهُ في قومه مَثَلُ صاحب ياسين في قومه " ثم إن ثقيفا رأوا أن لا طاقة لهم بما هم فيه من خلاف جميع العرب ومغاورتهم لهم والتضييق عليهم، فاجتمعوا على أن يرسلوا من أنفسهم رسولا كما أرسلوا عروة، فكلموا عَبْد ياليل بْن عمرو بْن عمير وكان في سن عروة بْن مسعود في ذلك، فأبى أن يفعل، وخشي

أن يُصْنَعَ به ما صنع بعروة بْن مسعود، وقال: لست فاعلا إلا أن ترسلوا معي رجالا، فأجمعوا على أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك فيكونوا ستة، فبعثوا مع عَبْد ياليل: الحكم بْن عمرو بْن وهب بْن معتب، وشرحبيل بْن غيلان بْن سلمة من بني معتب، ومن بني

 

مالك: عثمان بْن أبي العاصي بْن بشر بْن عَبْد دهمان، وأوس بْن عوف أخا بني سالم، وقد قيل: إنه قاتل عروة، ونمير بْن خرشة بْن ربيعة، فخرجوا حتى قدموا المدينة، فأول من رآهم بقناةَ المغيرةُ بْن شعبة وكان يرعى ركاب أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نوبته، وكانت رعيتها نوبا عليهم، فترك عندهم الركاب ونهض مسرعا ليبشر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدومهم، فلقي أبا بكر الصديق فاستخبره عن شأنه، فأخبره بقدوم وفد قومه ثقيف للإسلام، فأقسم عليه أَبُو بكر أن يؤثره بتبشير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فأجابه المغيرة إلى ذلك، فكان أَبُو بكر هو الذي بشر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، ثم رجع إليهم المغيرة ورجع معهم وأخبرهم كيف يحيون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يفعلوا، وحيوه بتحية الجاهلية، فضرب لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبة في ناحية المسجد، وكان خالد بْن سعيد بْن العاص هو الذي يختلف بينهم وبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي كتب الكتاب لهم، وكان الطعام يأتيهم من عند رسول الله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يأكلون حتى يأكل منه خالد بْن سعيد، وسألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يكتب كتابهم أن يترك لهم الطاغية وهي اللات لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول الله إلا هدمها، وسألوه أن لا يهدموا أوثانهم ولا يكسروها بأيديهم، فأعفاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كسرها بأيديهم وأبي أن يدع لهم وثنا، وقالوا: إنما أردنا أن نسلم بتركها من سفهائنا ونسائنا، وخفنا أن نروع قومنا بهدمها حتى ندخلهم الإسلام، وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة، فقال لهم: " لا خير في دين لا صلاة فيه " فلما كتب لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابهم، أمر عليهم عثمان بْن أبي العاصي

وكان أحدثهم سنا، ورآه أحرصهم على تعلم القرآن وشرائع الإسلام، وأمر أن يصلي بهم وأن يقدرهم بأضعفهم ولا يطول عليهم، وأمره أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا، وبعث معهم أبا سفيان بْن حرب، والمغيرة بْن شعبة لهدم الأوثان والطاغية وغيرها، فأقام أَبُو سفيان في ماله بذي الهزم، وقال للمغيرة: ادخل أنت على قومك، فدخل المغيرة وشرع في هدم الطاغية وهي اللات، وقام دونه قومه بنو معتب خشية أن يُرْمَى كما رُمِيَ عروة بْن مسعود، وخرج نساء ثقيف يبكين اللات حسرا ويَنُحْنَ عليها، فهدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها، وقد كان أَبُو مليح بْن عروة بْن مسعود وقارب بْن الأسود قدما على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وفد ثقيف

حين قتل عروة بْن مسعود، يريدان فراق ثقيف، وأن لا يجامعاهم على شيء أبدا، فأسلما، وقال لهما: " توليا من شئتما " فقالا: نتولى الله ورسوله، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وخالكما أبا سفيان بْن حرب " فقالا: وخالنا أبا سفيان بْن حرب، فلما أسلم أهل الطائف، ووجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا سفيان المغيرة إلى هدم الطاغية، سأل أَبُو مليح بْن عروة بْن مسعود رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقضي دين أبيه عروة من مال الطاغية، وسأل قارب بْن الأسود بْن مسعود مثل ذلك، والأسود وعروة أخوان لأب وأم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمغيرة وأبي سفيان: " اقْضِيَا دَيْنَ عُرْوَةَ مِنْ مَالِ الطَّاغِيَةِ " فقال قارب: يا رسول الله، وَدَيْنَ الأسود، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ

 

وَسَلَّمَ: " إن الأسود مات مشركا " فقال قارب: يا رسول الله، لكن تَصِلُ مسلما ذا قرابة، يعني نفسه، إنما الدَّيْنُ عَلَيَّ وأنا الذي أطلب به، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضاء دين الأسود بْن مسعود من مال الطاغية، فقضى أَبُو سفيان والمغيرة دين الأسود وعروة ابني مسعود من مال الطاغية

 

حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة تسع:

وأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر بالخروج إلى الحج وإقامته للناس، فخرج أَبُو بكر لذلك، ونزل صدر سورة براءة بعده، فقيل له: يا رسول الله،

لو بعثت بها إلى أبي بكر يقرؤها على الناس في الموسم، فقال: " إنه لا يؤديها عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا عليا، فقال له: اخرج بهذه الْقُصَّةِ من صدر براءة وَأَذِّنْ بها في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى " وأمره بما ينادي به في الموسم، فخرج على ناقة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العضباء حتى أدرك أبا بكر بالطريق، فقال له أَبُو بكر لما رآه: أميرا أو مأمورا، قَالَ: بل مأمورا، ثم نهضا، فأقام أَبُو بكر للناس الحج سنة تسع على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية، وقد قيل: إن حجة أبي بكر وقعت حينئذ في ذي القعدة على ما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية،

وروى معمر، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} قَالَ: كانوا يحجون في كل شهر عامين، حجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، حتى وافت حجة أبي بكر في الآخر من العامين، في ذي القعدة قبل حجة  النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم حج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قابل في ذي الحجة، فذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث يقول: " إِنَّ الزَّمَنَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ " قَالَ معمر: قَالَ الزهري: عن سعيد بْن المسيب: لما قفل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين اعتمر من الجعرانة، وَأَمَّرَ أبا بكر على تلك الحجة

وذكر ابن جريج عن مجاهد قَالَ: لما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك، أراد الحج، ثم قَالَ: " إِنَّهُ يَحْضُرُ الْبَيْتَ عُرَاةٌ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَلا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لا يَكُونَ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ أَرْدَفَهُ عَلِيًّا " قَالَ أَبُو عمر: بعث عليا ينبذ إلى كل ذي عهد عهده، ويعهد إليهم أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، مع سائر ما أمره أن ينادي به في كل موطن من مواطن الحج، فأقام الحج ذلك العام سنة تسع أَبُو بكر، ثم حج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قابل حجته التي لم يحج من المدينة غيرها،

فوقعت حجة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العام المقبل في ذي الحجة، فقال: " إن الزمان قد استدار " الحديث، وثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة، فلما كان يوم النحر في حجة أبي بكر، قام علي فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة كافر، رُوِيَ في حديثه هذا: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته، وَأَجَّلَ الناسَ أربعةَ أشهر من يوم أَذَّنَ فيهم، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم، ثم لا عهد لمشرك، ولا ذمة لأحد كانت له عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يحج بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف بالبيت عريان

 

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ

قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَخَطَبَ النَّاسَ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فِي حَجَّتِهِ، فَقَالَ: " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ مُفْرَدٌ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

باب وفود العرب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بلادها للدخول في الإسلام وذلك في سنة تسع وسنة عشر، وحجته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة عشر

لما فتح الله عز وجل على رسوله عليه السلام مكة، وأظهره يوم حنين، وانصرف من تبوك، وأسلمت ثقيف، أقبلت إليه وفود العرب من كل وجه يدخلون في دين الله أفواجا، وأكثرهم كان ينتظر ما يكون من قريش، لأنهم كانوا أئمة الناس من أجل البيت والحرم، وأنهم صريح ولد إسماعيل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما فتح الله مكة عليه، أَهَلَّ الناس إليه، وكل من قدم عليه قدم راغبا في الإسلام إلا عامرَ بْنَ الطفيل، وأربدَ بْنَ قيس في وفد بني عامر، وإلا مسيلمةَ في وفد بني حنيفة، فأما عامر بْن الطفيل بْن مالك بْن جعفر بْن كلاب، وأربد بْن قيس بْن جزء بْن خالد بْن جعفر بْن كلاب، فإنهما قدما عليه في وفد بني عامر بْن صعصعة، وقد أضمر عامر بْن الطفيل الفتك برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والغدر به، وأربد بْن قيس هو أخو لبيد لأمه، وكان عامر بْن الطفيل قد قَالَ له: إني شاغله عنك بالكلام، فإذا فعلت ذلك فَاعْلُهُ بالسيف، ثم جعل يسأله سؤال الأحمق، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا أجيبك في شيء مما سألت عنه حتى تؤمن بالله ورسوله " وأنزل الله على أربد البهت والرعب فلم يرفع يدا، فلما يئس منه عامر، قَالَ: يا مُحَمَّد

، والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا، فلما وليا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم اكفني عامر بْن الطفيل، وأربد بْن قيس

 

" وقال عامر لأربد: ما منعك أن تفعل ما تعاقدنا عليه؟ والله لا أخافك بعدها، وما كنت أخاف غيرك، وخرجا جميعا في وفدهم راجعين إلى بلادهم، فلما كانا ببعض الطريق بعث الله على عامر بْن الطفيل الطاعون في عنقه، فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول، فجعل يقول: أَغُدَّةً كَغُدَّةِ الْبَكْرِ أَوْ غُدَّةِ الْبَعِيرِ، وموتا في بيت سلولية، ووصل أربد إلى بلده، فقال له قومه: ما وراءك؟ قَالَ: والله لقد دعاني إلى عبادة شيء لو أنه عندي اليوم لرميته بالنبل حتى أقتله، فلم يلبث بعد قوله هذا إلا يوما أو يومين وأنزل الله عليه صاعقة، وكان على جمل قد ركبه في حاجة فأحرقه الله عز وجل هو وجمله بالصاعقة، وقدم عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد بني حنيفة، فيهم مسيلمة بْن حبيب يكنى أبا هارون، وقيل: بل هو مسيلمة بْن ثمامة يكنى أبا ثمامة، واختلف في دخوله على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فروي أنه دخل مع قومه على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم يسترونه بالثياب، فكلمه وسأله، فأجابه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنك لو سألتني هذا العسيب، لِعَسِيبٍ كان معه من سعف النخل، ما أعطيتكه " وقد روي أن بني حنيفة لما نزلوا بالمدينة خلفوا مسيلمة في

رحالهم، وأنهم أسلموا، وذكروا مكان مسيلمة، وقالوا: إنا قد خَلَّفْنَا صاحبا لنا في رحالنا يحفظها لنا، فأمر لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما سألوه، وأمر له بمثل ما أمر لقومه، وقال: " أما إنه ليس بشركم مكانا " أَيْ لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أصحابه، ثم انصرفوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انتهوا إلى اليمامة، ارتد عدو الله مسيلمة وادعى النبوة، وقال: قد أشركني الله في أمره، واتبعه أكثر قومه، وجعل لهم أسجاعا يضاهى بها القرآن، وأحل لهم الخمر والزنا، وأسقط عنهم الصلاة، فمن سجعه قوله: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى،

 

ومثل هذا من سجعه لعنه الله، واتبعته بنو حنيفة إلا ثمامةَ بْنَ أثال الحنفي، بقي على الإيمان بالله ورسوله ولم يرتد مع قومه، وقدم عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفدُ بني تميم منهم عطارد بْن حاجب بْن زرارة بْن عدس الدارمي، وقيس بْن عاصم المنقري، وعمرو بْن الأهتم من بني منقر بْن عبيد أيضا، والزبرقان بْن بدر من بني بهدلة، ونعيم بْن يزيد، وقيس بْن الحارث، والحتات بْن يزيد المجاشعي، وهو الذي آخى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين معاوية، وقد ذكرنا خبره في بابه من كتاب الصحابة، وهؤلاء وجوه وفد تميم، وقدم معهم الأقرع بْن حابس الدارمي، وعيينة بْن حصن الفزاري، وقد كانا قدما على رسول الله صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلما، وشهدا معه فتح مكة، وحنينا، وحصار الطائف، ثم جاءا مع وفد تميم ونادوه من وراء الحجرات، وخبرهم في السير والتفسير، وأسلموا ولم يُظْهِرْ منهم بعد الإسلام إلا الخير والصلاح، إلا أن عيينة كان أعرابيا، جافيا، جلفا، مجنونا، أحمق، مطاعا في قومه، وقدم عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضمام بْن ثعلبة وافد قومه بني سعد بْن بكر، وأسلم وحسن إسلامه، ورجع إلى قومه فأسلموا، وقدم عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجارود بْن عمرو، وقيل: ابن بشر العبدي في طائفة من قومه عَبْد القيس، وكان الجارود نصرانيا فأسلم ومن معه، وسألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحملهم، فقال: " والله ما عندي ما أحملكم عليه " فقالوا: إنا نمر فنجد من ضوال الإبل في طريقنا فنأخذها، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ضالة المؤمن حَرْقُ النار " وحسن إسلام عَبْد القيس، وكان الجارود فاضلا صليبا في ذات الله، ولما ارتدت العرب، وارتد من ارتد من عَبْد قيس، قام في رهطه فأعلن بالإسلام ودعا إليه، وتبرأ

 

ممن ارتد من قومه، وثبت هو ورهطه على الإسلام، وقد كان قدم الأشج العصري من عَبْد القيس في وفد منهم قبل فتح مكة فأسلموا، وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث العلاء بْن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بْن ساوى العبدي، فأسلم وحسن إسلامه، ثم هلك بعد رسول الله صَلَّى

اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ردة أهل البحرين، والعلاء عنده أمير لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على البحرين، وقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد طيئ فيهم زيد الخيل وهو سيدهم، فعرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم الإسلام فأسلموا، وَرُوِيَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ما وصف لي رجل من العرب إلا وجدته دون ما وصف، إلا زيد الخيل فإن وصفه لم يبلغ ما وصف به " وسماه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد الخير، وقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدي بْن حاتم الطائي في قومه من طيئ، وكان نصرانيا، فمضى به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأدخله إلى بيته، وتناول وسادة من أدم حشوها ليف فطرحها، وقال له: " اجلس عليها " فقال: بل أنت فاجلس عليها يا رسول الله، فجلس رسول الله في الأرض، وأجلسه على الوسادة، ثم لم يزل يكلمه ويعرض عليه ما في دِينِهِ النَّصْرَانِيَّةِ مما أحدثوه فيه من الشرك، ويعرض عليه الإسلام، ويخبره أنه دين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، وأنه لا يبقى عربي إلا دخل في طوعا أو كرها، فقبل عدي الإسلام وأسلم وحسن إسلامه، وتبعه قومه فأسلموا وحسن إسلامهم، وقدم عليه فروة بْن مسيك الغطيفي وعداده في مراد مفارقا لملوك كندة ومباعدا لهم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلم وحسن إسلامه، وَأَمَّرَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قومه، ولم يرتد

فروة حين ارتدت العرب،

 

وقدم عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بْن معد يكربَ، وكان قد قَالَ لقيس بْن المكشوح: إنك سيد قومك، وإن محمدا قد خرج بالحجاز نبيا، فاقدم بنا عليه، فإنا إن قدمنا عليه لم يخف علينا أمره، فأبى قيس بْن المكشوح، فقدم عمرو هو وناس معه من زبيد، وهجره قيس بْن المكشوح، وهدد كل واحد منهما صاحبه، ثم أسلم قيس بْن المكشوح سنة عشر، وكتب إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى فيروز الديلمي في قتال الأسود العنسي المتنبئ، وقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأشعث بْن قيس في وفد كندة، قَالَ ابن شهاب: في ثمانين رجلا من كندة، فأسلم وأسلموا، وقالوا: يا رسول الله، نحن بنو آكل المرار، وأنت من بني آكل المرار، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا، نحن من بني النضر بْن كنانة، لا نقفو أمنا، ولا ننتفي من أبينا، وتبسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قولهم، وقال لهم: ائتوا العباس بْن عَبْد المطلب وربيعة بْن الحارث فناسبوهما بهذا النسب، وذلك أن العباس وربيعة كانا تاجرين يضربان في البلاد، فكانا إذا نزلا بقوم قالا: نحن بنو آكل الْمُرَارِ، يتعززان بذلك، فكان الأشعث يقول: والله لا أسمع أحدا يقول إن قريشا بنو آكل الْمُرَارِ إلا ضربته ثمانين، وآكل المرار هو الحارث بْن عمرو بْن حجر بْن عمرو بْن معاوية بْن الحارث بْن

معاوية بْن كندي، ويقال: كندة، قَالَ ابن هشام: والأشعث بْن قيس من ولد آكل الْمُرَارِ من قبل النساء، وقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرد بْن عَبْد اللهِ الأزدي فأسلم وحسن إسلامه في وفد من الأزد، وَأَمَّرَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن، وقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب ملوك حمير مَقْدِمَهُ من تبوك بدخلوهم في الإسلام، وإسلام همدان ومعافر وذي رعين، فكتب لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابا محفوظا عند الرواة، وبعث إليه زرعة ذو يزن بْن مالك بْن مرة الرهاوي بإسلامه وإسلام قومه، ومفارقتهم الشرك، فكتب لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضا،

 

وبعث فروة بْن عمرو بْن النافرة الجذامي ثم النفاثي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولا بإسلامه، وأهدى له بغلة بيضاء، وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب بأرض الشام، فلما بلغ الرومَ إسلامُهُ طلبوه حتى أخذوه فحبسوه فمات في حبسهم، وقد كان قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هدنة الحديبية قبل خيبر رفاعة بْن زيد الجذامي ثم الضبيبي من بني ضبيب، فأهدى له غلاما، وأسلم وحسن إسلامه، وقال أَبُو إسحاق السبيعي وغيره: كانت همدان قد قدم وفدهم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ من تبوك، فآمنوا وأسلموا، وكتب لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

وذكر ابن هشام خبرهم ورجزهم وشعرهم، وما كتب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم، وذكر أنهم قدموا في الحبرات والعمائم العدينة، وفرح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدومهم وإسلامهم، وبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بْن الوليد في ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر إلى بني الحارث بْن كعب بنجران يدعوهم إلى الإسلام، فأسلموا ودخلوا فيما دعاهم خالد إليه من الإسلام، فأقام عندهم خالد يعلمهم كتاب الله وشريعة الإسلام، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما فتح الله عليه من أهل نجران ومن انضاف إليهم، فأجابه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كتابه، وأمره بالقدوم عليه، فقدم ومعه وفد بني الحارث بْن كعب، فكتب لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعث معهم عمرو بْن حزم يفقههم في الدين، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم، وكتب له بذلك كتابا فيه الصدقات والديات وكثير من سنن الإسلام، ورجع وفد بني الحارث بْن كعب إلى قومهم في بقية شوال أو صدر ذي القعدة، فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

 

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

حجة الوداع

قَالَ ابن إسحاق: فلما دخل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذو القعدة من سنة عشر تجهز للحج، وأمر النَّاسَ الْجِهَازَ له، وخرج لخمس ليال بقين من ذي القعدة فيما حَدَّثَنِي عَبْد الرحمن بْن القاسم، عن أبيه القاسم بْن مُحَمَّد، عن عائشة، قَالَ ابن هشام

: واستعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي، وقيل: سباع بْن عرفطة الغفاري قَالَ أَبُو عمر: ما كان في كتابنا هذا عن ابن إسحاق فروايتنا فيه عن عَبْد الوارث بْن سفيان، عن قاسم بْن أصبغ، عن مُحَمَّد بْن عَبْد السلام الخشني، عن مُحَمَّد بْن البرقي، عن ابن هشام، عن زياد البكائي، عن مُحَمَّد بْن إسحاق، وقراءة مني أيضا على عَبْد اللهِ بْن مُحَمَّد بْن يوسف، عن ابن مفرج، عن ابن الأعرابي، عن العطاردي، عن يونس بْن بكير، عن ابن إسحاق، وقراءة مني أيضا على عَبْد الوارث بْن سفيان، عن قاسم بْن أصبغ، عن عبيد بْن عَبْد الواحد البزار، عن أحمد بْن مُحَمَّد بْن أيوب، عن إِبْرَاهِيم بْن سعد، عن ابن إسحاق، وما كان فيه عن موسى بْن عقبة فقرأته على عَبْد الوارث بْن سفيان، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد، عن قاسم، عن مطرف بْن عَبْد الرحمن بْن قيس، عن يعقوب، عن ابن فليح، عن موسى بْن عقبة،

 

ولي في ذلك روايات وأسانيدُ مذكورة في صدر كتاب الصحابة، وفي الفهرسة روايتنا لكتاب الواقدي وغيره، تركنا ذلك ههنا خشية الإطالة بذكره، وفي كتاب أبي بكر بْن أبي خيثمة روايتي له عن عَبْد الوارث، عن قاسم، عنه من ذلك أطراف، والله المحمود على عونه وفضله كثيرا كما هو أهله، قَالَ الفقيه أَبُو عمر رضي الله عنه: قَالَ جماعة من أهل العلم بالسير والأثر: إن رسول الله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحج في الإسلام إلا ثلاث حجات، اثنتين بمكة، وواحدة بعد فرض الحج عليه من المدينة

 

حديث جابر في حجة الوداع:

وأحسن حديث في الحج وأتمه حديث جابر

حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرِ، وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ فِي بَنِي سَلَمَةَ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ الْعَامَ، فَنَزَلَ بِالْمَدِينَةِ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ وَيَفْعَلَ

 

مَا يَفْعَلُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَنَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، ثُمَّ أَهِلِّي، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ " قَالَ: وَلَبَّى النَّاسُ، وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ: ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلامِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ وَلا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا، فَنَظَرْتُ مَدَّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ جَابِرٌ: وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا، فَخَرَجْنَا لا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ، حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَةَ، فَاسْتَلَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ، ثُمَّ رَمَلَ ثَلاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ عَمَدَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ، وَقَرَأَ : {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قَالَ جَعْفَرٌ: قَالَ أَبِي: فَقَرَأَ فِيهِمَا بِالتَّوْحِيدِ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا، فَقَالَ: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ، وَقَرَأَ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} وَرَقَى عَلَى الصَّفَا، حَتَّى

 

إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَصَدَقَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ أَوْ قَالَ: هَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا الْكَلامِ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا الْكَلامِ، ثُمَّ نَزَلَ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي الْوَادِي سَعَى حَتَّى صَعِدَ مَشْيًا، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَرَقَى عَلَيْهَا، حَتَّى إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ قَالَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ عَلَى الصَّفَا، فَلَمَّا كَانَ السَّابِعُ بِالْمَرْوَةِ، قَالَ: يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَقَالَ سَارِقَةُ بْنُ جُعْثُمٍ وَهُوَ فِي أَسْفَلِ الْمَرْوَةِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَالَ: لِلأَبَدِ، بَلْ لأَبَدِ الأَبَدِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الْيَمَنِ، وَقَدِمَ مَعَهُ بِهَدْيٍ، وَسَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ هَدْيًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا فَاطِمَةُ قَدْ حَلَّتْ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَابِغَةً وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: أَمَرَنِي أَبِي، قَالَ عَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ: لَمْ يَذْكُرْهُ جَابِرٌ، فَانْطَلَقْتُ مُحَرِّشًا أَسْتَفْتِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ فَاطِمَةَ لَبِسَتْ ثِيَابًا صَابِغَةً وَاكْتَحَلَتْ، وَقَالَتْ: أَمَرَنِي أَبِي، قَالَ: صَدَقَتْ، أَنَا أَمَرْتُهَا، قَالَ جَابِرٌ: فَقَالَ لِعَلِيٍّ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلا تَحِلَّ بِحَالٍ، وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ

------------------------------------------------------------------------

 

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ عَلِيٌّ مِائَةً، فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثَلاثًا وَسِتِّينَ، وَأَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ نَحَرْتُ هَهُنَا، وَمِنًي كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَقَالَ: وَقَفْتُ هَهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَقَالَ: وَقَفْتُ هَهُنَا، وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ "

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرُبَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْكَلِمَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْفَهَانِيُّ وَهَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ الْكَلِمَةَ وَالْكَلِمَتَيْنِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلامٌ شَابٌّ، فَرَحَّبَ وَسَهَّلَ وَدَعَا لِي، فَقَالُوا: جِئْنَا نَسْأَلُكَ، فَقَالَ لِي: سَلْ عَمَّا شِئْتَ يَا ابْنَ أَخِي، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَقَدَ تِسْعًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُم

 

(1/279)

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

ْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي، وَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ : {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، قَالَ جَعْفَرٌ: فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ

 

إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَوَحَّدَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْثُمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لا، بَلْ لأَبَدِ الأَبَدِ، قَالَ: وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، وَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، ثُمَّ قَالَ: مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ، فَلا تَحِلَّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا

 

الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالصُّبْحَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ، أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: " إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُهُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللهِ، وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ

 

قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيُشِيرُ إِلَى النَّاسِ: اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلا حِينَ غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ وَقَدْ شَنَقَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللهَ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، وَوَحَّدَهُ، وَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلا أَبْيَضَ حَسَنَ الشَّعْرِ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ الظُّعُنُ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ،

 

فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا فَحَرَّكَ قَلِيلا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ إِلَى مَا يَلِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، حَصًا مِثْلُ حَصَا الْحَذْفِ رَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ فَأَفَاضَ، وَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، وَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: انْزِعُوا يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ، وَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

 

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

حجة الوداع

قَالَ ابن إسحاق: فلما دخل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذو القعدة من سنة عشر تجهز للحج، وأمر النَّاسَ الْجِهَازَ له، وخرج لخمس ليال بقين من ذي القعدة فيما حَدَّثَنِي عَبْد الرحمن بْن القاسم، عن أبيه القاسم بْن مُحَمَّد، عن عائشة، قَالَ ابن هشام

: واستعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي، وقيل: سباع بْن عرفطة الغفاري قَالَ أَبُو عمر: ما كان في كتابنا هذا عن ابن إسحاق فروايتنا فيه عن عَبْد الوارث بْن سفيان، عن قاسم بْن أصبغ، عن مُحَمَّد بْن عَبْد السلام الخشني، عن مُحَمَّد بْن البرقي، عن ابن هشام، عن زياد البكائي، عن مُحَمَّد بْن إسحاق، وقراءة مني أيضا على عَبْد اللهِ بْن مُحَمَّد بْن يوسف، عن ابن مفرج، عن ابن الأعرابي، عن العطاردي، عن يونس بْن بكير، عن ابن إسحاق، وقراءة مني أيضا على عَبْد الوارث بْن سفيان، عن قاسم بْن أصبغ، عن عبيد بْن عَبْد الواحد البزار، عن أحمد بْن مُحَمَّد بْن أيوب، عن إِبْرَاهِيم بْن سعد، عن ابن إسحاق، وما كان فيه عن موسى بْن عقبة فقرأته على عَبْد الوارث بْن سفيان، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد، عن قاسم، عن مطرف بْن عَبْد الرحمن بْن قيس، عن يعقوب، عن ابن فليح، عن موسى بْن عقبة،

 

ولي في ذلك روايات وأسانيدُ مذكورة في صدر كتاب الصحابة، وفي الفهرسة روايتنا لكتاب الواقدي وغيره، تركنا ذلك ههنا خشية الإطالة بذكره، وفي كتاب أبي بكر بْن أبي خيثمة روايتي له عن عَبْد الوارث، عن قاسم، عنه من ذلك أطراف، والله المحمود على عونه وفضله كثيرا كما هو أهله، قَالَ الفقيه أَبُو عمر رضي الله عنه: قَالَ جماعة من أهل العلم بالسير والأثر: إن رسول الله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحج في الإسلام إلا ثلاث حجات، اثنتين بمكة، وواحدة بعد فرض الحج عليه من المدينة

 

حديث جابر في حجة الوداع:

وأحسن حديث في الحج وأتمه حديث جابر

حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرِ، وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ فِي بَنِي سَلَمَةَ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ الْعَامَ، فَنَزَلَ بِالْمَدِينَةِ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ وَيَفْعَلَ

 

(1/276)

مَا يَفْعَلُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَنَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، ثُمَّ أَهِلِّي، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ " قَالَ: وَلَبَّى النَّاسُ، وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ: ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلامِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ وَلا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا، فَنَظَرْتُ مَدَّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ جَابِرٌ: وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا، فَخَرَجْنَا لا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ، حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَةَ، فَاسْتَلَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ، ثُمَّ رَمَلَ ثَلاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ عَمَدَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ، وَقَرَأَ : {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قَالَ جَعْفَرٌ: قَالَ أَبِي: فَقَرَأَ فِيهِمَا بِالتَّوْحِيدِ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا، فَقَالَ: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ، وَقَرَأَ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} وَرَقَى عَلَى الصَّفَا، حَتَّى

 

إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَصَدَقَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ أَوْ قَالَ: هَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا الْكَلامِ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا الْكَلامِ، ثُمَّ نَزَلَ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي الْوَادِي سَعَى حَتَّى صَعِدَ مَشْيًا، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَرَقَى عَلَيْهَا، حَتَّى إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ قَالَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ عَلَى الصَّفَا، فَلَمَّا كَانَ السَّابِعُ بِالْمَرْوَةِ، قَالَ: يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَقَالَ سَارِقَةُ بْنُ جُعْثُمٍ وَهُوَ فِي أَسْفَلِ الْمَرْوَةِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَالَ: لِلأَبَدِ، بَلْ لأَبَدِ الأَبَدِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الْيَمَنِ، وَقَدِمَ مَعَهُ بِهَدْيٍ، وَسَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ هَدْيًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا فَاطِمَةُ قَدْ حَلَّتْ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَابِغَةً وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: أَمَرَنِي أَبِي، قَالَ عَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ: لَمْ يَذْكُرْهُ جَابِرٌ، فَانْطَلَقْتُ مُحَرِّشًا أَسْتَفْتِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ فَاطِمَةَ لَبِسَتْ ثِيَابًا صَابِغَةً وَاكْتَحَلَتْ، وَقَالَتْ: أَمَرَنِي أَبِي، قَالَ: صَدَقَتْ، أَنَا أَمَرْتُهَا، قَالَ جَابِرٌ: فَقَالَ لِعَلِيٍّ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلا تَحِلَّ بِحَالٍ، وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ

 

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ عَلِيٌّ مِائَةً، فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثَلاثًا وَسِتِّينَ، وَأَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ نَحَرْتُ هَهُنَا، وَمِنًي كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَقَالَ: وَقَفْتُ هَهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَقَالَ: وَقَفْتُ هَهُنَا، وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ "

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرُبَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْكَلِمَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْفَهَانِيُّ وَهَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ الْكَلِمَةَ وَالْكَلِمَتَيْنِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلامٌ شَابٌّ، فَرَحَّبَ وَسَهَّلَ وَدَعَا لِي، فَقَالُوا: جِئْنَا نَسْأَلُكَ، فَقَالَ لِي: سَلْ عَمَّا شِئْتَ يَا ابْنَ أَخِي، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَقَدَ تِسْعًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُم

 

ْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي، وَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ : {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، قَالَ جَعْفَرٌ: فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ

 

إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَوَحَّدَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْثُمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لا، بَلْ لأَبَدِ الأَبَدِ، قَالَ: وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، وَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، ثُمَّ قَالَ: مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ، فَلا تَحِلَّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا

 

الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالصُّبْحَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ، أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: " إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُهُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللهِ، وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ

 

قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيُشِيرُ إِلَى النَّاسِ: اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلا حِينَ غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ وَقَدْ شَنَقَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللهَ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، وَوَحَّدَهُ، وَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلا أَبْيَضَ حَسَنَ الشَّعْرِ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ الظُّعُنُ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ،

 

فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا فَحَرَّكَ قَلِيلا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ إِلَى مَا يَلِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، حَصًا مِثْلُ حَصَا الْحَذْفِ رَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ فَأَفَاضَ، وَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، وَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: انْزِعُوا يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ، وَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

 

الدرر في اختصار المغازي والسير

 

باب ذكر وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

رَوَى وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللِّهِ وَالْفَتْحُ السُّورَةُ كُلُّهَا، عَلِمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَالَ: يَقُولُ لَهُ: اعْلَمْ أَنَّكَ سَتَمُوتُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: لِلَّهِ دَرُّكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، إِعْجَابًا بِقَوْلِهِ، وَقَدْ كَانَ سَأَلَ عَنْهَا غَيْرَهُ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ، ثُمَّ لَمَّا دَنَتْ وَفَاتُهُ أَخَذَهُ وَجَعُهُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَخَرَجَ إِلَى أَهْلِ أُحُدٍ فَصَلَّى عَلَيْهِمْ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا يَشْكُو فِي عِلَّتِهِ الصُّدَاعُ، فَيَقُولُ: " وَارَأْسَاهُ، ثُمَّ لَمَّا اشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَأَذِنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَمُرِّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ: " مَا زِلْتُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُهُ بِخَيْبَرَ، مَا زَالَتْ تِلْكَ الأَكْلَةُ تُعَاوِدُنِي، فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي، وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَظَنُّوا

 

أَنَّ بِهِ ذَاتَ الْجَنْبِ فَلَدُّوهُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ الَّذِي أَشَارَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَفَاقَ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَ بِالْقَصَاصِ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَاسْتَثْنَى الْعَبَّاسَ بِرَأْيِهِ، فَلُدَّ كُلُّ مَنْ حَضَرَ فِي الْبَيْتِ إِلا الْعَبَّاسَ، وَأَوْصَاهُمْ فِي مَرَضِهِ بِثَلاثٍ: أَنْ يُجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوٍ مِمَّا كَانَ يُجِيزُهُمْ بِهِ، وَأَنْ لا يَتْرُكُوا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَيْنِ، قَالَ: أَخْرِجُوا مِنْهَا الْمُشْرِكِينَ، وَاللهَ اللهَ فِي الصَّلاةِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: " لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، وَقَالَ لَهُمْ: هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا، فَاخْتَلَفُوا، وَتَنَازَعُوا، وَاخْتَصَمُوا، فَقَالَ: قُومُوا عَنِّي، فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي عِنْدِي تَنَازُعٌ " وَكَانَ عُمَرُ الْقَائِلَ حِينَئِذٍ: قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ وَجَعُهُ وَرُبَّمَا صَحَّ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ الْكِتَابَ لاخْتِلافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ، وَسَارَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا: " إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَيَّ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَرَضَهُ عَلَيَّ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَمَا أَظُنُّ إِلا أَنِّي مَيِّتٌ مِنْ مَرَضِي هَذَا " فَبَكَتْ، فَقَالَ لَهَا: " مَا يَسُرُّكِ أَنَّكِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَا عَدَا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ؟ " فَضَحِكَتْ، وَكَانَ يَقُولُ فِي صِحَّتِهِ: " مَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ، رَوَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَتْ: فَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ جَعَلَ يَقُولُ: " مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى، مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا،

 

وَقَالَ حِينَ عَجَزَ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " وَخَرَجَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ مَرَضِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ تَخُطُّ رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ، يَحْمِلُهُ رَجُلانِ: أَحَدُهُمَا عَلِيٌّ، وَالآخَرُ الْعَبَّاسُ، وَقِيلَ: الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ فِي مَرَضِهِ: " هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ، فَأُجْلِسُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ بِيَدِهِ أَنْ حَسْبُكُمْ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى بِهِمْ، وقد أوضحنا معاني صلاته في مرضه بالناس مع أبي بكر، ومكان المقدم منهما، وما يصح في ذلك عندنا في كتاب التمهيد، وبالله توفيقنا، وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمًا يَسْأَلُونَ عَلِيًّا وَالْعَبَّاسَ عَنْ حَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اشْتَدَّتْ بِهِ الْحَالُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَصْبَحَ بِخَيْرٍ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: مَا الَّذِي تَقُولُ؟ وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ فِي وَجْهِهِ مِنَ الْمَوْتِ مَا لَمْ أَزَلْ أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ اذْهَبْ بِنَا نَسْأَلْهُ فِيمَنْ يَكُونُ هَذَا الأَمْرُ بَعْدَهُ، فَكَرِهَ عَلِيٌّ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْأَلاهُ، وَاشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ فَجَعَلَ يَقُولُ: " لا إِلَهَ إِلا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ، الرَّفِيقَ الأَعْلَى، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى مَاتَ، وَمَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ بِلا اخْتِلافٍ، قِيلَ فِي وَقْتِ دُخُولِهِ الْمَدِينَةَ فِي هِجْرَتِهِ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى فِي صَدْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشَرَةَ، لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَقِيلَ: بَلْ دُفِنَ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ، وَلَمْ يَحْضُرْ غُسْلَهُ وَلا تَكْفِينَهُ إِلا أَهْلُ بَيْتِهِ، غَسَّلَهُ عَلِيٌّ، وَكَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَالْعَبَّاسُ يُعِينُهُمْ، وَحَضَرَهُمْ شَقْرَانُ مَوْلاهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ كِتَابِ الصَّحَابَةِ سُؤَالَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلَمْ يُصَدِّقْ عُمَرُ بِمَوْتِهِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ مَاتَ، وَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَخَطَبَ وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ، وَاللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ

 

اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى رَبِّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، وَاللهِ لَيَرْجِعَنَّ رَسُولُ اللهِ كَمَا رَجَعَ مُوسَى، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ مَاتَ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بَيْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُشِفَ لَهُ عَنْ وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ وَأَيْقَنَ بِمَوْتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَوَجَدَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَأَبَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَأَبَى، فَتَنَحَّى عَنْهُ وَقَامَ خَطِيبًا، فَانْصَرَفَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، ثُمَّ تَلا {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} الآيَةَ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ عَرَفْتُ مَا وَقَعْتُ فِيهِ، وَكَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا قَبْلُ، ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَبَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ بَايَعُوهُ بَيْعَةً أُخْرَى مِنَ الْغَدِ عَلَى مَلإٍ مِنْهُمْ وَرِضًا، فَكَشَفَ اللهُ بِهِ الْكُرْبَةَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَقَامَ بِهِ الدِّينُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب تحفة المودود

  كتاب تحفة المودود   بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله العلي العظيم الحليم الكريم الغفور الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن ال...